صفحات سورية

من “الغائب الأكبر” في قمة دمشق؟

null


سعد محيو

هل انتبهنا إلى شيء ما لم يحدث في قمة دمشق؟

يفترض ذلك. وهي ثلاثة أشياء في الواقع تتعلق بثلاثة غيابات: غياب ما أسمته دمشق “جدول الأعمال الأمريكي”، غياب التحديد الدقيق لجوهر الخلافات العربية العربية في خطب القادة، وغياب أي طرح استراتيجي حقيقي.

جدول الأعمال الأمريكي، والذي كان عن حق المحرك السري للعديد من القمم العربية السابقة، انحسر أو تراجع، فحلت قضية فلسطين مكان “قضية إيران”، ولم تعد مبادرة السلام العربية مع “إسرائيل” مطروحة من دون شروط، ونجحت جهود دمشق في منع أزمة لبنان من تفجير القمة كما كانت واشنطن تأمل.

خطاب الرئيس السوري الأسد، الذي اتسم هذه المرة ب “القوة الهادئة” كان التتويج الناجح لهذا الفشل الأمريكي. فهو قفز فوق الانقسامات ليذكر العرب بأنهم “لم يعودوا على حافة الخطر بل في قلبه”، وأن “كل يوم يمر من دون اتخاذ قرار حاسم يخدم مصلحتنا القومية، يجعل تفادي النتائج الكارثية أمراً بعيد المنال”. وهو أكد “أننا جميعا في قارب واحد أمام أمواجها العاصفة وأنه لا بديل لنا من التشاور والتضامن والعمل المشترك لتوحيد صفوفنا واستعادة حقوقنا”. وهو أخيراً أعاد، انطلاقاً من ذلك، تحديد أولويات جدول الاعمال العربي: إعادة النظر بمبادرة السلام وبمفهوم الامن في الشرق الأوسط، مركزية قضية فلسطين، وضرورة حل قضايا لبنان والعراق ودارفور.

هذا الخطاب الهادئ، والقوي، يمكن ان يكون مادة دسمة بين يدي عمرو موسى في الأسابيع المقبلة لمحاولة عقد قمة عربية جديدة هدفها نزع الألغام التي تهدد بنسف مؤسسة الجامعة العربية برمتها. بيد أن هذا سيتطلب القليل من التشنج والكثير من التبصر، وهي عملة تبدو نادرة الآن في بورصة السياسات العربية.

الغياب الثاني هو تجنب القادة العرب، عدا عمرو موسى نسبياً، القيام بتحديد دقيق للجوهر الحقيقي لخلافاتهم. فلا أحد بين المواطنين العرب “العاديين” يصدق بأن لبنان هو السبب الرئيس أو الأساس. ولا أحد منهم “حتى الآن على الأقل” يؤمن بأن أولوية المقاومة أو المفاوضات هي محور الخلافات. الكل، في المقابل، يصدق بأن خوف الأنظمة على نفسها هو المحرك الرئيس لسياساتها وتوجهاتها. ولو أن الأنظمة اعترفت بهذه الحقيقة، لاكتشفت أن فرص الالتقاء في ما بينها أكبر بكثير من نقاط الاختلاف!

الغياب الثالث هو، بالطبع، عدم طرح أية استراتيجية محددة لمواجهة ما يعتبره القادة العرب بالإجماع أخطر مرحلة تمر بها المنطقة العربية في تاريخها. العقيد معمر القذافي لامس هذه المسألة حين هاجم كل النظام الاقليمي العربي وندد بتشرذم العرب في عصر العولمة. لكن القذافي هو القذافي: قنبلة ثورية صوتية بالنسبة للعرب، وقنبلة براغماتية حارة بالنسبة للغرب.

الاستراتيجية المفترضة كان يجب أن تحدد أمام العرب خريطة طريق تاريخية حول ثلاث قضايا تاريخية تمس مصيرهم برمته:

الأمن القومي العربي، أو ما تبقى منه، بعد انهيار العراق، وتمزق فلسطين، وتشتت لبنان، وتآكل مصر والسودان، وأزمة ديموغرافيا الخليج.

الأمن القومي الاقتصادي، أو ما يمكن إنقاذه منه، بعد أن باتت “إسرائيل” “المركز” الوحيد في المنطقة للتطور الاقتصادي التكنولوجي المندمج بالعولمة.

وأخيراً، قواعد وأسس النهضة والإصلاحات السياسية والثقافية العربية، والتي كانت قبل سنتين في مقدم أولويات الأنظمة، فإذا بها تنتمي الآن إلى رفوف التاريخ.

لا شيء من هذه القضايا طرح بالشمولية المطلوبة في القمة. والسبب المعلن هو أن القلق لم يكن حول إمكان نجاح القمة بل حول احتمال انهيارها. حسناً، القمة نجحت لأنها لم تفشل، لكن هل هذا مدعاة للفرح والتصفيق؟

لا نعتقد، خاصة من جانب المواطن العربي ومصالحه وآماله التي كانت الغائب الحقيقي الأكبر في القم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى