صفحات ثقافية

لنبدأ حملة ثقافية عالمية من أجل فلسطين

null
فخري صالح
عندما تضع الحروب أوزارها، وكي أكون أكثر دقة في التعبير، عندما تتوقف المذبحة بعض الوقت، يذهب العرب إلى النوم والاستمتاع بضروب العيش اليومي كافة، يمارسون كل ما كانوا يمارسونه من عادات، يتفرجون على ما تعرضه شاشات التلفزة، يستمعون إلى الأغاني التي يحبونها، وينتظرون مذبحة أخرى آتية، لكي يهبّوا مرة أخرى.
هذا ما يفعله المثقفون العرب أيضاً: يشعرون بالقهر والإحباط، يصرخون ضد إسرائيل الدولة المارقة المتمردة على القوانين والاتفاقات، ويكتبون عن ضرورة عمل شيء لإيقاف هذه الدولة المسخ العاتية. لكنهم عندما تصمت المدافع، الإسرائيلية بالطبع، يعودون إلى ممارسة حياتهم اليومية مثلهم مثل بقية العرب!
ما حصل في غزة من قتل وتدمير وخراب عميم، وتذويب بالقنابل الفوسفورية واليورانيوم المنضب، يستدعي شكلاً آخر من أشكال رد الفعل. لا ينبغي أن تنجو إسرائيل بفعلتها الشنيعة هذه المرة، لأن حجم القتل والجريمة فاق كل تصور. قطاع غزة شبه مدمر بالكامل. لم يفلت أي شيء على الأرض. المؤسسات التعليمية تبخرت بفعل القصف المركز الذي طاولها طوال ثلاثة وعشرين يوماً بليلها ونهارها. المستشفيات لم تسلم من طائرات الإف 16 والأباتشي. الأطفال الشهداء والجرحى عددهم قارب نصف حصيلة العدوان، والمدنيون العزّل كانوا هم الهدف الفعلي لهذا القتل المجنون الذي يفوح برائحة الجريمة المدبرة بليل.
هذه حرب ضد شعب، ضد فكرة فلسطين التي استعصت وستستعصي على المحو. ولهذا كان الجنون الصهيوني غير مألوف، فغزة هي مجتمع لاجئين في الأساس. معظمهم جاء من جنوب فلسطين ومن القرى المدمرة، المجاورة لقطاع غزة، التي مسحتها إسرائيل من الوجود عام 1948. وما أرادته الترويكا الإسرائيلية، المكونة من إيهود أولمرت وإيهود باراك وتسيبي ليفني، هو تذكير هؤلاء اللاجئين بأن فكرة العودة إلى فلسطين ممنوعة بقوة الردع الإسرائيلية، المسلحة بكل الترسانة العسكرية المحرّمة دولياً. ما أرادت النخبة الإسرائيلية قوله هو أن دولة فلسطينية آمنة مستقلة ممنوعة من الوجود في العصر الإسرائيلي. إنهم لا يريدون في الحقيقة إضعاف «حماس»، ووقف إطلاق الصواريخ، بل يريدون ردع المستقبل، قتل العنقاء الفلسطينية التي دائماً ما تنهض من رمادها.
في وجه هذه الرسائل التي بعثتها إسرائيل في اتجاهات متعددة من خلال هذه الحرب، أقترح تحركاً للمثقفين العرب ومؤسساتهم على مستوى دولي: على صعيد المنظمات الدولية، والمؤسسات المستقلة، من نسائية وثقافية وجماعات إثنية متعددة في أميركا وأوروبا وشرق آسيا، للعمل على تعرية الوجه البشع لإسرائيل الدولة المجرمة التي تقتل الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء العزّل من أي سلاح سوى إرادة العيش بسلام في وطن آبائهم وأجدادهم.
وقّع أكثر من 800 عالم وأستاذ جامعي مرموق وصحافي وكاتب في أميركا وأوروبا، على رأسهم نعوم تشومسكي، عريضة يطالبون فيها بحرمان إسرائيل من ثلاثة مليارات دولار تأخذها كمساعدات من الولايات المتحدة الأميركية، وقالوا إن ما تفعله إسرائيل في غزة يستوجب إعادة النظر في العلاقة الوطيدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ووقّع حوالى أربعمئة أستاذ جامعي بريطاني عريضة تطالب بمحاكمة إسرائيل على جرائمها.
ودعت نعومي كلاين، الكاتبة والناشطة الكندية الشهيرة التي تبيع من كتبها ملايين النسخ كل عام، في مقالة كتبتها في مجلة «ذا نيشن» الأميركية، إلى فرض حظر دولي على إسرائيل لأن ما تفعله في غزة يرقى إلى مستوى ما فعله نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بالمواطنين السود.
كشفت الحرب على غزة الوجه البشع لإسرائيل، الوجه الملطخ بدم الأطفال وأشلائهم، للعالم كله بغض النظر عن حياد المؤسسات الإعلامية الغربية، بل انحيازها لإسرائيل.  فلنبدأ من هنا، فالكثيرون أصبحوا معنا. لنذكر ضمائرهم بالجريمة الإسرائيلية المستمرة.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى