قضية فلسطين

بديل “حماس”… “القاعدة”

ابرهام بورغ
ليس بعيدا اليوم الذي سنتوق فيه لهؤلاء الحماسيين. وذات يوم سنعجب لماذا لم نتحدث مع قادة “حماس”. في ذاك الوقت ستقف امامنا تهديدات اكبر بكثير. هذا واضح لي، إذ أنه الدرس المرير للتاريخ.
فصل في التاريخ يعلمني اياه الان سري نسيبه في كتاب مذكراته “كانت بلاد”. مذكراته المكتوبة برقة دقيقة ونبيلة، هي مرآة هدرنا. ثورة على الحجة الاسرائيلية المتعالية في أن “الفلسطينيين لم يفوتوا فرصة لتفويت الفرص”.
هو – نسيبة – يخرق بدبوس حاد بالوننا المنتفخ ويقول: “هاكم كل الفرص التي فوتها الاسرائيليون. عندما انتهت تلك الحرب البائسة اياها، الايام الستة، طردنا على الفور مؤيدي الملك الاردني، ومنذئذ ونحن لا نكف عن التوق لهم. اخترعنا “روابط القرى” كي لا نتعاطى مع وجهاء القدس، رام الله ونابلس، وكم ينقصنا اليوم والد نسيبة، فيصل الحسيني وباقي الزعماء الذين كانوا ولم يعودوا. بعد ذلك أعلنا باننا “ابدا لن نتحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية”، وبالفعل، بعد لحظة قصيرة من ذلك لم نتمكن من الحديث معهم اذ لم يكن هناك مع من يمكن الحديث.
والآن ترابط “حماس” في بوابتنا. متى نصل الى اللحظة التي لن يكون فيها ممكنا الحديث مع رجالها، فقط التوق للقليل الذي يوجد اليوم؟ طالما كانت المنظمة جزءا لا يتجزأ من التجربة الوطنية للشعب الفلسطيني، فان رجالها محاورون محتملون؛ عنيدون ولكن موجودون. وفي اليوم الذي تيأس فيه “حماس” وترتبط بكل بواطن روحها بالاسلام العالمي، سنفقدها تماما. رجالها باتوا منذ الآن في نقطة الانطلاق، على شفا الانتقال الى المجرة الاصولية التالية. ولكننا لا نزال نرفض أن نفهم بان الحركة السياسية هي جزء من النسيج الاقليمي، الذي اساس ابعاده لا تزال وطنية، يجب أن تكون، مع كل الصعوبة التي في ذلك، جزءا من الحوار الاقليمي. وفي اليوم الذي تصبح فيه مناطق غزة ملكا لـ”القاعدة” وللاسلام العالمي سنكتشف أن “حماس” اياها في واقع الامر – تلك التي في ايامنا هذه – لم تكن على هذا القدر من الفظاعة.
الحقيقة هي أننا نرفض الحديث معهم لاننا غير قادرين على الحديث مع انفسنا. في كل المرات التي حاولنا فيها هزهم، كنا نعصب ايضا عيوننا أنفسنا. هناك مواضيع لا توجد لنا مشكلة في أن نتحدث عنها مع العدو: الحمص، الكاراجات، المماسح. اما عن اللاجئين والمستوطنين فليست لدينا الشجاعة لان نقول الحقيقة حتى لانفسنا.
نحن لسنا مستعدين للحديث مع انفسنا عن دورنا في المسؤولية عن مشكلة اللاجئين – في ولادة المشكلة، تجاهلها، استغلالها السياسي وعدم حلها حتى هذا اليوم – ونحن غير مستعدين لان نتحدث عن اخلاء المستوطنين خشية الثمن الداخلي الذي ينطوي عليه اخلاء وكلاء الاحتلال؛ نحن غير قادرين على أن نعترف بأننا تحولنا الى دولة المستوطنين وان الجيش الاسرائيلي هو جيش الدفاع عنهم. بسبب كل هذا نحن لا نتحدث مع أي فلسطيني عن شيء ذي معنى.
مع “حماس” الحديث سيكون أكثر شدة. وهو سيتناول اللاجئين، المستوطنين وشيئا آخر: الوجه الديني للنزاع. هل نحن حقا قادرون على اجراء بحث جوهري في المعنى الديني للنزاع وفي الجوهر الروحاني للسلام، في كيف سيبدو الحوار بين الاديان في اثناء الحرب وفي قيم الحديث الديني في اثناء السلام؟ في كيف نعيد شياطين التزمت لدينا جميعا الى الزجاجة؟
هل يوجد في داخلنا ما يكفي من الاسس لاحتجاج ديني غير عنيف ضد الاجرام الاعتقادي الذي يصفي الشعبين والمعتقدين؟ في هذه الاثناء لا يوجد. وعليه، فاننا نهرب من اللقاء، خشية أن نجلس فيه صامتين او مجانين او كلاهما معا.
“هآرتس”
ترجمة “المصدر” – رام الله

(رئيس الكنيست والوكالة اليهودية الاسبق)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى