السوريّون وأوباما: هل آن الأوان لـ “عامل الوقت”؟
وسام سعادة
يصعبُ الحسمُ في أمر المسار الذي ستنتهجه إدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما تجاه سوريا، وإن يكن بحكم المرجّح أنه تصحّ عليه صفّة “التعرّج” أكثر من صفة “المراوحة”، وذلك قبل أن يتضح مآل هذا المسار، سواء لجهة “الإنفراج” أو لجهة “التصعيد”.
المرجّح أيضاً أنّه سيكون للنظام الحاكم في سوريا، وتحديداً في أوّل عهد الرئيس أوباما، فرصة كبيرة لتحسين أو تقبيح صورته الداخلية والإقليميّة أمام الإدارة الأميركيّة.
والحال أنّ هذا النظام لن يتمكّن من تحسين صورته ما لم يدرك جديّة هذا الرهان، وما لم يتمكّن من الإحاطة بأهمية المتغيّر الأميركيّ الذي يرمز إليه أوباما، وحدود هذا المتغيّر في آن.
باختصار، على هذا النظام تقنين إصغاء مركز القرار فيه الى منظّري “الممانعة”. هؤلاء يتوزّعون حالياً بين من يهنّئ نفسه بأربع سنوات من الرّاحة والهناء في ظلّ أوباما، بل يذهب إلى أنّ النظام البعثي سيكون مطلق اليدين يقتنص ما أراد ولا يسدّد ديونه السياسيّة والأمنيّة إلا بالتقسيط الممل، وبين من يندب حظّ المستضعفين في المقابل على أساس أنّ كلّ الرؤساء المتعاقبين على البيت الأبيض سواسية، وهم من صنف نمرود وفرعون، وليس فيهم من تعقد عليه آمال ولو بسيطة، كما ليس فيهم من يلاقى عند منتصف الطريق.
بيد أن النظام السوري سيخدم نفسه ومحيطه في آن لو استخرج من السنوات الماضية ما يعينه على الانتفاع فعلاً من السنوات المقبلة، لكنّه إذ ذاك عليه أن يفهم أن ثابتتين ما زالتا تحكمان رؤية الغرب كلّه، والإدارة الأميركيّة في الطليعة، للنظام السوريّ ودوره وما يطلب منه.
الثابتة الأولى: الكرة في ملعب الأسد
الثابتة الأولى سابقة على 11 أيلول. بل سابقة على بشّار الأسد رئيساً. هي تلك التي لخّصها الرئيس الأميركيّ السابق بيل كلينتون في إثر آخر قمّة جمعته مع الرئيس حافظ الأسد في جنيف (26 آذار 2000) وخرج بعدها ليقول “إنّ الكرة في ملعب الأسد”، ولا تزال الكرة في هذا الملعب سواء في ظلّ الأسد الأب أم في ظلّ الأسد الإبن، وسواء تعاقب على البيت الأبيض كلينتون أو بوش أو أوباما.
كم صحّت يومها توقّعات شمعون شيفر حين قال عشية قمّة جنيف إنّه ما لم يرشح عنها شيء فسيسود وضع بالغ السوء في المنطقة بأكملها، وبالفعل، ما بين الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من جنوب لبنان، ورحيل الأسد الأب ومجيء إبنه، وانفجار عملية السلام في الأراضي الفلسطينيّة كانت المنطقة تدخل نفقاً سيزداد ظلمة بعد 11 أيلول والدخول الأميركيّ إلى العراق.
كانت عبارة كلينتون وقتها وصيّة للقادمين من بعده. هي اليوم وصيّة لزوجته وللعالم. لكن ما الذي تعنيه عبارة “الكرة في ملعب الأسد”.
هي تحمّل النظام السوريّ أولاً المسؤولية من وجهة النظر الأميركيّة عن فرط عملية التسوية في المنطقة، وهي تؤكد في الوقت نفسه أنّ لا بديل عن هذا النظام في سياق عملية التسوية. هي تؤسس لاحقاً لمرحلة كاملة من امتناع الفهم بين الجانبين السوري والأميركيّ.
وهذه العبارة تختلف عن الحكم الذي أصدره الأميركيون على الرئيس الفلسطينيّ الراحل ياسر عرفات. حمّلوه هو الآخر مسؤولية فرط عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيليّة، لكنّهم خلصوا إلى أنّه لم يعد شريكاً في عملية السلام، واستنتجوا لاحقاً أن لا شريك من بعده. كانوا مقتعنين بأنّ ما من فلسطينيّ له شرعيّة تاريخية قادرة على الوصول إلى “وضع نهائيّ” يكفل تنازل الشعب الفلسطينيّ عن معظم فلسطين إلا عرفات، وأن بعده ما من شريك فعليّ يمكنه أن يؤمّن المستلزمات الإسرائيليّة الأساسية للتسوية (نسيان حق العودة، تقاسم الضفّة مع المستوطنين، الاكتفاء ببدعة رمزية لحلّ مسألة القدس، عدم السماح ببناء قدرات دفاعية غير اسرائيلية غرب نهر الأردن) والمستلزمات الفلسطينية الأبسط لها (شرعية الزعامة، ربط الضفّة بالقطاع، التواصل بين أراضي الدولة ومخيمات الشتات). بالتالي جرى عملياً تشجيع التيّار العدميّ الذي لا يفكّر لا بدولة موحّدة للعرب واليهود ولا بدولتين متجاورتين ولا بأي دولة من أساس، لأنّه ملتزم بعقيدة اسمها “محاربة مفهوم الدولة”. هذا التيار العدميّ يراهن على تمادي الشواهد الفوتوغرافية على عدوانية العدو، وارتفاع الكلفة الإنسانية لمجازره، أملاً في استثارة ضمير ما، سواء كان ضميراً عربياً أو اسلامياً أو غربيّاً.. علماً أن “استراتيجية استصراخ الضمير الإنسانيّ” صارت مقرونة بخطابية “تدمير اسرائيل” وبتوعّد اليهود بالمحرقة الحقيقية.
الثابتة الثانية: بيكر ـ هاملتون
بخلاف ذلك، خضع التعاطي مع الأسدين، الأب والإبن، لوضعية مختلفة تماماً تلخصها عبارة “الكرة في ملعب الأسد”، وهي عبارة استكملت مدلولاتها بعد صدور تقرير بيكر ـ هاملتون 6 كانون الأول 2006. منذ هذا التاريخ ازدهرت نظريتان في التعامل مع النظام السوريّ.
النظرية الأولى أقرب إلى ما جاء في التقرير. تدعو إلى التعاطي “الواقعي” مع سوريا وايران على أساس أن تأمين مزيد من الاستقرار في العراق يمرّ من خلال منح المزيد من الاستقرار للنظامين السوريّ والإيرانيّ. بالنتيجة فإنّ السنتين الماضيتين عرفتا بداية الاستقرار في الوضع العراقيّ، ومزيداً من الاستقرار للنظامين السوريّ والإيرانيّ، في مقابل ضرب كل استقرار في لبنان والمناطق الفلسطينية.
أما النظرية الثانية، والتي لمع نجمها تحديداً مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ثم جرت محاولات لـ”تعريبها” أيضاً بأكثر من شكل، فدعت إلى “فصل” سوريا عن ايران، على أساس مزيج من الحوافز والضغوط، وبما يمكّن من رفع مستوى التفلّت السوريّ عن الإيقاع الإيرانيّ، أو يرفع من مستوى الريبة الإيرانيّة من النظام السوريّ، أو حتى بما من شأنه أن يوفّر مزيداً من الاعتدال في الموقف السوريّ لسحب الموقف الإيراني بدوره على شيء من الاعتدال.
طبعاً بقي دائماً هامش لنظرية ثالثة تدعو إلى التعامل “غير الواقعي” مع سوريا وايران، بما يمكن أن يؤدي إلى توجيه ضربات عسكرية بالتعاقب أو حتى بالتزامن، وليس معنى “عدم الواقعية” هنا امتناع حصول الأمر، وليس كل ما يجري في التاريخ واقعيّاً، بل إن معظم الحروب كانت تبدو قبل حصولها “غير واقعية” و”مستحيلة”، وصارت تبدو بعد ذلك “حتمية” ولها أسباب.
تجاه مثل هذه النظريات حافظت سوريا على سياسة واحدة في التعاطي: “البيع بالمفرّق”.. ومع الاستعداد دائماً لتجزئة كل ملف إلى ما لا نهاية. العلاقات الديبلوماسية مع لبنان خير مثال. القرار 1860 يدمجها بترسيم الحدود كترتيب واحد. السياسة السورية جزّأت العلاقات نفسها إلى عدّة ملفّات، مستخدمة الحدّ الأقصى من المماطلة، ومتطلّعة الى الحدّ الأقصى من تفريغ المضمون.
لأجل ذلك، فإن التحديّ الملقى على عاتق الإدارة الأميركيّة الجديدة هو تحدّي إدخال “عامل الوقت” وأهميته إلى سياسات الشرق الأوسط. حتى الآن تبدو هذه السياسات غير مرهونة بوقت، وهو ما يسمح دائماً للسياسة السوريّة بـ”البيع بالمفرّق” وتقسيم كل سلعة معدّة للبيع إلى ما لا يتناهى من السلع الجزئية.
وإدخال “عامل الوقت” يعني في المقام الأوّل تعديل عبارة كلينتون وجعلها سؤالاً: كم سيدوم مكوث الكرة في ملعب آل الأسد؟ وهذه من أولى مهمّات هيلاري كلينتون اليوم إذا ما أرادت الالتفات إلى المنطقة بشكل صحيح.
ماهو الالتفات الكلينتوني (الأمريكي) الصحيح إلى المنطقة؟؟
هكذا كثير من مقالات الكتاب العرب، تنتهي حيث يجب أن تبدأ. وأبرعها ذلك الذي ينتهي بطرح سؤال وإتباعه بجملة: ولكن هذا يحتاج معالجة أخرى. ويكون السؤال المطروح في آخر المقالة هو سؤال المقالة أصلاً ههههههه
لو كان الكتاب العرب جرّاحين مثلاً، وتمدّدت المنطقة على طاولتهم، تشكو قائلة يا كلّي، بدل يا ظهري مثلاً، لوجدناهم يفتحون بطن المنطقة وظهرها وصدرها، ثم يدلّون بمؤشر ليزر دقيق على كل أعضاء المنطقة الداخلية، مع شرح عن كل عضو وعلاقته بالعضو القريب والبعيد، ثم يتركون الجسد الممدد مفتوحًا، بانتظار معالجة أخرى، لا تأتي. لأنها تتطلب دقة التشخيص واستخلاص الموقف
ألله يساعد .. ألله يعين.. القرّايه ع الكتّابين