الدرس الذي يجب أن يستوعبه العرب : العثمانيون الجدد أصحاب مصالح و ليسوا أصحاب قضايا
إدريس جنداري
كل من اطلع على اللهجة المتشددة التي صيغ بها خطاب وزارة الخارجية التركية مؤخرا تجاه حماس، يفهم أن رهان محور الممانعة على الحزب الإسلامي التركي، باعتباره النصير المحتمل للقضايا العربية، كان رهانا فاشلا، لأن من يسميهم هؤلاء بالعثمانيين الجدد – تيمنا بالدولة العثمانية، الرجل المريض الذي نقل وباء الاستعمار إلى العالم العربي – غير مستعدين لخسارة موقعهم داخل تركيا و في علاقتهم بأوربا، من أجل اللهاث وراء الشعارات الفارغة التي تسوق لها الأصولية العربية .
لقد أقام هذا الحزب العثماني علاقات وطيدة مع إسرائيل – وما يزال – تتحكم فيها المصالح المشتركة، ولم يتعامل معها باعتبارها دولة يهودية، و هو يسعى بكل شراهة، تفوق رغبة غيره من الأحزاب السياسية التركية للحصول على عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي، و حضر خلال الاجتياح الأمريكي للعراق كلاعب أساسي في المعادلة الجديدة التي فرضتها أمريكا على المنطقة .
و في كل هذه التقاطبات كان الحزب العثماني يقدم مصلحة تركيا، و يسعى إلى فرضها على المنطقة كلاعب يمتلك الكلمة الفصل، و هو في ذلك يلعب على الوتر الحساس للأصوليين العرب، باعتباره الحزب الإسلامي الذي سيعيد أمجاد الرجل المريض .
لكن واقع الأمر يؤكد بالملموس أن هذا الحزب لم و لن يخدم القضايا العربية على حساب مصالح دولته، و أن رهان محور الممانعة على الدور الإقليمي للعثمانيين الجدد خدمة للقضايا العربية، كان رهانا فاشلا منذ البداية، و يعود هذا الفشل إلى فشل مماثل للسياسة الخارجية العربية، التي تقوم على العواطف و العلاقات الدينية و القومية، في غياب أي حس استراتيجي، يعمل على نسج شبكة من المصالح، يمكنها لوحدها أن تناصر قضايانا بشكل عقلاني .
إن ما يغيب عن أذهان كل من يراهن على الدور الإقليمي للعثمانيين الجدد، لنصرة القضايا العربية، باعتبارهم يمثلون إرث الإمبراطورية العثمانية، هو أن أن هؤلاء يمثلون دولة علمانية يمكنها في كل لحظة أن تضحي بما يضحون من أجله ( الدين و الإيديولوجية ) في سبيل تحقيق مصالح آنية، تخدم مكانة تركيا و مصالح شعبها قبل أي شيء آخر؛ كما أن هؤلاء يمثلون دولة ديمقراطية، تقوم على المؤسسات، و ليسو انقلابيين و مغتصبي سلطة ( كما هو شأن الأنظمة العربية) يحكمون على هواهم الإيديولوجي و العقائدي .
و كل هذه الاعتبارات تجعل رهان محور الممانعة على تركيا رهانا فاشلا، لا يقوم على أبسط شروط الحس الاستراتيجي، الذي يحكم العلاقات بين الدول، لذلك فهو لا يفهم مثلا أن تستمر تركيا في علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل، في الوقت الذي يدمر فيه قطاع غزة، كما لا يفهم أن تنسج تركيا علاقات دبلوماسية و سياسية و اقتصادية مع أمريكا و هي تحتل العراق، و في نفس الآن لا يمكنه أن يفهم كيف يلهث العثمانيون الجدد وراء موقع في الاتحاد الأوربي، مع ارتباطهم بالعمق الإسلامي .
و طبيعي أن لا يفهم هؤلاء سياسة تركيا الخارجية، بل و قد تبدو لهم سياسة تقوم على التناقض و غير واضحة، و قد يستعيد آخرون نظرية المؤامرة ليؤكدوا أن العثمانيين الجدد عملاء، يخدمون مصالحهم مع أمريكا و إسرائيل على حساب القضايا العربية و الإسلامية .
لكن الأمر لا يحتمل كل هذه التأويلات المغرضة، لأن تركيا – كدولة علمانية و ديمقراطية – لا تسعى إلى خدمة سوى مصالح شعبها، و هي لا تقيم علاقاتها الخارجية على أساس الدين و الإيديولوجية، بل على أساس المصالح المشتركة .
إن الخلل الحقيقي يكمن في الفكر السياسي العربي؛ الذي لم يستوعب بعد جوهر العلاقات بين الدول و الشعوب في العالم، و هي علاقات تتجاوز وحدة اللغة و العرق و الدين إلى وحدة المصالح المشتركة، و لذلك فقد اكتفى العرب فيما بينهم بوحدة ثقافية لم ترق بعد إلى علاقات استراتيجية تحكمها المعاهدات السياسية و الاتفاقيات الاقتصادية و الأمنية، و في المقابل حققت دول أوربا هذه الوحدة رغم التعددية الثقافية بين شعوبها، و هي الآن قوة سياسية و اقتصادية و عسكرية لا تضاهيها في العالم إلا الولايات المتحدة الأمريكية .