صفحات سورية

القمة الحقيقية لم تنعقد

null


عبدالوهاب بدرخان

تميزت قمة دمشق حضوراً وغياباً باعترافات رسمية غير مألوفة وغير معتادة بأن هناك خلافات عميقة. واستنادا الي السوابق لم يكن متوقعا ان تكون القمة نفسها المكان للبحث في هذه الخلافات وبالتالي لحلها وان كان ذلك مرغوباً فعلاً ومتاحاً. بل استنادا الي المعلومات فإن هذا البحث سبق القمة بشهور عدة، ومن الواضح انه لم ينجح قبلها، ولم يكن متصوراً أو مضموناً ان ينجح خلالها، حتي لم يبق سوي الأمل بأن ينجح بعدها.

لعل أهم ما فهم من مسار قمة دمشق ان اكثرية الدول لم تشأ الرضوخ لمنطق الانقسام وما يستتبعه من فرز واستقطاب، ليس مسايرة للدول المضيفة ولا نكاية بالدول التي قاطع زعماؤها اعمال القمة لكنهم شاركوا بمستوي تمثيل متدن، بل تأكيدا لوجوب الحفاظ علي مؤسسة القمة وعدم المساهمة في الاجهاز عليها. وفي المقابل تبين أو بالاحري تأكد ان النظام العربي الرسمي يقوم فعلياً علي الدول الثلاث المتخاصمة أي مصر والسعودية وسوريا.

وإذا دلت مجريات القمة علي شيء فانها دلت علي ان الدول الأخري باتت تملك اجتهاداً أو حتي اجتهادات خاصة لا تغير كثيرا في طبيعة النظام العربي وانما توفر له ديناميكية ضمنية هو في أشد الحاجة إليها. وانطلاقا من ذلك لم تعد القمة ملكاً للدولة المضيفة وانما قضاء عربياً لا يتأثر بالضرورة بمكان الانعقاد، طالما انه مجال يمثل المصلحة العربية ولو في حدها الأدني.

هناك عنوانان رئيسيان برزا في قمة دمشق علي نحو صريح وواضح، ولابد من انتظار بعض الوقت لمعرفة، إذا كان الحاضرون والغائبون ادركوا خطورتهما وقرروا التصدي لهما بمبادرات وافية وفاعلة. الأول مفاده ان العلاقات العربية العربية بلغت حالاً من التشنج غير مسبوقة وغير مقبولة. والثاني يطرح اشكالية الاستراتيجية العربية للسلام. وحيثما يلتقي هذان العنوانان نجد الازمات الملحة والساخنة من فلسطين إلي لبنان الي العراق الي دارفور والصومال. وكل هذه الازمات لم تعد عربية فحسب، ولا محلية داخلية فحسب، بل اصبحت مرتبطة بجهات واطراف خارجية، إقليمية أو دولية، وتداخل معها الصراع الامريكي الإيراني حتي باتت عصية علي الحل إلا اذا اقترب ذلك الصراع من نقطة الحسم.

ومنذ حرب 2006 في لبنان تكرس الفرز عربياً، خصوصاً بين الدول الثلاث الرئيسية، إذ اعلنت سوريا اصطفافها في معسكر المقاومة والممانعة مستندة الي إيران بل متكافئة معها، فيما وجدت مصر والسعودية نفسيهما في موقع الرفض لهذه الحرب ووضعتا إسرائيل وإيران في سلة واحدة، كما اختارتا الانطواء فيما يعرف بمعسكر الاعتدال المستند عمليا الي الولايات المتحدة. لكن الدول العربية تتبني جميعا مبادرة السلام التي اصدرتها قمة بيروت 2002 وعاودت قمة الرياض 2007 تأكيدها، ومع ذلك لم تعلن اسرائيل قبولا جديا لها ولا أبدت الولايات المتحدة تبنياً واضحاً لها. لذلك طرح الرئيس السوري الدعوة الي مراجعة الاستراتيجية المبنية علي هذه المبادرة معتبرا ان النتيجة التي جناها العرب هي لا شيء ولم يكن الأمين العام للجامعة العربية بعيداً عن هذا الطرح متسائلا هل ان الاعتدال العربي مرفوض . وهكذا برزت الحاجة الي خيارات جديدة طالما ان المعتدلين والممانعين توصلوا الي اقتناع بأن استراتيجية السلام التي اعتمدوها لم تحقق أهدافها.

لكن مناخ الحرب الكامنة الذي يخيم علي المنطقة بسبب تعطش إسرائيل وتأهبها للانتقام من هزيمة 2006 وكذلك بسبب الربط الحاصل بين الصراع الامريكي الإيراني والصراع العربي الإسرائيلي، خلط الأوراق علي نحو أفسد العلاقات العربية العربية خصوصا انه واصل نشاطه الدموي في العراق، وامتد ليحدث انقساما سياسيا حادا بين الفلسطينيين، كما اطلق أزمة خطيرة عطلت عمل مؤسسات الدولة في لبنان. ولو لاحظنا المواقف التي اعلنت خلال اعمال قمة دمشق لتبينا ان الدعوة الي الحفاظ علي الوحدة الوطنية واحترامها هي المحور الاساسي لتحقيق الانفراج عراقيا وفلسطينيا ولبنانيا إلا ان الوحدة الوطنية سقطت باكراً ضحية ارتباط الفرقاء وتوزعهم علي مختلف أطراف الصراع الأكبر، الدولي الاقليمي.

صحيح ان العلاقات العربية العربية سبق ان تعرضت لتصدعات وانواء صعبة وشديدة، إلا ان خطورة المرحلة الراهنة تكمن في أنها ضربت أساسات البيت العربي، فإذا لم يعد العرب متفقين ومتضامنين ومؤمنين بالعناصر المؤسسة لارتباطهم فإن ذلك يعني انهم لن يتمكنوا من الاتفاق علي أي شيء. من هنا فإن القمة الأخيرة، ولأنها عقدت في دمشق، كانت مدعوة بالحاح الي مواجهة هذا الخلل الخطير في القناعات والخيارات، أقله لتجديد التفاهمات الرئيسية التي تحرم عربياً تعريض أي بلد عربي لخطر التفتت والتشرذم. وبالتالي فإن القمة الحقيقية، المطلوبة والضرورية لم تنعقد.

لعل ما حصل في كواليس المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية يقدم تبريراً لعدم مشاركة مصر والسعودية والأردن علي أعلي مستوي في قمة دمشق، وأيضا لمقاطعة لبنان القمة. اذ ان تنازلات قدمها معسكر الاعتدال ولم تتلاق مع تنازلات في معسكر الممانعة ، مما يعني ان استمرار الأزمة مطلوب لذاته ولانتظار تطورات في الصراع الأكبر. ينطبق ذلك أيضا علي الوضع الفلسطيني وبشكل مختلف علي الوضع العراقي.

المهم الآن ان لا يكون ما بعد القمة استمراراً للمناخ السلبي الذي شاع قبلها وخلالها. والأهم ان لا تفتك سياسة المحاور بما تبقي من عروبة.

GMT 0:30:00 2008 الإثنين 31 مارس

الراية القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى