أصوات تعلو فوق صوت المعركة
وهيب أيوب
يقولون، “إن مجنوناً يرمي حجراً في بئر، ألف عاقل لا يستطيعون استخراجه”، هذا ما فعله “حزب الله” في لبنان في تموز 2006 وتقوم بتكراره اليوم “حماس”، لكن بصورة أكثر كاريكاتورية ومأساوية على الشعب الفلسطيني، دون أخذها في الحسبان الحد الأدنى مما يجب فعله وتهيئته وإعداده لمواجهة عدو شرس كإسرائيل، يمتلك آلة حرب مُدمِّرة لا قِبلَ للدول العربية مُجتمعة على مواجهتها، في ظل انقسام فلسطيني لم يشهده من قبل، وظروف دولية وإقليمية وعربية في أسوأِ حالاتها، لتضع فلسطيني غزّة أمام حالة تشبه الانتحار الجماعي تحت رحمة آلة الموت الإسرائيلية، دون أي مبالاة بعدد الضحايا، ودون الأخذ بالحسبان أي حماية لهم أو تأمين أي خدمات من أي نوع من قِبل “حماس” التي فقدت سلطتها على الأرض في الساعات الأولى لبدء العدوان. هذا حقيقةً يُعبِّر عن مدى استهتارنا كعرب بقيمة الفرد والإنسان في مجتمعاتنا، سواء في حالات الحرب أو السلم على حدّ سواء، فنحن بالنسبة لهم مُجرّد أرقام لا أكثر، ألف قتيل، ألفان، ثلاثة لا يهم، تحت شعار “نحن طلاّب آخرة لا دُنيا” على حدِّ تعبير قادة “حماس”، وكلما ازداد عدد الضحايا ازداد شهداء الجنّة! فالمواجهة على حد وصف إسماعيل هنية سابقا، هي بين الله ورسوله من جهة وإسرائيل وأميركا من جهة أُخرى، فمن يستطيع الانتصار على الله ورسوله؟!
هذا الخطاب الديماغوغي التعبوي الذي يستغل فقر الناس وجهلها وانقيادها الأعمى خلف شعارات دينية، سوف لن يؤدي إلا لكوارث يسبّبها هؤلاء للفلسطينيين والقضية الفلسطينية.
وإسرائيل بدورها تعرف كيف تستغل هذا تماماً، وهي تُتقن لعبة الدم والقتل بامتياز لأُناس لا يأبهون بعدد ضحاياهم وتدمير كل ممتلكاتهم ومؤسساتهم التي أُنفق عليها مليارات الدولارات خلال الـ15 سنة الماضية، ليعودوا ويبدأوا من الصفر أو دونه من جديد، اللّهُم إلا إذا استطاعت “حماس” إعادة جلب المال النظيف من الباب العالي في إيران!
وهنا وجَبَ القول، إننا لسنا بحاجة إلى دروس حول ماهية الأهداف الإسرائيلية من شنِّ عدوانها هذا الذي تعنونه بالحرب على “حماس” والإرهاب! بينما هو على الشعب الفلسطيني، وهذا مفهوم، ونحن نعلم عِلم اليقين بأنه لو قاد النضال الفلسطيني “مهاتما غاندي” فلسطيني ورفض التنازل عن الحقوق الفلسطينية فسيلقى مصير عرفات، وأنه لو قام المسيح من جديد وأصرّ على نيل الفلسطينيين حقوقهم لساقه الإسرائيليون إلى الجلجلة مرّة أُخرى وصلبوه.
الصراع مع إسرائيل، هو صراع على الأرض والوجود، مهما حاولت إسرائيل التذرّع بصواريخ “حماس” أو غيرها، فعرفات لم يكن حمساوياً ولا الشهيد أبو علي مصطفى أمين عام الجبهة الشعبية سابقاً الذي اغتاله الإسرائيليون بصاروخ، وأحمد سعادات كذلك، الذي حُكِم عليه بعدة مؤبدات. ومن الواضح أيضاً، أن أي فصيل فلسطيني سيقاوم إسرائيل سيُتّهم بالإرهاب وبإقرار أميركي أيضاً. لهذا، فإن المسألة بالنسبة لإسرائيل تتجاوز كل الفصائل والشخصيات الفلسطينية مهما تغيّرت أشكالها وألوانها، فهي تعتمد تصفية القضية الفلسطينية ورفضها الاعتراف بحقوق شعب سُلبت أرضه وشُرِّد من وطنه ويسعى لإقامة دولة على جزء منها المُحتل عام 67، وهي رغم كل الاتفاقيات والتفاهمات والتهدئات مع السلطة الفلسطينية السابقة واللاحقة، تستمر ببناء المستوطنات وتوسيعها، ومصادرة المزيد من الأرض وهدم البيوت وتجريف الأراضي الزراعية وسجن وملاحقة من تعتبرهم من المطلوبين وقتل الآخرين.
كل تلك التوصيفات المتعلّقة بالعدو وأهدافه واضحة ولا “ينتطحُ فيها عنزان”.
ولكن السؤال الأكبر والأهم، كيف يتم مواجهة كل ذلك وفي أي الوسائل والظروف؟
لنأخذ أولاً الجبهات العربية المواجهة لإسرائيل: أولاً مصر، وهي التي وقّعت مع إسرائيل اتفاقية سلام منذ العام 79، ثانياً الأردن، وهي أيضاً ترتبط مع إسرائيل باتفاقية “وادي عربه” منذ التسعينات، ثالثاً لبنان وهو الملتزم بالقرار 1701 بعيد حرب تموز الأخيرة مع “حزب الله” وهناك قوات دولية على أرضه في الجنوب. رابعاً سوريا، والتي وقّعت مع إسرائيل منذ العام 74 اتفاقية وقف إطلاق النار، واعتبرت أن خيارها الإستراتيجي هو خيار السلام من خلال التفاوض سواء المباشر أو غير المباشر، بعد أن استبدلت خيار التوازن الإستراتيجي، وهو بالمناسبة نكتة وخدعة إستراتيجية من الطراز الأول، دفع ثمنها الشعب السوري من خلال نهب النظام لمقدراته وأمواله، وما شعار الممانعة الجديد الذي يرفعه النظام حالياً، إلا نكتة أكثر سماجة من الأولى! إلا إذا اعتبرنا الأناشيد والأغاني والبُكائيات والمقابلات التلفزيونية التي تُجريها الفضائية السورية مع شخصيات أكل الزمن عليها وشرِب،هي بمثابة صواريخ تدعم المقاومة وتردع العدو وتمنعه؟! وأما التظاهرات الاحتجاجية العربية الغاضبة والتي بدأت منذ وعد بلفور وحتى اليوم، الذي يحاول كل نظام عربي تجييرها لمصالحه الخاصة ومحاولة تسجيل نقاط على الأنظمة الأخرى للإيحاء أنه يختلف عنها، فهي لن تؤدي إلى أي نتائج ما لم تجد قوى ونُخب سياسية وثقافية قادرة على توظيفها وتوجيهها نحو تغيير حقيقي داخلي على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمعيشي للانتقال إلى مجتمع مقاوم حقيقي بكل المقاييس.
أما باقي الدول العربية والتضامن العربي وجامعتهم المُهترئة فحدّث ولا حرج؟
إذن، لا يوجد أي إستراتيجية موحّدة لدى العرب وليس هناك أي مشروع عربي مُقاوم أو حتى يتبنى المقاومة، وليس هناك أي مشروع مُمانع أيضاً، ولكن هناك مشروع إيراني يمتلك الرؤيا والإستراتجية ويوظّف كل ما تيسّر له من أنظمة عربية استبدادية فاشلة وحركات أصولية إسلامية هنا وهناك ليستخدمها كدروعٍ بشرية في الدفاع عن نفسه ومشروعه، وهنا يقع اللوم على العرب أنفسهم لا على إيران الساعية لمصالحها، فهذا شأن الدول.
في ظلِ تلك الظروف التي تُحيط بالفلسطينيين، ما عليهم سوى خطِّ إستراتيجية فلسطينية خاصة وموحّدة، تعتمد على قوى الشعب الفلسطيني نفسه من خلال اجتماع كافة الفصائل الفلسطينية في رؤية إستراتيجية واحدة تأخذ بالحسبان كل الظروف الإقليمية والعربية والدولية، من معها، ومن عليها ومن على الحياد.
*الجولان السوري المحتل
خاص – صفحات سورية –