مساعدات إعمار غزة والاختلاف عليها
بدرالدين حسن قربي
لن يتوقف الجدل بين الناس عما كان من الحرب الإسرائيلية على غزة واجتياحها في تحليل ماكان من جرائم حرب مروعة وضحايا تقشعر لها الأبدان وترتجف القلوب، وتقرف منها النفوس. ولايعنينا هنا من كان وراءها بدءاً وتوقفاً أو تشجيعاً وتثبيطاً، أو من عمِل فيها ولها قراراً أو مبادرةً أو قمة تشاورية أو اقتصادية أو دولية سواء كان هذا بجهود عربيةٍ الممانع منها والمعتدل أو بجهودٍ إسلامية، تركيةً كانت أم إيرانية.
مايعنينا هنا أنها توقفت وتوقف القتل للأطفال والنساء والناس ممن طحنهم الاجتياح آلافاً بين قتيل وجريح، وآلافاً غيرهم من الإعاقات والتشوهات الجسدية والنفسية. ومايعنينا أيضاً وقد سكتت القذائف والصواريخ مبادرات الجهات الخيّرة وفي المقدمة دول الخليج العربية كعادتها في إعادة إعمار ماتدمره مثل هذه الحروب، وهي فيما تستطيع وتفعل مأكولة مذمومة بمساعي الكارهين والحاقدين والحاسدين والعياذ بالله.
مبادرة السعودية المليارية في مساعدتها الضخمة ومعها الكويت بنصف مليار ومعها قطر بربع مليار دولار فضلاً عن تبرعات أخرى من كافة أنحاء العالم عمل طيب، وفعل يشكر عليه كل من ساعد ودفع وأعطى وجمع، لأنه في النهاية عمل خيّر يساعد الضحايا والمصابين من الأهل والعشيرة بإعادة بناء مادمرته آلات الحرب وفعل إنساني نبيل فضلاً عن أنه واجب أخوي تجاه ناسنا وأهلنا.
ولكن ماإن أُعلن عن مبادرات العون والمساعدة حتى تجدد جدل المجادلين واختلاف المختلفين وظهرت التجاذبات والمناكفات الشديدة على هذه الأموال والمساعدات مما يسيل له اللعاب. فبعد حرب تموز/ يوليو 2006 على لبنان ظهرت نغمة المال النظيف الحلال والمال الوسخ الحرام تبعاً لمصدره والجهة التي تقدمه. أما عقب حرب غزة فتغيرت النغمة لتكون الشرعية والمقاومة وجماعة السلطة أو المقاومة والانقلاب لاختيار الجهة التي يجب تقديم المساعدات لها.
السلطة الفلسطينية تزعم أن حكومتها أعدت خطة طوارئ على المدى القصير والبعيد من أجل إعادة إعمار غزة، فتطلب أن تكون المساعدات عن طريقها، وتصر على أن تتولى بنفسها مهمة إعادة إعمار القطاع حتى لايفوتها شرف الإعمار وقد فاتها شرف الجهاد ولن تسمح لأي جهة أخرى فعل ذلك لأن فيه استبعاداً للسلطة الشرعية وتكريساً للانقسام الفلسطيني المشهود.
ممثل حركة حماس من دمشق لفت نظر المتبرعين والمساعدين إلى ألا يدفعوا أموالهم للفاسدين وطالبهم بالتدقيق في اليد التي توضع فيه، ليضعهم في النهاية أمام خيار إعطائها لحكومة حماس ممثلة بالسيد هنية أو أن يتولى المانحون برامج الإعمار بأنفسهم وبأي طريقةٍ يريدونها. أما ممثلها من بيروت فإنه يرى في إعادة الإعمار عن طريق سلطة رام الله هو عودة لها على ظهر خلاطة اسمنت أو أطنان من حديد الإعمار وهي التي فشلت في العودة إلى غزة عبر الدبابة الإسرائلية.
ومابين السلطة وحماس، ومعهم من معهم من هنا وهنالك من المصطفّين خلفهم يستمر تبادل الاتهامات بالسرقة حتى للمساعدات القادمة للقطاع والسيطرة على السيارات الشاحنة وبيعها في السوق، ويتمسك كل فريق بحقه في الإشراف المباشر على إعادة الإعمار تأكيداً على شرعيةٍ يكدّ ويشقى لإثباتها، وضحاياه في العادة هم عموم الناس الغلابة المقهورين ليعترف بها الآخرون. فإذا كانت السلطة بفريقها بعيدةً عن نيران غزة، وإذا كانت حماس حسب تصريحاتها فقدت في هذه الحرب قرابة خمسين من عناصرها، فإن هذا يؤكد أن الخسارات الكبيرة والمصائب العظيمة والبلاوي الفادحة من الضحايا والجرحى والمصابين كانت في عموم الأهالي الغلابة المزروعين في أرضهم أشجار نخيلٍ شامخةٍ أصولها ثابتة في غزّة صموداً، وفروعها ممتدة في السماء عزةً وإباءً، وإذا كان كل طرف يتهم الآخر بل ويخوّنه ويشكك فيه ويرغي ويزبد، فهل من المناسب لمن يساعد ويدعم ويتبرع ويقدم يد العون أن يكون مع هذا أو ذاك ويناله منهما مايناله من أذية الأهل والعشيرة في صراعات بينية يعمل لها من يعمل ويسعّرها حقاً أو باطلاً لحساب هذا أو ذاك، ولايرى لها آفاق حلٍ، ولايستفيد منها إلا العدو.
قد يرى البعض في الصندوق الدولي أو في مؤسسات الأمم المتحدة نفسها عبر لجانٍ دولية مقترحة بعض حل، وقد تزعم السلطة أن الحل عندها، وقد ترى حماس أنها الأحق ولاسيما أن هناك اقتراحات مقدمة لها لإعادة إعمار القطاع بطريقة ما يكون قادراً على المقاومة والصمود في المستقبل أكثر وأكثر، وخططاً مليئة بالملاجئ والمستشفيات والمصانع القادرة على تطوير صناعة الصواريخ والذي منه. الرؤى كثيرة ومختلفِة ومختَلف عليها أيضاً. لذا كان اقتراحنا الذي يجد أنصاراً كثيرين من غير المختلفين والمتخاصمين.
لماذا لاتوزع كل جهة أو دولة مساعداتها النقدية والعينية على المتضررين مباشرة يداً بيد ( كاش بالريال السعودي أو القطري أو بالدينار الكويتي أو بالدرهم الأماراتي)، وبعدها يعمّرون أو لايعمرون فهذا شأنهم، يعيدون بناء ماتهدم أولايعيدون فهو أمرهم، يتاجرون بها أو يعملون عملاً فهذا خيارهم. المهم أنهم أخذوا حقهم من التعويض ودون جميلة أو منٍّ من أحد المختلفين والمتخاصمين من السلطة أو حماس، ويادار مادخلك شر.
نفترض أن هذا الحل معقول ومقبول ولايغضب أحداً طالما كان الهدف عون المصابين ودعم المتضررين من أهلنا، ونعتقد أن له أنصاراً كثر من أهل غزّة أنفسهم، لأن المساعدة سوف تصلهم مباشرة ودون المرور على أحد ممن يتهمون أو يشككون أو يخاصمون أو يتخاصمون، وإن كان رضاء الناس غاية لاتدرك.
خاص – صفحات سورية –