هل ننفِّذ ما تريده “إسرائيل”؟
سعد محيو
الخشية كبيرة بالفعل، في ضوء الاتهامات الكبيرة التي تسوقها حماس وفتح ضد بعضهما بعضاً، والتي تترافق مع ما يبدو أنه جهود دولية وإقليمية لصب المزيد من الزيت على نار الصراعات بينهما، عبر استخدام ورقة مساعدات إعادة إعمار غزة كورقة ضغط.
فخالد مشعل لا يدين فتح بتهمة الفساد وحسب بل يتهمها أيضاً “بالتنسيق الأمني مع “إسرائيل” ضد المقاومة”. كما أنه يطالب الدول العربية وغيرها بتسليم أموال الدعم إلى حركته حماس. هذا في حين كانت دوائر عدة في هذه الحركة تعرب عن خشيتها من تسرب آلاف المقاتلين الفتحاويين إلى غزة “لمحاولة تصفية الحسابات مع حماس، مستغلين تضعضع مواقعها الأمنية والحكومية بعد الضربة “الإسرائيلية””.
وفي المقابل، شن ياسر عبد ربه، أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ومستشار محمود عباس هجوماً لاذعاً على حماس، متهماً إياها ب “تنفيذ مشروع انفصالي في غزة وسرقة مواد الإغاثة الآتية إلى القطاع وبيعها”، كما يدّعي أنصار فتح أن حماس عمدت، حتى خلال الحرب، إلى قتل عشرة شبان فتحاويين وجرحت المئات منهم، بينهم 100 أطلقت النار على أرجلهم.
ثم جاءت مواقف الرئيس الأمريكي أوباما لتزيد أوار النار اشتعالاً.
فأوباما تعمد أن يكون محمود عباس أول رئيس أجنبي يتصل به منذ اليوم الأول لتسلمه مهام منصبه. كما أنه وضع شروطاً قاسية لأي حوار أمريكي مع حركة حماس تضمنت: الاعتراف “بحق “إسرائيل” في الوجود”، ونبذ العنف، والالتزام بالاتفاقات السابقة. ثم كان هناك ما هو أهم: أن تخضع كل المساعدات لإعادة إعمار غزة إلى كل من السلطة الفلسطينية والمراقبين الدوليين “لمنع إعادة تسليح حماس”، على حد قوله.
وقد غزل البعض على المنوال نفسه حين قالوا إن الدول المانحة للمساعدات “هي التي ستقرر ما الجهة الفلسطينية التي ستتلقاها”. وبالطبع، هذه الجهة ستكون تحصيل حاصل من جانب كل أو معظم الدول (عدا إيران التي ستختار حماس).
المسألة، إذاً، معقدة وخطيرة. وهي تزداد تعقيداً وخطورة حين نضع في الاعتبار أن حركة حماس بدأت تتحرك بعد معركة غزة لتقديم نفسها على أنها ممثل شرعي للشعب الفلسطيني أسوة بفتح، بحكم كونها قوة المقاومة الوحيدة أو الرئيسة التي صمدت في وجه القوة “الإسرائيلية” العاتية للمرة الأولى منذ معركة بيروت العام ،1982 هذا في حين أن فتح ستستقوي بالأوراق الدبلوماسية والمالية “المعتدلة” والأوبامية والأوروبية لمحاولة إقناع الفلسطينيين بأنها المنقذ (والمعيل) الوحيد لهم من ورطة القتل والحصار والتجويع.
كل هذه المعطيات تشي بأن الصراعات الداخلية الفلسطينية مرشحة للتفاقم. وفي حال وصلت إلى مرحلة الانفجار، ستكون “إسرائيل” حققت على يد الفلسطينيين أنفسهم ما عجزت عن تحقيقه على يد جيشها في حرب غزة.
وبالمناسبة، هذه الحصيلة الأخيرة هي ما توقعته وثيقة استراتيجية لوزارة الخارجية “الإسرائيلية” نشرت مقتطفات منها في أواخر فبراير/ شباط 2008 وجاءت فيها الفقرة المثيرة التالية: “.. ويمكننا على أي حال انتظار نشوب حرب أهلية فلسطينية جديدة إما قبل عملية عسكرية “إسرائيلية” واسعة في غزة أوبعدها”.
ومنّا إلى مشعل وعباس، مع تحيات الخارجية “الإسرائيلية”!
الخليج