الدور التركي في المنطقةصفحات العالم

العلاقات مع تركيا من الزاوية الإسرائيلية

رندة حيدر
لم يسبق أن عرفت العلاقات التركية – الإسرائيلية مثل التوتر الذي شهدته خلال الحرب على غزة. فلقد نجحت تركيا على الدوام وخلال فترات احتدام النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين في الموازنة بين موقفها المؤيد للقضية الفلسطينية والدول العربية في نزاعها مع اسرائيل وعلاقاتها الجيدة و تعاونها العسكري والاستخباري مع تل أبيب.
لكن أيام الحرب على غزة، والدور الذي حاولت ان تلعبه أنقرة في التوسط بين حركة “حماس” واسرائيل، وتداخل الدور التركي مع الدور المصري، كان لها انعكاساتها على المواقف العلنية لزعماء أول دولة مسلمة في المنطقة اعترفت بقيام دولة اسرائيل، وذروة هذه المواقف العدائية لاسرائيل التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة التركية رجب طيب أوردوغان بضرورة طردها من الأمم المتحدة. و السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل التدهور الأخير في العلاقات التركية –الإسرائيلية هو نتيجة أحداث غزة الدموية أم هو نتيجة تبدل في توجهات السياسة الخارجية التركية ازاء اسرائيل.
في الواقع منذ فوز” حزب العدالة والتنمية ” ذي الجذور الاسلامية في الانتخابات التركية لأول مرة تتبعت اسرائيل عن قرب أي تبدل في السياسة الخارجية التركية التي كانت على تعاون وثيق. وفي الواقع شكل التفاهم الكبير والتعاون بين القادة العسكريين في تركيا والزعامة السياسية في اسرائيل نوعاً من ضمان الاستمرار العلاقات الجيدة بين البلدين رغم الظروف التي فرضها الصراع العربي-الاسرائيلي.
لكن منذ اعادة انتخاب حزب “العدالة والتنمية” عام 2007 رصد المتابعون للشأن التركي في اسرائيل تقارباً واضحاً بين تركيا وايران وسوريا. نشأ هذا التقارب على خلفية العراق والمصلحة التركية في التوصل الى تفاهم مع ايران وسوريا حول مستقبل اقليم كردستان بحيث لا يهدد أمن تركيا. ومن المظاهر التي عكست هذا التقارب المعارضة التركية لفرض العقوبات الاقتصادية على ايران في موضوع السلاح النووي الايراني ومحاولاتها التوسط بين ايران الولايات المتحدة. كما برز التعاون بين تركيا وايران في ملاحقة حزب العمال الكردستاني والزيارات الرفيعة المستوى التي تبادلها قادة البلدين.
على صعيد الصراع الفلسطيني – الفلسطيني رصدت اسرائيل بالاضافة الى الموقف التقليدي التركي المؤيد للقضية الفلسطينية تعاطفاً أكبر بين “حزب العدالة والتنمية” و”حماس” على خلفية الأفكار الاسلامية التي تجمع بينهما. وهناك من يقول ان تركيا حضرت المفاوضات خلال حرب غزة من أجل ان تضمن عدم الحاق الظلم بحركة”حماس” وبصورة خاصة كي تنقل الى سوريا حليفتها ما يجري.
ثمة وجهة نظر اسرائيلية تقول ان الوساطة التي قامت بها تركيا خلال العام الماضي بين اسرائيل و سوريا لمعاودة المفاوضات غير المباشرة بينهما والتي ارادت تركيا توظيفها في الجهود الديبلوماسية الآيلة الى اقناع الدول الأوروبية بانضمامها الى الاتحاد الأوروبي تحولت هذه الوساطة خلال حرب غزة. الى مظهر من مظاهر التقارب مع المحو الراديكالي.وثمة من يتهم تركيا في اسرائيل اليوم بأنها باتت أقرب الى محور الدول المتطرفة الذي يجمع ايران وسوريا من محور الدول المعتدلة الذي تتزعمه مصر والسعودية.
في الآونة الأخيرة برزت حدة غير مألوفة في الكلام على تركيا وسط المعلقين الاسرائيليين الذين تساءلوا كيف يمكن تركيا أن تشتم اسرائيل وتدينها لقتل الأبرياء من الفلسطينيين في الوقت عينه الذي تعلن فيه السلطات التركية عن قتل 700 متمرد تركي واعتقال 400 آخرين؟ ويذهب التشكيك الاسرائيلي في الموقف التركي الى حد اعتبر بعض المعلقين اقتراح تركيا نشر قوات لها على الحدود بين غزة ومصر خطوة غير بريئة تعكس حنيناً لأيام السلطنة العثمانية.
يبدو واضحاً ان حرب غزة وضعت السياسة الخارجية التركية امام اختبار صعب لدورها كدولة اقليمية كبيرة في المنطقة قادرة على لعب دور الوسيط في النزاعات من دون الاضرار بالتوازن الدقيق بين مصالحها كدولة تسعى الى الدخول في الاتحاد الاوروبي وتعاطفها مع الحركات الاسلامية الأصولية مثل “حماس” وبين علاقاتها الجيدة مع سوريا و تقاربها مع ايران من جهة ومن جهة ثانية تعاونها العسكري مع اسرائيل وتحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى