هل من حل؟
سعد محيو
تساءلنا بالأمس: هل ثمة مخرج ما من هذه النهاية المحزنة لدور العرب في التاريخ؟
قبل محاولة الإجابة، تذكير بأن ما يحدث للعرب الآن يبدو بديهياً للغاية ومنطقياً للغاية. إنه في الواقع محصلة وليس سبباً.
محصلة ماذا؟ فشل العرب، أولاً، في تأسيس الدولة – الأمة الموحّدة، ونجاح الإيرانيين والأتراك وإلى حد ما اليهود في ذلك. هذا ما يعطي الآن القوى الإقليمية الثلاث إيران وتركيا و”إسرائيل” القدرة على صياغة مشاريعها الخارجية الخاصة لمستقبل الشرق الأوسط، فيما الأمة العربية عاجزة حتى عن ضبط سياساتها الداخلية.
وفشلهم (العرب)، ثانياً، في تعويض عجزهم عن إقامة الدولة – الأمة العربية عبر بلورة سيناريوهات أخرى تستبدل الوحدة بحد أدنى من التنسيق والتضامن، والدولة – الأمة المحاربة بأمة في سلام مع نفسها داخل أطرها الكيانية.
ثم يجب ألا ننسى أيضاً أن العرب يتعرضون بالفعل منذ عهد محمد علي باشا وحتى الآن إلى عمليات ضرب وتدمير وإنهاك لم يتعرض إلى مستويات عنفها الشديد سوى الصينيين في القرن التاسع عشر.
مصر، بسبب موقعها المحوري في قلب الأمة العربية، قُدّر لها أن تتلقى الكم الأكبر من الضربات واللكمات على امتداد القرنين الماضيين. وقد وصلت هذه الضربات إلى ذروتها مرتين: مرة حين تكاتفت الدول الكبرى الأوروبية لتحويل شبه إمبراطورية إبراهيم باشا إلى شبه مستعمرة بريطانية، ومرة أخرى حين دمرت هذه الدول “إمبراطورية” جمال عبدالناصر القومية العربية ثم قلبتها إلى “غيتو” يحظر على مصر مغادرته حتى إلى عمقها الجغرافي الحيوي في السودان.
كل هذه الوقائع، مضافاً إليها عوامل ذاتية عدة، أسفرت عما نشهده الآن من انحسار كبير للدور العربي، ومن تقدم أكبر للأدوار الإيرانية والتركية واليهودية في صياغة مستقبل الشرق الأوسط.
لكن هذه قد لا تكون بالضرورة نهاية المطاف بالنسبة إلى العرب لأسباب عدة:
ففي المدى المنظور على الأقل، لن يكون وارداً أن تتفق القوى الإقليمية الأخرى خاصة إيران و”إسرائيل”، لا بل وحتى تركيا وإيران، على تقاسم النفوذ في نظام إقليمي شرق أوسطي جديد. وهذا ما يجعل العرب، موضوعياً، قادرين على تجنّب أن يوضعوا على لائحة طعام الوليمة الإقليمية الجديدة.
والديموغرافيا هي سبب آخر: فالعرب سيصبحون قريباً 350 مليوناً، أي ضعف الشعوب الإيرانية والتركية واليهودية مجتمعة. وبالطبع، لن يكون في الوسع إقامة نظام إقليمي جديد مع شطب هذه الكتلة السكانية الضخمة من مكوناته.
لكن، وعلى الرغم من هذه المعطيات الإيجابية، ينبغي على العرب الاعتراف بأن نظامهم الإقليمي قد انهار، وأن أفضل ما يمكن أن يقوموا به الآن ليس الرفض أو الاستسلام، بل بلورة أفكار جديدة حول نظام إقليمي جديد يكون أكثر تنوعاً وشمولاً.
كيف؟ أساساً على التذكّر بأن إيران الحالية دولة إسلامية لا قوة قورشية فارسية، وأن تركيا هي الأخرى دولة إسلامية ديمقراطية لا إمبراطورية بيزنطية أو حتى سلطنة عثمانية. وبالتالي، ثمة فرصة تاريخية كبرى لتأسيس شرق أوسط عربي- إسلامي جديد، تنضم إليه الجمهوريات الإسلامية “ التركية – الإيرانية” الست في آسيا الوسطى، وتستبعد منه “إسرائيل” الصهيونية.
هذا ما نرى أنه المدخل الوحيد الآن لإنقاذ العرب من التهميش التاريخي “النهائي”.