صفحات سورية

الجنود الأميركيون العائدون من العراق

null


لورنس دونز

الى أي حد تستطيع الولايات المتحدة الاستمرار في استخدام كل من جوستين بونس ودانييل فيربيكه ومايكل ماكمايكل؟ الأول من سلاح البحرية، والثاني بحار والثالث من الحرس الوطني. لقد ذهبوا جميعاً الى العراق ليقاتلوا حسب الأوامر. وقد كافحوا بحماس وأصيبوا بجروح خطيرة. وعندما عادوا الى الوطن،
كان عليهم، أن يبدأوا كفاحاً جديداً من أجل الشفاء والتعافي. وفي جلسة استماع مخيفة أمام لجنة المحاربين القدامى بالكونغرس، أورد هؤلاء روايات مزعجة عن جولاتهم المكوكية في أروقة البيروقراطية ما بين وزارة الدفاع، وإدارة قدامى المحاربين. وتشتهر تلك البيروقراطية باستهلاكها كميات ضخمة من الورق والمعاملات والطلبات وهي مدمرة على الخصوص لأولئك الذين يعانون من إصابات في الرأس مضى عليها خمس سنوات، هو عمر تلك الحرب القديمة! بونس فقد عيناً في انفجار على طرف طريق كانت تمر بها سيارته وتأثرت أيضاً عضلات الوجه. ويقول والده إنهما ضاعا معاً بين المكاتب لسنوات، بحيث ما عاد أحد يدري ماذا تفعل هذه الجهة أو تلك بشأنه. حتى ان الأطباء الذين كان يتردد عليهم تجاهلوا إصابته في ساقه أيضاً. وكاد الأطباء هؤلاء يجرون له عملية في رأسه دون أن يدروا أن التشخيص لم تكتمل فصوله. وكان يمكن أن يلحق ذلك المزيد من الجراحات بجمجمته. وهكذا ما حاول أحد التنسيق بين العلاجات المختلفة. وهكذا فإن أهله طافوا الولايات المتحدة من مكان الى مكان بحثاً عن العلاج الصحيح، وعن الجهة أو الجهات التي ينبغي أن تهتم به. وبذلك ما كان هناك في النهاية غير أهله للاهتمام به. أما إدارة المحاربين القدامى فإنها اعتمدت عليه في السعي لعلاج إصاباته، وأرسلت إليه مرة رسالة تهدده فيها بقطع المساعدات عنه لأنه فشل في تنظيم أموره!

أما جراحات فيربيكه فحدثت على ظهر المدمرة التي كان على سطحها. وكانت شديدة القسوة والخطورة. وهو لا يستطيع الكلام أو التحكم في عضلات وجهه، وإن كان يستطيع التبسم والضحك. ويتحدث والده عن سنوات من المناكفات مع إدارة قدامى المحاربين بشأن العلاج والفحوصات والأدوية الموصوفة وخطط التمارين والمساعدة بالمنزل. ويقول أبوه: إنهم لا يستطيعون التخطيط أو التنفيذ، والخلاصة النهائية أنهم لا يأبهون! أما الانفجار الذي أصيب فيه مكمايكل فإنه أضر بدماغه، دون أن يفقد حياته. لكن نفسيته عانت من دمار فظيع. وقد أدى الى عدم قدرته على ضبط سلوكه الى أن يتهدد بفقد منزله وعائلته واستقلاليته. ورفضت زوجته جاكي أن تتركه يدمر نفسه، لكن الأمر استغرق سنة ونصفاً قبل أن تتمكن من بناء شبكة لمساعدته واحتضانه.

والواقع ان الاضطرار للاعتماد على النفس هو أصعب أجزاء تلك العملية المضنية والمعقدة. ولو أنهم فقدوا يداً أو رجلاً لكان الأمر أسهل وأقل ضرراً. بيد أن الأضرار النفسية التي نزلت بهؤلاء تقود الى مساحات مجهولة بدون خرائط هادية. والعائلات الثلاث تذكر أن الأطباء والمعالجين النفسيين، كانوا يقدمون نصائح عامة، ثم ينصرفون، دونما قدرة على إعطاء العناية المركزة والشاملة.

في حلبة الاستماع قدم إداريو وزارة الدفاع وقدامى المحاربين وعوداً عامة ومحاذير أعم. وكانت النقطة المركزية في وعودهم بالتحسن أنهم بصدد جمع وتحليل أربعمائة نصيحة واقتراح في خمس دراسات شاملة! وأحد الاقتراحات المقدمة استئجار ثمانية منسقين للإشراف على 46 حالة. وهذه نقطة على سطح صفيح ساخن، في حين يحتاج الأمر الى بحور، إذ هناك ثلاثة آلاف من قدامى المحاربين يحتاجون الى المعالجة من إصابات في الرأس. ولا إحصاء لأولئك الذين أصيبوا إصابات نفسية صعبة قبل العودة أو بعدها.

وقد ذكر معهد البحرية الأميركية في الشهر الأخير الإعاقات الكبيرة في حل مشاكل هؤلاء بسبب البيروقراطية. والأمر نفسه تشير إليه تقارير وزارة الدفاع، والتي يعترف الموظفون أنها غير كاملة. ويذكر موظفوا الحكومة أنه يكون عليهم أن ينقلوا الملفات بين مكتب وآخر غير عارفين بما يمكن أن يكون قد فقد. أما أفراد أسر الجنوب الثلاثة الذين ذكرناهم فيتميزون باكتمال ملفاتهم، لأنهم يقولون ذلك بأنفسهم. فروبرت فيربيكه موظف إداري، وكذلك بيتر بونس، والذي يعمل بوزارة الدفاع وفي التنسيق مع لجان الكونغرس. أما زوجته باتي فهي محللة نفسية تعمل بالادارة أيضاً. وجاكي ماكمايكل تحمل ماجستير في الاستشارات، وقد نشأت عملياً في مستشفى قدامى المحاربين بشمال كارولينا، حيث عملت والدتها. وقد جاء في شهادة جاكي ماكمايكل أن مايكل جلس خلف ظهرها ممسكاً بإبريق في يده يهزه بشدة بحيث بدا كأنما يبحث عن شيء فيه. وما عاد إليه الهدوء بعد، وقد لا يأتي قريباً. وهو محظوظ الى حد بعيد. فعنده طفلان وامرأة تحبه، وقد ضحت من أجله بالكثير، وتنقلت بين المكاتب البيروقراطية. وهذا أكثر ما يستطيع أي أحد أن يأمل به، لكنه أقل بكثير مما يستحقه أمثاله. تقول السيدة ماكمايكل: أنا مدربة بشكل جيد، وأعتمد على نفسي كثيراً، ومع ذلك فقد شعرت بالضياع، فكيف هو شأن الآخرين؟

(“هيرالد تريبيون”، 25/3/2008

المستقبل السبت 29 آذار 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى