ما يحدث في لبنان

الالتباس في الـ«لا غالب ولا مغلوب»

null

وليد شقير

قليلة هي الأطراف والشخصيات التي اعتبرت في تصريحاتها ان اتفاق الدوحة تطبيق للقاعدة اللبنانية الذهبية: لا غالب ولا مغلوب. وكان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى هو الوحيد الذي شدد عليها في خطابه بعد توقيع الاتفاق في شكل واضح.

هذا لا يلغي أهمية الاتفاق والإنجاز الذي حققه للفريقين اللبنانيين المتخاصمين معاً، لأن الغالب المفترض والمغلوب المفترض في مأزق. ولربما هذا ما يجعل هذه القاعدة صالحة على الدوام في لبنان لأنه يجعلهما متساويين من زاوية المأزق الذي هما فيه.

فلا يمكن تجاهل أن المعارضة، وخصوصاً «حزب الله»، حصلت على الثلث المعطل في حكومة الوحدة الوطنية المقبلة التي كانت ترفض الأكثرية التسليم لها به على مدى السنة والعشرة شهور الماضية، كنتيجة لاستخدامها السلاح في بيروت والجبل. وهي بهذا المعنى ربحت على الأقل على المدى القصير.

لكن في المقابل، فإن الأطراف والشخصيات التي اعتبرت أن ثمة غالباً ومغلوباً، هي قليلة أيضاً، على الأقل في مواقفها العلنية التي صدرت. فما أن أوحى أو صرح بعض رموز المعارضة بأنهم الغالبون لأنهم استطاعوا أن يبرهنوا للأكثرية أنهم الأقوى على الأرض (عسكرياً) حتى انبرى حلفاء لهم في المعارضة الى القول إن الاتفاق انتصار للجميع لأنه يجنّبهم الحرب الأهلية التي كادت تستعر لتهزمهم جميعاً. فالعارفون والأذكياء في المعارضة يدركون أن تفوقها العسكري عبر «حزب الله» وتنظيمه القوي، يفترض أن يترجم، إذا كان لا بد من ترجمته، في الخطوات التي تلي، وليس فقط عبر الثلث المعطّل، لأن ترجيح كفة المعارضة في السلطة بعد حصولها على حق التعطيل، يفترض أن يمر بعملية سياسية متوسطة وطويلة المدى، ولأن ما حصل في الميدان العسكري لم يقلب ميزان القوى السياسي رأساً على عقب، في انتظار الانتخابات النيابية في أيار (مايو) من العام المقبل. وإذا كان صحيحاً أن استخدام السلاح هدف الى إحداث انقلاب عسكري، فإن هذا الانقلاب لم تكتمل فصوله على المستوى السياسي. ولعلّ هذا ما يفسّر طلب المعارضة و «حزب الله» والقيادة السورية تمديد المهلة التي وضعها رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني واللجنة الوزارية العربية للفرقاء اللبنانيين، والسقف الزمني الذي أصرّوا عليه كعنصر ضاغط كي يتوصلوا الى اتفاق في ما بينهم. فدمشق وحلفاؤها كانوا يأملون في أن يلعب عامل الوقت دوراً في انتزاع التنازلات من الأكثرية على طريق ما تعتبره القيادة السورية منذ 15 آب (أغسطس) «سقوط» الفريق الحاكم في لبنان. ومن المؤكد أن الجانب السوري سيسعى الى مواصلة تعديل ميزان القوى السياسي في لبنان، بالوسائل العديدة المتوافرة لديه، السياسية وغير السياسية، إذا كانت الغلبة التي سعى اليها عبر السلاح، لم تحقق كل ما أراده… ولعلّ هذا جوهر ما ترمز اليه الفقرات المتعلقة بالسلاح وعدم جواز استخدامه تحت أي ظرف، في اتفاق الدوحة، الذي حوّل مسألة السلاح الى مسؤولية عربية فأجرى تعديلاً على القرار 1559، في البند المتعلق بالميليشيات ووضعه في إطار عربي فنقل مسؤولية البت به الى الحوار اللبناني، بدلاً من أن يكون في إطار دولي.

وفي المقابل، فإن الأطراف أو الشخصيات التي هي في عداد قوى 14 آذار، والتي تعتبر أنها مغلوبة بقوة السلاح هي قليلة أيضاً. فمن رأى بين قوى الأكثرية أن المعارضة استطاعت انتزاع مطلبها بالثلث المعطل عبر الوسائل العسكرية، اعتبر أن الهدف من هذا التنازل لـ «حزب الله» هو توفير المزيد من المآسي والهزائم على نفسه وعلى البلد ككل من دون أن يعني ذلك الاستسلام لكل مطالب الحزب وحلفائه

إن الالتباس حول ما إذا كانت قاعدة لا غالب ولا مغلوب طبّقت في اتفاق الدوحة سيظل مدار نقاش، طوال الأشهر المقبلة وسيبقى سبباً لحسابات خاطئة وأخرى صائبة عند فرقاء في الطرفين المتخاصمين، وسيستمر خاضعاً للتقلبات الإقليمية الآتية. وإذا كان البعض يعتبر أن لا علاقة بين تزامن الإعلان عن اتفاق الدوحة، وبين الإعلان الاسرائيلي والسوري الرسمي عن المفاوضات غير المباشرة بين تل أبيب ودمشق، فإن هذا لا ينفي صحة القول إن تقدم سورية في التسوية مع اسرائيل يفترض أن يقابله إعطاء ثمن لـ «حزب الله» في السلطة السياسية في لبنان إذا اقتربت التسوية الإقليمية، حتى لو كانت موقتة، لا سيما أنها تفترض تقليص دوره الإقليمي.

وإذا كان اتفاق الدوحة يطلق مساراً سياسياً جديداً في لبنان، بالتزامن مع مسار التفاوض الإقليمي، فإن التحدي يكمن في كيفية تحويل الحزب من «قوة إقليمية عظمى» الى قوة لبنانية متواضعة الأهداف، بتواضع البلد الصغير وتركيبته المعقدة. وهنا على الحزب مسؤولية كما على قوى 14 آذار مسؤولية كبرى أيضاً، بالمعنى الإيجابي للكلمة، في التخطيط لمرحلة قد يطول أمدها.

الحياة – 23/05/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى