نفنى و لكن لا نتغير!!
علي ديوب
لا شيء يغيرنا، إلا إلى الأسوأ. سيبقى الحاكم المستبد قضاء و قدرا، و نازلة لا بد أن ننتظر لها فرجا من الله. و كذلك كل ما في حياتنا: أعداؤنا، فقرنا، تكاسلنا عن المخرج الأفضل. ليس الحكام وحدهم الجناة، لا و لا الأعداء.. بل كل من يشحن النفس و الغير بما يسميه الإيمان الجهادي، أو بالنضال الثوري، أو بالمقاومة المشرفة.. الخ لو قيض لنا أن نسير الخطوة الأولى في طريق التحرر و الاستقلال، لكانت هذه تتحدد بمقاومة النفس أولا، و الأسرة ثانيا، و من ثم العائلة و بعدها الأمة عن السقوط في أوهام الصراع مع الخارج، و البدء بالصراع مع الداخل، نحو تحسين هادي، بطيء و حقيقي للحياة في مختلف جوانبها. أما و الحال على ما هو عليه فليس منا من بريء بحق نفسه و أسرته و شعبه، ما دمنا نستجيب للنفخ و الشحن و الانتخاء لتغيير العالم. و أي عالم يمكن أن نربحه حين نخسر أنفسنا في الاستتباع و الضلال حيث يوجد من يريد أتباعا و تتوفر فسحة للغيبوبة. لنتحرر من أوهامنا أولا، و سنجد أننا تحررنا من أعدائنا تباعا. فعدونا فينا، يحتلنا من داخلنا، هو نوع من الفايروس المعند في ثقافتنا و عقائدنا المتنامية الانغلاق و الرفض، قبل أن يكون في عرق آخر أو دين أو لون أو مذهب. و ما دمنا لا نستطيع أن نقدم شيئا لشعب غزة المنكوب بنا و بالعدو الإسرائلي الهمجي، فلنوقف إعجابنا بصموده و تحديه لآلة الإجرام الصهيونية، و .. الخ و لنرأف بفنائه المشين لكل إنسان في هذا العالم. و لنسترحمه و نرجوه و نستحلفه بان يرأف بنفسه عبر رفضه للمتاجرين بحياته، و أولهم هؤلاء الذين يتخذون منه دريئة لهم، و يلعبون بورقته لخدمة برنامجهم الظلامي، و برنامج المتحكمين بهم في الخارج، أولئك الباحثون عن ورقة تقويهم في مفاوضاتهم مع أعدائهم في كل مكان، و أولئك الذين يتوسلون بهم تحقيق دور إقليمي يوزن بالوزن الدولي و ليس المحلي.. و إلا من يمكنه تصديق أن عملية قيامية يمكنها أن تمحو دولة إسرائيل من الوجود، من دون أن تمس بالفلسطينيين المراد حمايتهم و الدفاع عن حقهم في الوجود الحر الكريم!!!؟؟؟ أم أن ثمة قنبلة نووية دينية موعودة مزودة ببرنامج مذهبي يتقل بناء على ما في الصدور؟؟ حتى الله لم يخلق الجن و الإنس لكي يقتلوا في سبيله- إلا إذا كانت العبادة هي محض قتل للنفس؟
لا سبيل لأن ننتصر على العدو الإسرائلي، و لا أي معاد آخر، بالحرب. كما لا يستطيع العدو أن يهزمنا، بالمعنى المطلق، و لا يستطيع أحد بالقوة أن يفعل مثل هذا. فحتى الانتصار الأميركي المشين على اليابان، و الذي تجلى انتصارا عولميا في حرب قارية، تكشف أخيرا عن أمة- مثل كل أمة اخرى، حين تعترف بخسارتها- لا تقل أهمية عن أميركا، بانتهاجها سبيل المنافسة السلمي، عبر انكبابها على العلم و التقنية، و التنمية الحقيقية، متخلية عن أوهام الأحلاف العسكرية، و من دون أن تعود إلى ثانية إلى غوغائية القوة الخشنة و التجييش.
ألمانيا التي تقبلت الهزيمة بالمثل، قطعت مع القوة و التسليح و المواجهات العمياء، الأمر الذي مكنها من ولوج طريق التقدم و الارتقاء، لتحتل الرقم الأول في ساحتها الأوربية في كثير من أرقام النمو و الإنتاج و الخدمات.. الخ. أما نحن فننهزم مرارا و تكرارا، و لكن بدلا من أن نعترف، و نعيد النظر، ثم نستخلص الدروس، و نعمل على ضوئها بما يتيح لنا تعديل الهزيمة إلى نصر من نوع مختلف؛ نرفع عقيرتنا و نتبجح بالنصر المزعوم- ما دام العدو لم يحقق مخططاته(؟؟؟)، و غالبا يكون المقصود دوام حكامنا- و صورهم المقاومة- على ظهورنا، و فشل الهجمات المعادية الشرسة من تحطيم مقاومتنا و زعزعة إيماننا و هزيمتنا نفسيا: كأنما نمتلك مقاومة و إيمانا و نفوسا لكي تتحطم و تتزعزع و تهزم!! نكاد نتفرد عن سوانا من شعوب العالم بعدد الهزائم، و أيضا بعدد و حجم ادعاءات النصر. أتذكر هنا حادثة طريفة- قد لا تناسب وقار الموضوع- حول ذلك الرجل الضئيل و الأحمق الذي استفز أحد الأشخاص الأقوياء، حتى فتك هذا الأخير به، و كاد يذيقه الموت؛ لولا تدخل الناس الذين أقنعوه بأن بعف عن هذا الرجل الضعيف.. ولكن هذا الممرغ تجاهل لوم الناس الغيارى له على فعلته غير المدروسة، و راح يصرخ و يتهدد و يتوعد قائلا: إنه يستحق هذا الدرس مني، اتركوه يتربى، فهو لا يفهم إلا بالقوة!
إن ما نملكه لا يعدو أن يكون مجر تلال من الأوهام. و هو صورة من أوهام عدونا في هزيمتنا أيضا. و هو( الأوهام) الشيء الوحيد الذي حصده من عدو غبي و همجي- هو هتلر- الذي توهم أنه يمكنه أن يقضي على شعب، فانتهى لتأكيد وجوده كشعب مظلوم، غدت صورة الظلم الذي تعرض له مقياسا للكراهية و القبح و التعصب و العداوة في القرن المنصرم، على نحو معولم استدعى سن قوانين أممية على ضوئها، تحمي الأفراد من قوة الأنظمة و توفر ضمانة لشعور الأمم و الشعوب الضعيفة بالأمان من تعرضها لمخاطر القوة الجائرة من قبل الأمم الأقوى. كما تعكس تعلما للدرس المرير، و تجترح فنا في علاقات الأمم و الشعوب، يدعو إلى تقبل الاخر و يرى إليه بوصفه وجها آخر للذات. لا أشك بان البعض ممن يرون في ما أذهب إليه على أنه مجرد استسلام و جبن و نذالة امام عدو لا يفهم إلا لغة القوة سوف يجدونها فرصة سهلة لكي يدينوني من فمي، و لكني أرجوهم أن يعودوا لقراءة الحادثة الطريفة التي خففت بها آنفا من كلاحة هذه المادة. بدلا من أن تغويهم فصاحة خالد مشعل التي توفر الجرعة المهدئة لمن أدمنها و تمنحهم السكينة، و لذة العقيدة الجديدة بأن أذى الجسد عابر، و المهم الروح.. و دليله أن جسد المقاومة( ربما يقصد جسده) لم يمس! أو تصادر على أسئلتهم فتاوى الدكتور محمد نزال بان الفلسطينيين إنما يقاتلون بتوجيه رباني. و هو ما يعني بأن الفلسطيني المقاوم و الفلسطينية المقاومة هو- هي من يفترض، بل و يجب أن يفرحوا بما ينزل بهم، بأطفالهم الذين إذ يرونهم للكاميرات إنما يختالون بهم و يتغاوون على الغاوين. و ربما تفردوا عن بقية أمم العالم بالشعور بالرضى و السعادة التي لا بد ستحار تلك الأمم بتفسيرها؛ لأنها لم تحظ بنعمة التثقيف الثوري العقيدي الجهادي على يد أي من المشاعيل و النزاليين و من ارتقى إلى علييهم.