صفحات العالم

كلام عن الرزّ باللّبن

null
داود الشريان
الحقيقية التي يجب ان نقرّ بها جميعاً هي أن الرأي في منطقتنا مرتهن للسياسة. فخلال الحرب على غزة كنا امام رأيين لا ثالث لهما. وبعد ساعات من خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي فتح باب المصالحة، واطفأ غضب الاختلاف، اصبحنا امام رأي واحد. غاب التحزب، وصار من الصعب على المتابع ان يعرف على وجه الدقة من المعتدل، ومن الممانع، او لماذا كنا مختلفين. من حسنات الخلافات العربية انها تسمح بالحصول على نصف رغيف من كل طرف.
بعيدا عن الخطأ والصواب، فإن ارتهان الرأي للموقف السياسي الرسمي على هذا النحو يعني ببساطة ان حرية التفكير والتعبير في أزمة مفجعة. من حق الحكومات، والأحزاب، ان تكون لها وسائلها التي تعبّر فيها عن وجهة نظرها، وتمارس متعتها في الدعاية. فنحن لن نطالب بوضع مثالي، فضلاً عن ان واشنطن صار لها إعلامها في المنطقة، وباتت تمارس الدعاية السياسية في شكل مفرط وفج. لكننا نريد أن نسمع رأياً مستقلاً عبر وسائل الإعلام بعيداً عن توجهات المحاور والمعسكرات والأنظمة، و قيود الاعتدال والممانعة، وبقية التقسيمات التي تتوالد عبر مسيرة السياسة العربية. هل هذا مطلب صعب؟
لا، ليس صعباً. لكن المشكلة لم تعد في إيجاد إعلام مستقل، بل في بشر كذلك. فوسائل الإعلام العربية التي تتمتع بمساحة واسعة من المرونة والاستقلال، وتستطيع ان تمارس اضعف الإيمان في تعليقاتها وبرامجها لن تجد من يعينها من البشر ولو بالنيّة التي محلها القلب. اختلط الفرق في العالم العربي بين الوطن والحكومة، وتم اختصار هذه بتلك، وأصبح من ينتقد الحكومة يخون الوطن. وعوضاً عن الشكوى من خطف وسائل الإعلام والصحف، أصبحنا نشكو من خطف رأي المثقفين والمعلقين وكتّاب الأعمدة. امتد نظام القطاع العام الى الكلمة، وصار لا بد من دعوة لتخصيص وجهات النظر حتى نستطيع ان نسمع رأياً وطنياً يختلف مع رأي الحكومة الوطنية. من الطبيعي والمفيد ان يختلف الوطنيون المواطنون مع الحكومة. لكن من الصعب اختصار الوطن بالحكومة، ومن المعيب ان تبحث بعض وسائل الإعلام العربية عن مثقف او مواطن او معلق في معظم البلاد العربية للتعليق على موقف هذه الحكومة او تلك فلا تجد رأيا آخر، بحجة ان بعض الحكومات العربية يتعامل مع المثقفين على قاعدة «من لا يؤيد الحكومة فهو غير وطني». وإذا عقد وزراء الإعلام العرب اجتماعاً سمعت كلاماً كبيراً عن الرزّ باللّبن.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى