قضية فلسطين

صـورة الانتصـار

بن كاسبيت
لا يرتبط الانتصار الإسرائيلي في غزة بالاتفاقات، بالوعود أو بالتهريب. فالوثائق، الاتفاقيات، الرسائل، الزيارات الاحتفالية والكلام الكبير ليس مهماً بالفعل، ولن يتذكره أحد بعد سنوات عدة. الإنجاز الإسرائيلي الحقيقي هو إنجاز مزدوج: ترميم قدرة الردع وإعادة تعريف مبادئ محاربة الإرهاب. وبشأن الردع، لا حاجة البتة للإكثار بالكلام. وكما حال نصر الله في حينه، فإن الزهار والجعبري، لم يؤمنا أن إسرائيل ستتفجر عليهم بهذا الشكل. ولكن هذه المرة، ومن أجل التغيير، كان تفجيراً مقصوداً، مدروساً، معقداً. وقد بدا الأمر مختلفاً تماماً عما رأيناه في صيف .٢٠٠٦ فـ»بيت العنكبوت« الذي تحدث عنه نصر الله تبين كحصن من فولاذ. وهذا ما جرى أمام عيون الجميع الفاحصة. طهران، دمشق، بيروت، غزة هي العواصم القلقة بعد ما جرى في غزة. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها كبح مسيرة آيات الله. لقد تم إيقاف زخم الإسلام المتطرف. على الأقل حتى الآن.
أما الإنجاز الثاني، وهو ليس أقل أهمية، فمرتبط بمحاربة الإرهاب. هذا بدأ في لبنان وتعاظم في غزة. والديموقراطية المدافعة عن نفسها خلعت القفازات. وسوف يكتشف العالم قريباً حجم الدمار في غزة، ومن الجائز أن الصرخة ستنطلق، ولكن ليس بالوسع منع ما جرى. وحسنا أن هذا هو الحال. فإسرائيل هي الحصن المتقدم للعالم الغربي، المستنير، مقابل تنين الإسلام المتطرف. لقد تعلمنا على جلودنا، أن ضبط النفس لا يعتبر قوة في الشرق الأوسط. ضبط النفس كارثة. القوة في مناطقنا هي القوة. وإذا تطلب الأمر فالمزيد من القوة. وكل من هرب من لبنان تلقى حزب الله، وكل من خرج من طرف واحد من غزة، تلقى حماس. والآن تغير هذا الاتجاه. فالحرب ضد الإرهاب تطور نفسها، تساوي الشروط: مقابل ظاهرة كهذه، يستحيل القتال بالوسائل المعهودة. ليست هناك إمكانية لضرب الإرهاب المتطرف المزدهر في صفوف السكان وينال دعمها. في لبنان نال كل بيت احتوى صاروخاً في الصالون، صاروخاً من النافذة.
العالم احتج، بل أنه انفعل. في غزة تم رفع السقف إلى أعلى. من الآن، ليس للإرهاب مكان يفر إليه، ليس له مكان يختبئ فيه. ليس وراء النساء، ولا خلف الأطفال، ليس في المدارس، ولا في المستشفيات، ولا في مبان إعلامية، ولا حتى في شقق الأطباء. الجيش الإسرائيلي يطلق النار نحو كل مكان تطلق منه النيران. نقطة على السطر. هذا ليس سهلاً، هذا ليس لطيفاً، لا ينبغي لنا أن نكون جدعون ليفي أو يونتان غيفن كي نأسف على ذلك، ولكن ليس هناك خيار آخر. الأمر يتعلق بحرب وجود. إما نحن وإما هم. الإرهاب الإسلامي المتطرف من هذا النوع لا يباد إلا بوسائل كهذه. هكذا فعل الأسد الأب في حماة، بوتين في الشيشان، الأميركيون في أفغانستان، المصريون في الأقصر. كل دولة أخرى كانت ستمسح الكيان الإرهابي الإسلامي القائم على حدودها الجنوبية. كانت لنا فسحة ثلاثة أسابيع. أفضل من الجميع، ولكن بعيداً جداً عن الهدف الحقيقي. لقد تأجل إلى المرة المقبلة.
فرصة شاليت؟
لقد ضيعت إسرائيل فرصة تحدث لمرة واحدة بشأن جلعاد شاليت. وبالمناسبة كلن هذا سبب معارضة إيلي يشاي، يوم أمس. لقد عارض عن حق. فعندما تكون عميقاً في الداخل، وحماس على وجهها، وهدير محركات الدبابات يسمع في الملاجئ والقادة في حالة هرب، هذا هو الوقت للضغط. لعدم التراجع. يوم آخر، يومان آخران. وربما كان بالوسع إدخال شاليت في المعادلة. لقد تخيل أولمرت هذه الإمكانية طوال الوقت، لكنه في نهاية المطاف خضع للظروف. وبالمناسبة فإن الظروف ستتغير بعد غد، مع دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض. وهو لن يغفر لنا أبداً إذا استقبلناه في منصبه الأصعب في العالم وفي ذروة أزمة اقتصادية عالمية لم يسبق لها مثيل بمجاري غزة.
إذن ماذا عن شاليت؟ لا أحد يعرف. في المستوى السياسي يأملون بأن حالة حماس التي ستحارب ابتداء من هذا الصباح على مكانتها في غزة، ستساعد في تحقيق الصفقة. حماس ستكون بحاجة إلى مئات الأسرى المحررين من أجل تجديد الزخم ومن الجائز أنه سيكون على استعداد للمساومة على أسمائهم. وهذه هي الفرصة الوحيدة لشاليت، حتى هذه اللحظة. ليست هناك في إسرائيل قيادة سياسية ذات شأن توافق على إطلاق سراح قائمة القتلة الذين تطالب بهم حماس.
غياب ليفني
لم يكن الأمر سهلاً على أولمرت، يوم أمس. هناك وزراء وصفوا اجتماع المجلس الوزاري بأنه »واهم«. ومشهد الصراخ الأساسي له دار يوم أمس مع حليفه السابق، وزير المالية روني بار أون. وقال بار أون: »إذا كنتم تقولون إنكم حققتم أهداف العملية، إذن لماذا تبقون الجنود في غزة، كشواخص في حقل رماية؟ وإذا كنتم لم تحققوا الأهداف فلماذا توقفون العملية؟«.
وصرخ أولمرت على بار أون غاضباً: »إذا كنت تريد التصويت ضد التوقف، صوت ضد التوقف«. وقد صوت بار أون ضد التوقف. غير أن خيبته الحقيقية كانت في المجال الحزبي. فقد نظر إلى صورة انتهاء المعركة، مع خطاب النصر الذي ألقاه أولمرت وخطاب »الجنرال احتياط« باراك ولاحظ حجم الشرخ. وسأل رامون أولمرت في اجتماع المجلس الوزاري: »أين ليفني؟ ماذا عن الترويكا؟ فجأة لا وجود لترويكا؟ الأمر أنت ووزير الدفاع؟«. وفي وقت لاحق في أحاديث مغلقة قال بار أون إن أولمرت يحاول القضاء على ليفني. وتقول جهات حزبية أخرى إن أولمرت يحاول، ربما، أن يبقي لنفسه كوة أمل. فإذا لم تتعاون حماس، وبقي الجيش الإسرائيلي داخل القطاع، والرصاصة في بيت النار، فإن بالوسع استكمال العملية. وحسب الجنرال يوآف غالانت فإن احتلال القطاع يحتاج إلى سنة كاملة. فما السيئ في بقاء أولمرت في رئاسة الحكومة سنة أخرى؟
أما إذا كانت العملية قد توقفت، وهي لم تتوقف تماماً (وفي الصباح سنعرف)، فإن المعركة في غزة ماتت، ولتحيا المعركة الانتخابية. وبديهي أن الرابح الأكبر هو إيهود باراك. فقد عاد الرجل من البيداء. وليس مؤكداً أنه سيتسلق إلى الأعالي، لكنه على الأقل سيحول دون تحطمه وحزبه إلى العدد الذي يقل عن عشرة أعضاء في الكنيست. كما أن بوسع بنيامين نتنياهو أن يفرح. فكل ما خسره هو ثلاثة أسابيع من التشويهات والذرائع، وقد أعاد الأجندة الأمنية، وحافظ على تفوقه. وبالتأكيد فإن نتنياهو يتذكر تلك القمة في شرم الشيخ العام ،١٩٩٦ عندما جمع بيريز كل زعماء العالم، من كلينتون إلى شيراك، ومن مبارك إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في مسيرة مذهلة أمام المياه الزرقاء والتعهد الدولي بمحاربة الإرهاب. المؤتمر انتهى، ونتنياهو فاز في الانتخابات.
ويأمل نتنياهو أن هذا ما سيحدث هذه المرة أيضاً. وفي هذه المرحلة فإن تسيبي ليفني هي الخاسرة. لقد تبخر جدول أعمالها. ويوم أمس، وبدلاً من أن تكون في مقر وزارة الدفاع، كانت في رحلة جوية عبر الأطلسي. لقد سرقوا منها صورة الانتصار. لقد سلبوا منها لحن الانتهاء. وبالمناسبة فإن أولمرت حذر ليفني قبل أن تطير ليلة الخميس إلى أنها قد تتغيب عن اجتماع حاسم للمجلس الوزاري المصغر. ومع ذلك فإن ليفني قررت السفر. فقد فضلت الصورة مع كوندليسا رايس على الصورة المشتركة مع باراك وأولمرت. ليس مؤكدا أنها كانت محقة.
وكلمة أخيرة عن الإيهودين. أولمرت وباراك. أية صداقة رائعة تنشأ هناك بينهما تحت أنوفنا. أمس، امتدح وأثنى كل منهما على الآخر، وتعانقا ولو استمر ذلك للحظة أخرى لذرفاً الدموع. كم من الجهد بذلاً في الأسابيع الأخيرة على الصراعات الذاتية بينهما. فجأة في لحظة الختام، شق أحد ما بينهما ممراً إنسانياً وعادا للسير بأذرع متشابكة. ومن المؤكد أن أولمرت فكر في نفسه أن كل هذا كان سيبدو مختلفاً لولا أن باراك حكم عليه قبل بضعة شهور بالنهاية. ماذا يفكر باراك؟ الشيء نفسه على ما يبدو.

معاريف ١٨ـ١ـ٢٠٠٩

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى