صفحات ثقافية

عالم الفراشات

null


عناية جابر

28/03/2008

عن موقع جامعة ساسكس البريطانية، قرأت عن كوكبنا الأرض وحتمية مواجهته معركة قاسية مع الشمس، في سبيل الإبقاء علي حياته. معركة تلوح خاسرة في أدني تقدير تنتهي بالأرض أن تولي الادبار من وجه الشمس، تاركة مدارها، وخارجة عن نظامها الشمسي.

فرحت لوهلة، كما لو الأمر يحدث في التّو واللحظة، او بعد شهر أو سنة، سوي أن في تتمة الخبر ما أفصح عن أن هذا السيناريو الدرامي، أي عملية تبخّر الأرض بالكامل حيال الشمس يحصل بعد سبعة مليارات سنة، عندما تكون البشرية ـ إذا ما كانت بعد ـ قد تركت الكرة الأرضية وهاجرت الي عوالم أخري ذات مواصفات إستضافة أفضل.

إنتهي الخبر تقريباً ولا حاجة الي ذكر تفاصيل فيه لا أفقه عنها شيئاً تحكي علمياً عملية تبدد الأرض وتحولها الي ذرات ماء. سيطرت عليّ فكرة سيادة الشمس وسعدت بها. قمت الي النافذة وفتحتها، نظرت اليها قرصاً مُتوهجاً لا يُضاهي. بدت شمساً بريئة وسعيدة، مع ذلك مُنتبهة تماماً الي رفعتها ومكانتها بين الكواكب، واعترف أنني فرحت لأنها تُضمر ولو بعد مليارات السنين، تفريغ الفضاء من كل ما يلمع، نجومه وقمره ومُذنباته وكل ما يُنير إنارة تافهة، لا تنفع إلاّ.. لكتابة الشعر.

2

تحت عنوان عالم الفراشات المشروع الذي تعاون إليه، عالما طبيعة بريطانيان ويهدف الي التخطيط لبناء أكبر ملاذ للفراشات في العالم، قرأت عن حدب هذين العالمين علي الفراشات، بتكلفة تتعدي الخمسين مليون دولار لإنقاذ هذا الكنز الثمين من الرّقة اللامتناهية هادفين الي إطلاق صرخة توقظ حاجة أعيننا الي الهشاشة والجمال. مليون دولار واحد ومن ملايين العرب، لم يهدف الي حماية أطفال فلسطين من القتل. ولا صرخة إحتجاج حتي، ولا همسة. الأطفال كائنات هشة وجميلة، كالفراشات وأحلي. مع ذلك، ولأجل ذلك تحديداً، يدفع العرب ملايينهم، لا لإنقاذهم، بل لسحقهم وقتلهم. أموال وملايين العرب هي التي تقتل الأطفال الفسطينيين علي أيدي الإسرائيليين. فلماذا لاتُقدّم الشمس سانحتها الجليلة الي الأرض ومن عليها من عرب وعجم؟ لماذا لاتُبيدها الآن عن بكرة أبيها؟ ماذا تنتظر الشمس تلك؟

3

سافرت صديقتي سفرها السنوي الي جبال التبت. لا تتخلّف صديقتي الغريبة عن مشوارها هذا علي ما تُردد، من أجل طهارة روحها . فتنتني أخبارها عن تلك البلاد وإستغراقها التّام بالدالاي لاما، وادهشني أنها بصدد إعتناق البوذية، ولم أكن قد ربطت سابقاً حاجتها الي السكينة بنيتها التحوّل الي دين جديد. الدين ـ لطالما إعتقدت ـ هو الشكل الطيبّ من اشكال التعامل بين البشر ومبدأه الروحي الإبتعاد عن الإبتذال.

صديقتي وقعت في أسرار الشرق مرة واحدة وتؤمن الان بتناسخ الأرواح. قلت لها أنت بوذية إذن، فابتسمت وقالت: أجل! بلهجة يمكن أن تكون إما أجل او ما هذا الهراء . لم أسع الي إستنطاقها اكثر.

أحببت أنا نفسي أن يكون شأنها مع البوذية مُعلقاً هكذا وغير جازم من قبلي علي الأقل. شقتها في الرملة البيضاء في بيروت مليئة الان بتماثيل بوذا، غير انها ممتلئة أيضاً بكل أنواع التخاريف الشرقية.

وأستطيع أن اقول انني أرتاح الي زيارتها.

4

وينبغي الان، وقد كتبت كثيراً في الغناء، أن اتحدّث عن عمّتي. تمتلك ما زالت رغم شيخوختها، صوتاً شجياً. أمّا كيف تعلّمتُ كل ما كانت تُغنيه، فلست أتذكّر سوي أن الغناء

هو المفهوم الضخم والواضح عن حرية الروح. عمّتي تُمثّل لي فكرة عامة عن المرح والحزن، الهدؤ والصخب، وحيثما تكون، يحضر الضحك والغرام الخفيف والبكاء أحياناً. عمّتي ليست ذات سوية مزاجية، و وحشيتها احياناً في روحها المعنوية المتذبذبة التي تمليها الصحة والشباب والجمال. سخاء صوتها هو سخاء غريري لكائن محظوظ تماماً. وهي، حتي بعد هجرتها الي امريكا منذ عشرين عاماً تُظهر نحوي حناناً خاصاً مسرفاً تتحفظ أمي من إسرافه في شيء من الغيرة.

كانت عمّتي تُسكرني بأغنيات رومانسية (رقّ الحبيب، غُلبت اصالح بروحي). ما أشّد زرقة صوتها ومازلت احاول تقليده، كما كنت افعل صغيرة مُسليّة والدي بترديد صوت أخته التي إصطفاها من بين اخواته الخمس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى