أردوغان العربي
سميح صعب
لا يمكن وضع موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في منتدى دافوس في سياق الانفعال المتولد من لحظة بعينها فقط، او رد فعل على الخطاب العالي النبرة لشمعون بيريس، او لتصفيق الحضور لكلام الرئيس الاسرائيلي وهو يروي كيف ردت اسرائيل لمقتل ثلاثة اسرائيليين بقتل 1300 فلسطيني معظمهم مدنيون وبينهم 400 طفل، او لمخاطبته اردوغان كيف كان سيتصرف لو تساقطت الصواريخ على اسطنبول.
ان غضب اردوغان كان وليد تراكم كمٍ كبير من الخيبات من اسرائيل ومواقفها. ولم تكن مداخلة بيريس سوى النقطة التي طفح بها الكأس، واستدعت رداً حازماً من رئيس الوزراء التركي كي لا يُفسر سكوته بأنه موافقة على ما يقوله بيريس. ولذا جاء رد اردوغان منسجماً مع مواقف اتخذها الرجل منذ الطلقة الاولى في الحرب الاسرائيلية على غزة.
طبعاً قد لا يعجب موقف اردوغان المعارضة في تركيا التي ترى أن رئيس الوزراء يبالغ في موقفه الى حد انه اصبح ملكياً اكثر من الملك. وقد يكون هؤلاء محقين وهم يرون ان مداخلة بيريس والتصفيق للقتل في غزة لم يحركا ساكناً لدى الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي كان جالساً على المنصة ذاتها. وقد يكون المعترضون على اردوغان محقين في اعتراضهم، وهم يتوقعون ان تكون المعارضة التي يبديها اردوغان لاسرائيل مكلفة على صعيد علاقات انقرة بأوروبا، وتزيد من اصوات الدول الاوروبية المعترضة على انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي. كما ستكون مكلفة على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة، واول الغيث كان الغاء المبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل محطته التركية ضمن اول جولة له في الشرق الاوسط.
ولا يشعر المعارضون الاتراك فقط بالحرج إزاء مواقف اردوغان، فهناك دول عربية محرجة ايضاً لأنها تراهن على ان نهج الاعتدال الذي تسلكه هو الاسلم في مواجهة التشدد الاسرائيلي. ولكن ليت الاعتدال العربي المطبّق حيال اسرائيل لا يطبق ايضاً على ايران التي تعامل على انها العدو البديل من اسرائيل. ولم تذع تسيبي ليفني سراً حين قالت عند بدء الحرب على غزة ان الصراع العربي – الاسرائيلي بات من الماضي، وان المنطقة اليوم منقسمة معسكرين، الاعتدال والتطرف.
لا شك في ان عشرات الملايين من العرب كانوا يتمنون لو ان اردوغان كان زعيماً عربياً، ولو ان هوغو تشافيز كان ايضا زعيماً عربياً، ولو ان ايفو موراليس هو ايضا كان زعيماً عربياً. ومثل هذه النظرة ليست ناجمة سوى عن عمق الاحباط من سلوك الزعماء العرب الذين لا تتملكهم سورة الغضب إلا حين يواجهون شعوبهم. وأحد وزراء الخارجية العرب لا يتوانى عن الاشادة بالجهد الذي بذله لعدم عقد قمة عربية طارئة من اجل غزة وفي اعتقاده ان مثل هذه القمة لو انعقدت لكان اندثر العرب وباتوا أثراً بعد عين. لكن هذا الوزير نفسه هل يرى ان العرب في الف خير لأن القمة الطارئة لم تنعقد؟
يبقى السؤال: هل نجح الاعتدال العربي في استثارة اعتدال من جانب اسرائيل، أم ان الاسرائيليين يقابلون الاعتدال العربي بمزيد من التشدد؟
واستطلاعات الرأي التي ترجّح فوز اليمين واليمين المتشدد مثل نتيناهو وليبرمان في الانتخابات التي تجري بعد ايام في اسرائيل، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك ان الاعتدال العربي لا يفعل فعله داخل المجتمع الاسرائيلي. والارقام تفيد أن 90 في المئة من الاسرائيليين ايدوا الحرب على غزة، وان اكثر من 70 في المئة كانوا يؤيدون استمرارها.
وبعد ذلك تصفّق النخبة الاقتصادية في العالم لبيريس وهو يتحدث عن القتل في غزة. في ظل وضع كهذا هناك حاجة الى اكثر من اردوغان.