مجموعة دراسات هندية تضع 4 سيناريوات للمنطقة 2009 – 2025
: سلام شامل أو حرب مدمّرة وتغيير أنظمة دول بينها لبنان
كتبت سوسن أبوظهر:
في تقرير يجمع التحاليل والأرقام عنوانه “كفلة النزاع في الشرق الأوسط” اعد قبل الهجوم على غزة
بينما كان “الرصاص المصهور” ينهمر على قطاع غزة، أصدرت مجموعة الأبحاث والدراسات “ستراتيجيك فورسايت غروب”، ومقرها الهند، بالتعاون مع 50 باحثاً في المنطقة، تقريرها “كلفة النزاع في الشرق الأوسط” الذي يجمع التحليل بالأرقام والجداول، وقد أرادته “تقويماً مفصلاً للأضرار الاقتصادية والبشرية والعسكرية والبيئية والاجتماعية والسياسية والديبلوماسية والنفسية، ولكل التكاليف الأخرى ومنافع السلام المحتمل”.
“السلام المحتمل”؟ إنه أحد أربعة سيناريوات لما بين 2009 و2025 يضعها التقرير الذي ارسل إلى الطبع في الأيام الأولى من كانون الثاني. غير أن الهجوم الاسرائيلي يجعل السلام يبدو بعيداً جداً اليوم، إن لم يكن مستحيلاً.
وقد دعمت التقرير أربع دول وُصفت بأنها محايدة، هي نروج وسويسرا وتركيا وقطر. وهو البحث الثالث بعد دراستين عن النزاعين في سري لانكا، وبين الهند وباكستان.
بداية، ان الشرق الأوسط المقصود ليس هو “الكبير” بمعناه الأميركي. إنه الشرق الأوسط كما نعرفه، أي الدول العربية واسرائيل وايران التي “يُعتقد على نطاق واسع أنها تدعم (حركة المقاومة الإسلامية) حماس وحزب الله، وهي تالياً موجودة في النزاع العربي-الاسرائيلي عن بُعد”.
في السياسة
وفي كل الأحوال، ان الهدف الأول للتقرير التوجه إلى الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة باراك أوباما. ويسترعي الانتباه توجيه انتقادات جريئة الى واشنطن كمثل القول إن “العراق المعروف بأنه مهد الحضارة العربية، هوجم ودُمر مرتين، عام 1257 على أيدي المغول، وعام 2003 على أيدي الأميركيين”، أو أن “تنظيم “القاعدة” هو نتيجة السياسات الأميركية في الشرق الأوسط وأفغانستان، والأخطاء السياسية والاقتصادية”.
غير أن ذلك النهج النقدي لا يشمل اسرائيل، إذ يتميز التقرير بالحياد المبالغ فيه حيالها، حتى أنه يستخدم بضع مرات تعبير “الإرهابيين” أو “المتطرفين” لوصف الانتحاريين والفصائل الفلسطينية. ويرد فيه أنه “منذ ولادة اسرائيل، سيطر النزاع حول إيجاد وطن للشعب الفلسطيني على السياسات في الشرق الأوسط”، من غير ان تطرق، ولو بجملة أو اثنتين، إلى الملابسات التاريخية التي أنتجت اسرائيل وطناً لليهود في أرض لم يشكلوا الغالبية فيها. وإذ يخصص فصلاً لخسائرها وآخر للفلسطينيين، يضع الجانبين على قدم المساواة، مع أن الأرقام التي يعرضها تدين اسرائيل، وإن من دون كلمات.
ويُلاحظ أن الجداول والبيانات تعطي التقرير أهميته كمصدر للتوثيق الجدي. ويبدو أن جهد الباحثين انصب عليها إذ استخدموا 97 معياراً لجمعها وتحليلها وحرصوا على عرضها بطريقة جذابة. غير أن بعض النصوص المقتضبة التي ترافقها، باستثناء السيناريوات الأربعة التي تختم الكتاب، يفتقر إلى المنطق والإلمام بالوقائع الجيوسياسية للمنطقة. من قبيل القول إن “غياب التجارة بين اسرائيل والدول العربية، وأيضاً إيران، غير طبيعي. فمعظم الدول في العالم المنخرطة في نزاعات لها علاقاتٌ تجارية، مثل المبادلات التجارية الضخمة بين الصين وتايوان، ونمو التجارة بين الهند وباكستان أو تركيا واليونان”. وتبدو تلك الملاحظة غير ملمة بجذور النزاع وتعقيداته. فقيام اسرائيل لا يماثل استقلال تايوان، والنزاع الذي يحمل طابعاً وجودياً وليس فقط حدودياً لا يشبه خلافات أنقرة وأثينا.
كذلك يورد ان اسرائيل تدفع “ثمناً اقتصادياً كبيراً”، إذ تضطر إلى التفتيش عن مصادر بعيدة للطاقة “بينما تملك غزة موارد مهمة من الغاز الطبيعي وبلدان الخليج هي المزود الرئيسي للنفط في العالم”. ويتساءل قارئ التقرير، وخصوصاً في الظروف الحالية، هل على غزة المدمرة، والمحاصرة قبلاً، توفير الغاز لتل أبيب؟
ومن الأحكام التي لا نراها دقيقة القول إن “الهوس الأميركي في الشرق الأوسط، والهجوم على العراق وتجاهل أفغانستان، تسببت صعود آيات الله والرئيس محمود أحمدي نجاد في ايران”، مع التذكير بأن سلفه الإصلاحي محمد خاتمي كان هو الحاكم عام 2002. غير أن ذلك الرأي يغفل أن نفوذ “آيات الله” ليس مستجداً بل هو عصب النظام منذ الثورة الإسلامية عام 1979. كما أن خاتمي لم يأت بدعم من واشنطن ولم يكن من الحكام المفضلين لديها. ولا يمكن تبسيط السياسات الإيرانية بأنها مجرد رد على تلك الأميركية، ذلك أن فوز أحمدي نجاد عام 2005 يرتبط بوعوده بتوزيع عادل لعائدات النفط، وهي العهود ذاتها التي قد تكون سبب خسارته في حزيران.
ولكن لا ننكر أن بعض الملاحظات الأخرى صائبة وواقعية، كالقول إن “النزاع في الشرق الأوسط مكَن الأنظمة من تمرير قوانين وممارسات تحد من حريات التعبير”. نقرأ هنا مثلاً عن استمرار حال الطوارئ في مصر منذ عام 1981، وتقييد الأقليات الدينية في إيران، والتمييز في حق الأردنيين ذوي أصول الفلسطينية، وملاحقة الصحافيين الذين يتحدثون عن العنف المذهبي في العراق، وحرمان “البدون” الجنسية الكويتية، وقمع حقوق الشيعة في السعودية والتضييق على النساء، وهضم حقوق العمال الأجانب في الإمارات العربية المتحدة.
وفي ما يتعلق باسرائيل، يذكرنا التقرير بمنع سكان القدس الشرقية من العودة إليها إذا غادروها لأكثر من ثلاثة أشهر، وبـ 160 ألف بدوي في النقب يقيمون في قرى غير معترف بها رسمياً وهم مهددون بنقلهم إلى مناطق أخرى، وبهدم عشرة آلاف منزل فلسطيني منذ عام 1967، منها ألفان في القدس الشرقية.
وفي لبنان أُشير إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين حقوقا أساسية. أما في سوريا، فسجل حظر التظاهرات من دون إذن رسمي “يُمنح عادة للجماعات الموالية للحكومة”، وانتزاع أجهزة الأمن الاعترافات “بتعذيب المشتبه فيهم واحتجاز أفراد أسرهم”، وحظر السفر المفروض على موقعي إعلان “بيروت – دمشق” وسجن بعضهم، وحرمان 200 ألف كردي جوازات السفر ووثائق الهوية والولادة.
بلغة الأرقام
ويقدر التقرير الخسائر الناجمة عن غياب السلام منذ عام 1991 حتى 2010 بـ12 تريليون دولار، تحمل العراق الجزء الأكبر منها، إذ كان يمكن أن يكون ناتجه المحلي 30 ضعفاً. وقد صار خمسة ملايين من أبنائه لاجئين في أكبر تهجير في الشرق الأوسط منذ 1948. ولولا الحرب لكان العراق جنى 5,36 مليارات دولار سنوياً من إنتاج مليوني برميل إضافي من النفط.
ويؤوي الأردن لاجئين يوازون 38,9 في المئة من مجموع مواطنيه يستهلكون سبعة في المئة من دخله. و”بالمقارنة، هل يمكن الولايات المتحدة استيعاب مئة مليون لاجئ بين سكانها البالغ عددهم 300 مليون. وهل تستطيع إنفاق تريليون دولار عليهم؟”.
ويُعد الشرق الأوسط المنطقة الأكثر تسليحاً في العالم. وقد ذهب ستة في المئة من الناتج المحلي إلى الإنفاق العسكري المتوقع أن يتضاعف بين 2007 و2016، بعدما وصل إلى مستوى 1008 مليارات دولار في 2007.
وباحتساب كل الجيوش النظامية وأفراد الاحتياط والقوات شبه العسكرية، وكذلك الوجود الأجنبي، يكون في المنطقة خمسة الى ستة ملايين عسكري. أما الهند التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة أضعاف الشرق الأوسطيين مجتمعين، فلا تتجاوز قواتها المسلحة مليونين ونصف مليون رجل.
وبالأرقام أيضاً، كان هناك 1955 جندياً أميركياً في المنطقة عام 1989، و2200 في 1993. لكن المجموع صار 222,888 عام 2008. أي أنه زاد 120 مرة خلال 20 سنة.
وقد سرقت 15 ألف قطعة أثرية من العراق استعيد ثلثها فقط. ونُهب أكثر من مليون كتاب وخمسة آلاف مخطوطة إسلامية. ولا يرتاد 30 في المئة من التلاميذ المدارس بسبب الهاجس الأمني.
وعام 2006 كان الشرق الأوسط محور 13،5 في المئة من قرارات مجلس الأمن.
الفلسطينيون واسرائيل
ويحصي التقرير سقوط عشرة آلاف قتيل في الانتفاضتين، من غير أن يشير إلى أن معظمهم فلسطينيون. ويسجل مقتل 70 ألفا إلى 110 آلاف شخص في مجمل الحروب أو المواجهات الاسرائيلية مع العرب منذ عام 1948. وهذه الحصيلة لا تشمل طبعاً أكثر من 1400 فلسطيني أرداهم الهجوم على غزة.
وقضى ألف ولد فلسطيني بين عامي 2000 و2008، مع العلم أن نحو 700 ذهبوا أخيراً ضحية “الرصاص المصهور”. وفي الفترة عينها، أوقفت السلطات الاسرائيلية ثلاثة آلاف تلميذ. كما شهد أكثر من 10 في المئة من أولاد غزة مقتل أحد معلميهم، واحتل الجيش الاسرائيلي 40 مدرسة. وتعطلت الدراسة في 1300 أخرى.
واستنادا الى بيانات 2006، يعيش أكثر من مليون فلسطيني تحت خط الفقر. وهناك 22 مستشفى في قطاع غزة بمعدل 1،4 سرير لكل ألف شخص. وبين عامي 2007 و2008، مات 120 شخصاً هناك لأنهم لم يُمنحوا تراخيص لتلقي العلاج في مصر. هذه الأرقام وتجعلك تتساءل كيف تعاملت المستشفيات بإمكانات متواضعة وشبه عجز مع الأعداد الكبيرة من الجرحى في الأسابيع الأخيرة. وسجلت البطالة 37،6 في المئة في القطاع عام 2007. ففي حزيران، كان 1750 شخصاً فقط يعملون في 195 مصنعاً، بينما كان العدد 35 ألفاً في 3900 مصنع قبل ذلك بعامين.
وحتى 2007، أحصيت 221 مستوطنة اسرائيلية في الضفة الغربية ومشارفها، ولا يشمل الرقم تلك المقامة في القدس الشرقية. واقفلت المعابر 155 يوماً عام 2008.
ويقدر التقرير هدر مليون ساعة شهرياً في عمليات العبور إلى رام الله من الحواجز ونقاط التفتيش. ويمكن تفصيل هذا الرقم المرعب بعملية حسابية بسيطة. لنقل أن 20 ألف شخص يعبرون يومياً، ويضيعون ساعتين ونصف ساعة بسبب الإجراءات الاسرائيلية، فتكون الخسارة 50 ألف ساعة. وإذا كان هناك 20 يوم عمل شهريا، تبلغ الساعات المهدورة مليوناً، وتالياً 12 مليونا سنوياً.
وفي المقابل، يحصي التقرير وجود 3285 أرملة و2176 يتيماً في اسرائيل منذ عام 1948. ويتحدث عن مقتل 184 اسرائيلياً تقل أعمارهم عن 18 سنة بين عامي 2000 و2008. غير أنه يخبرنا في موقع سابق أن 4546 فلسطينياً قضوا في الفترة عينها، بينهم ألف ولد، أي أكثر بكثير من الـ184.
لبنان
ومن مبلغ الـ12 تريليون دولار المشار إليه آنفاً لخسائر غياب السلام، تبلغ حصة لبنان مئة مليار. يعني أن “كل لبناني كان ليجني سنوياً 11 ألف دولار بدل الـ5600 المتوقع أن يحققها سنة 2010”.
وقُدر مجموع خسائر البلاد في حرب تموز 2006 بـ3،6 مليارات دولار أي ثمانية في المئة من الناتج المحلي. وانتشرت مليون قنبلة عنقودية في 25 في المئة من الأراضي الزراعية. ودمر سد و330 منشأة لتوزيع المياه و120 وحدة للصرف الصحي. ويتوقع التقرير مواجهة جديدة مع اسرائيل خلال عشر سنين أو 15 سنة حين يزداد الاعتماد اللبناني على نهر الوزاني نتيجة الشح المتزايد لمياه الليطاني.
وفي الخسائر البشرية، شكل الأولاد 33 في المئة من ضحايا حرب تموز و45 في المئة من النازحين. وتعطلت دروس 40 ألف ولد وتضررت 300 مدرسة، ودُمرت 50 كلياً.
وأوقعت الحروب الاسرائيلية “مع” لبنان أو “جماعات في لبنان” أعوام 1978 و1982 و1993 و1996 و2006 أكثر من 20 ألف قتيل. ولا يقول لنا التقرير إن معظمهم غير اسرائيليين. ويقدر مجموع القتلى اللبنانيين منذ عام 1975 بنحو 136 ألف شخص.
وتبلغ موازنة القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان “اليونيفيل” 680،93 مليون دولار، وقتل لها 276 رجلا منذ بدء عملها عام 1978.
4 سيناريوات
ولعل أهم ما يقدمه التقرير أربع سيناريوات لمستقبل المنطقة تراوح بين السلام التام والحرب الشاملة وما بينهما، وفقاً لنفوذ الولايات المتحدة وبقاء النفط مصدراً رئيسياً للطاقة.
يحمل السيناريو الأول عنوان “حيث يسود الشك”. وفيه تكون أميركا القوة الأولى ويتقلص الاعتماد على النفط. ويضغط المجتمع الدولي على اسرائيل للقبول بحل الدولتين، وعلى العرب للاعتراف بها. غير أن المصير النهائي للقدس لم يُحسم بعد ولا التعويضات للاجئين.
نحن أمام “هدنة هشة”، فالتأهب العسكري وسباق التسلح مستمران. وتحوز إيران أسلحة نووية، و”العالم العربي يبقى منقسماً، وسوريا لا تزال في المعسكر الإيراني، ويواجه لبنان والعراق اضطرابات داخلية نتيجة الصراعات المذهبية”.
ولا يتغير كثيراً المشهد الاقتصادي، إذ انتهت المقاطعة لاسرائيل شكلياً فقط، والنمو عند مستويات لا تتجاوز ستة في المئة، والإنفاق الحكومي على الحقل التربوي متدن.
وتصعد “الجهاد الإسلامي” و”تعمل على إحداث اضطرابات في الأردن ولبنان من اجل إقامة نظامين إسلاميين”. وتصير “حماس” مجموعة “ضعيفة”.
إذاً، الحال “لا سلام ولا حرب” شاملة، وهي تحمل عناصر عدم الاستقرار للبنان، في 2025 كما في 2009.
وفي سيناريو “حيث تسود الوحشية”، تبقى أميركا القوة الأولى والاقتصاد العالمي معتمداً على نفط الشرق الأوسط.
هنا ترفض الفصائل الفلسطينية أي حل موقت أو تنبذه بعد سنوات من تطبيقه وفشله. تزول حركة “فتح”، ويضرب الوهن “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وتبرز جماعة جديدة تدعمها إيران.
وتواصل اسرائيل استيطان الضفة الغربية وتحكم قبضتها على القدس الشرقية. ويزداد نظامها شبهاً بالتمييز العنصري السابق في جنوب أفريقيا.
ويقفز الإنفاق العسكري إلى 15 في المئة من الناتج المحلي. ويتوقف التمويل الحكومي للقطاع التربوي، وتقفل المدارس أبوابها أكثر من سنة في الأراضي الفلسطينية. وفي اسرائيل والأردن ومصر يتلقى الطلاب دروسهم في حماية جنود.
وقد تنخرط إيران واسرائيل في حرب نووية تحدث عنها التقرير في موقع سابق متوقعاً أن تؤدي إلى وفاة 50 مليون شخص، مما يوازي حصيلة الحرب العالمية الثانية، وأن تنشب على خلفية توتر كبير بين الجانبين و”استخدام اسرائيلي مفرط للقوة على جيوب من المواطنين في لبنان والأراضي الفلسطينية، والفشل في العراق وغياب قيادة عربية موحدة”.
وتنجح الجماعات السنية المتشددة في إطاحة النظامين الأردني والمصري، وتتعاون مع “نظامين شيعيين متطرفين يحكمان في العراق ولبنان”.
ولعل أخطر ما في السيناريو، باستثناء الحرب النووية، هو تغيير الخريطة السياسية لمصر والأردن والعراق ولبنان إذ تُلمح تلك الجملة المقتضبة إلى قضاء نهائي على الصيغة التي قامت عليها البلاد منذ عام 1943.
وفي سيناريو “حيث تتغير المعادلات”، يتراجع النفوذ الأميركي بسبب الأزمات الاقتصادية وتبرز روسيا قوة عظمى. إيران “تغير سياساتها أو يتبدل النظام فيها”، ويبقى النفط محرك النظام العالمي.
لا تقوم دولتان، فلسطينية واسرائيلية، بل تقلب الفصائل استراتيجيتها مطالبة بدولة واحدة ديموقراطية لليهود والعرب.
وتفشل محاولات لتغيير النظام في مصر والأردن، ويصير “التحدي الأساسي في الشرق الأوسط إدارة المجتمعات التعددية في العراق ولبنان وسوريا”.
ويبدو لنا هذا السيناريو الأقل واقعية من منظار 2009، وخصوصاً قيام دولة اسرائيلية – فلسطينية تذكر باقتراح قديم للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي عدَّه كثيرون دعابة.
أما السيناريو الأخير فهو “حيث يبتسم الناس”. هنا عالم متعدد القطب، أميركا تعترف بتراجع دورها، ويصعد نفوذ روسيا والصين واليابان وأوروبا وايران والهند وتركيا وجنوب افريقيا والبرازيل، وتعتمد الطاقة الشمسية وطاقة الأمواج والريح على نطاق واسع.
يتجه الاسرائيليون والفلسطينيون إلى حل الدولتين على أساس حدود عام 1967. وتقوم مشاريع تعاون عربية-اسرائيلية مثل بناء خطوط للسكك الحديد ومصانع وقنوات. ويتركز الاهتمام على تحقيق الاستقرار في العراق ولبنان. وينخفض الانفاق الدفاعي إلى ثلاثة في المئة من الناتج المحلي ويقفز النمو إلى تسعة في المئة. وتنشئ السعودية وإيران مجلساً مشتركاً لاحتواء التوتر المذهبي.
ويسترعي الانتباه أن هذا السيناريو الذي يستحق اسمه، يحمل هو أيضاً علامات قلق بالنسبة إلى لبنان. كأن عدم الاستقرار يلازمنا مهما تغيرت الوقائع في المنطقة والعالم.
ولتحقيق هذا الهدف، أي أن “يبتسم الناس”، يقترح التقرير إجراءات فورية مثل أن تبادر إدارة أوباما إلى إطلاق حوار جديد يشبه عملية مدريد، ويبدأ وسطاء أوروبيون حواراً هادئاً مع زعماء المنطقة ينتهي بقمة تمولها الأمم المتحدة ويحضرها أطراف النزاع، بما في ذلك السعودية واسرائيل.
ولكن هل يمكن أن “يبتسم الناس” قريباً، وهم لا يزالون يبكون وينتشلون أشلاء أحبائهم؟ ألا يبدو السيناريو الثاني، ويا للأسف، الأقرب إلى ما نعيشه؟ وما هو إذاً مصير لبنان؟
“النهار”