العرب البيض والعرب السود
حسام عيتاني
تولي الرئيس باراك أوباما الرئاسة الأميركية حدث تاريخي. لقد تجاوز كل العقبات التي يمكن تصور ظهورها في وجه مرشح مثله، وفاز في الانتخابات وشكل فريق إدارته ودخل الى البيت الابيض.
فوز أوباما يعزز فكرة التغيير من الداخل، التغيير التدريجي عبر المؤسسات لا من خارجها وعلى الرغم عنها. بعد تجارب عديدة لحركة الحقوق المدنية الافرو- أميركية، أثبت الجناح الذي مالَ الى التسوية والتفاوض، تفوقه على منافسه الثوري الداعي الى الانتفاض على الدولة والخروج على قوانينها العنصرية وممارساتها السياسية والاجتماعية المجحفة. هذا كلام كُتب ونشر وقيل منذ الساعات الأولى لانتصار باراك أوباما في الانتخابات في الرابع من تشرين الثاني الماضي. لكن تكراره يظل ضروريا في منطقة تشهد صعودا للتيارات الأكثر تشددا وللقوى غير القادرة على صوغ برامج سياسية تتسم بالحد الأدنى من العقلانية ومن القابلية للتطبيق.
تناقض مشاهد الاحتفالات بتنصيب الرئيس الأميركي الرابع والأربعين، من الحشود الهائلة التي جاءت لتعلن تمسكها بالأمل الذي علقته على أوباما، ومشاهد الفرح العفوي الذي عبر عنه ملايين الأميركيين، بغض النظر عن الرأي في ما تعد هذه الإدارة من مشاريع لمنطقتنا، تناقض هذه المشاهد بشدة صورتين مثلتا العالم العربي في الأيام القليلة الماضية: الاولى مشهد أهالي غزة يبحثون بين ركام منازلهم عن حطام حياة ليستعينوا به في قضاء أيامهم الصعبة. الصورة الثانية هي للقمة العربية في الكويت التي سارت على الطريق المعروف للقمم العربية. التسويات والمصالحات اللفظية وبقاء الصراعات جمراً تحت رماد القبلات المصورة.
ليس المقصود هو الاكتفاء بالإشارة الى التباين السطحي بين مشهد يعبر عن التطلع الى المستقبل وآخر يتفجع أبطاله على الماضي وتغيب عنهم قدرة كسر الماضي هذا والخروج منه. وليس المقصود الإيحاء بأن المسؤولين عن مآسي أهالي غزة، أو حلفاءهم الأوثق، يحتفلون بلامبالاة بتنصيب رئيس جديد لهم. المقصود على وجه التحديد هو التشديد على النقص العربي في القدرة على صناعة الحاضر والتفاعل معه والتأثير فيه. قليلة هي الإشارات الدالة على أن العرب استخلصوا الدروس العميقة من فشل عملية السلام وللأثمان الباهظة التي يتعين عليهم دفعها جراء صعود التيارات العدمية والسياسات العبثية.
أبعد من هذا وذاك، نحن مدعوون اليوم الى النظر في الواقع العربي بصفته يضم صنفين من البشر. الانقسام بينهما لا يعود الى الفوارق بين معسكري »الممانعة« و»الاعتدال« بل بين العرب »البيض« والعرب »السود«.
يشمل الاول من يستطيع التمتع بترف إبداء مشاعر التضامن والتعاطف مع المعاناة التي تنزل بأهالي فلسطين والعراق وقبلهم بشعب لبنان، في غرفة الجلوس وأمام شاشات التلفزة أو من خلال المشاركة في »مسيرات الغضب« وأيامه العديدة، أو مداواة ضمائرهم بحملات تبرع مادي وعيني. لا يهم كثيرا هنا أكان العرب البيض يقيمون في بلد معتدل أو ممانع، فما يجمعهم هو الانتماء الى ذلك العرق الذي نجا من تحمل أعباء الاعتداءات الاسرائيلية وتقتصر مشكلاته على مواجهة القمع المحلي، على الرغم من الطبيعة العنيفة لهذا الأخير.
الثاني يتألف ممن لا يجد أمامه سوى العويل على المصائب المتعاقبة التي تصيبه وتصيب أهله ووسائل عيشه. عويل تنقله وسائل إعلام عربية وعالمية من دون ضمانة بأنه سيحرك ساكنا أو يوقظ نائما. العرب »السود« هم من قابلوا الموت المحمول إليهم على آلات الاحتلال أو أعوانه، من دون أن تطرح أمامهم خيارات حقيقية وبدائل مقنعة، فيما ينكر أبناء جلدتهم المسلحون أي مسؤولية لهم عن حصتهم في لعبة الموت هذه. غني عن البيان أن التعبير أعلاه لا يشير الى فارق عرقي أو طائفي أو ما يدخل في هذا الباب، بل ان العرب »السود« هم، ببساطة العرب الذين يدفعون الثمن المباشر لصراعات يتفاقم عنفها.
هل يجب الخروج من التوصيف هذا بالقول إن الحل للواقع العربي هو تولي »السود« من بيننا مقاليد الحكم والسلطة؟ الأمر المؤكد هو أن الفرصة أتيحت مرات في التاريخ العربي الحديث، لوصول من مر بأقسى أنواع المعاناة الى أرفع المراتب والمناصب، إلا انه سرعان ما انقلب الى مصدر للخوف والتمييز والظلم.
هل سيكون باراك أوباما من هذه الفئة؟ الأرجح أن لا. الجواب المختصر لا يلغي الحاجة الى تأمل عميق في أسباب هذا التأييد العالمي للقاتل والإمعان في إدانة القتيل. لقد كان علينا أن نهتم بتظاهرات التأييد والدعم لإسرائيل أثناء عدوانها على غزة بقدر اهتمامنا بالتضامن مع أهالي غزة. هذه الأخيرة تأتي من منطلقات مفهومة بالنسبة لنا، أما الأولى فترسم على نحو شديد الدقة الخط الفاصل بين الكيفية التي يفهم العرب بها قضاياهم وتلك التي ينظر العالم (الغربي، المؤيد لإسرائيل، المتهم بالخضوع للوبي الصهيوني…الخ) الى القضايا عينها. النظرتان شديدتا الاختلاف.