صفحات سورية

قمة دمشق ليست نهاية المطاف

null


سليمان تقي الدين

ليست قمة دمشق نهاية التاريخ العربي ولن تكون بدايته. إنها محطة في مسار طويل من العلاقات المعقدة. لقد كانت مؤتمرات القمة دائماً كاشفاً لبعض المشكلات الكامنة بين مصالح واتجاهات الدول المتعددة. ما كان يغطي هذه الخلافات هو الإجماع التاريخي حول القضية المركزية أو المحورية وهي قضية فلسطين والصراع العربي “الإسرائيلي”. فيما خلا ذلك لم يكن العالم العربي موحداً في فهمه لمسألة الأمن القومي وهو لم يسعَ إلى تطوير نظام الدفاع العربي المشترك لهذه الأسباب.

عملياً حصلت انقسامات كبرى بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 وخروج مصر من الصراع العربي “الإسرائيلي” ثم في مرحلة حروب الخليج المتتالية. لا أحد يستطيع الآن أن ينكر التحديات الأمنية والسياسية التي يمثلها الدور الإقليمي لإيران سواء بصورة مباشرة لبعض دول الجوار والخليج تحديداً أو لبقية دول المنطقة كما هي الحال في فلسطين ولبنان. لكن ذلك أدعى للحوار بين العرب أنفسهم، وليس الانقطاع عن المشاركة في إرساء علاقات تكاملية أمام التحديات الكثيرة التي تواجه المنطقة. أمام حال الفوضى الأمنية والسياسية التي أطلقها المشروع الأمريكي هناك ثلاث دول ذات تأثير في محيطنا الإقليمي تحاول أن تتقاسم النفوذ هي “إسرائيل” وإيران وتركيا. قد يكون الدور التركي محدوداً الآن ولكنه مرشح للانخراط في تناقضات المنطقة كلما توسعت مشكلاتها وأزماتها.

ما هو مفقود في هذا المشهد هو الدور العربي المستقل أو الدور العربي الموحد. لن يكون هناك أي توافق عربي ما لم يؤمن مصالح جميع أطرافه وخصوصاً تلك التي تشعر بالتحدي المباشر من هذه أو تلك من الأخطار. صحيح أن قمة دمشق أتت في توقيت سيئ من ناحية تصاعد الخلافات العربية وتراكم الملفات، وصحيح أن اختلاف النظرة في قضايا عربية كلبنان وفلسطين والعراق هي الأسباب المباشرة لهذه الخلافات، لكن لم يكن مستحيلاً أبداً الوصول إلى تفاهمات حول هذه الملفات كما كان يحصل في السنوات الماضية. لم يطرأ ما هو استثنائي في العلاقات العربية لكي يتحول الخلاف في وجهات النظر انقطاعاً للحوار أو خفضاً لمستواه. إن الجديد الوحيد الذي يضغط على صدر المنطقة كلها هو الالحاح الأمريكي لإيجاد مخارج سياسية في بعض مواقع النزاع.

على أي حال حفظت الدول التي تعارض سياسة دمشق “شعرة معاوية” بإيفاد ممثلين عنها ولو بالمستوى الأدنى، لكن تشجيع لبنان على المقاطعة والغياب خصوصاً من قبل الولايات المتحدة يضر بقضية لبنان. لقد خبرنا ثلاث سنوات في الأزمة اللبنانية من الرهان على متغيرات في دمشق، فإذا بنا نشكو الآن من دورها في تعطيل المؤسسات الدستورية. فإذا صح هذا الزعم فهو أدعى لدعم سياسة الحوار مع دمشق وليس إدارة الظهر. ما يحصل الآن في لبنان فعلاً هو انهيار مشروع الدولة، فكيف يمكن النهوض مجدداً ما لم يتول العرب مساعدة لبنان على تصحيح علاقته بسوريا. لقد كانت المبادرة العربية خطوة في الاتجاه الصحيح وخاصة عندما أضيف لها بند العلاقات اللبنانية السورية. لهذا كان الحضور العربي على أعلى المستويات ضرورة لدفع الأمور نحو الأفضل. لا أحد يفترض أن يحل العرب محل اللبنانيين في معالجة أمورهم، لكن اللبنانيين يحتاجون إلى ضمانات سياسية عربية لأي تسوية أساسها تخفيف تأثير التناقضات الخارجية على الساحة اللبنانية.

لم يتحقق ذلك في قمة دمشق لكن ليس هذا نهاية المطاف. إن إعادة تأكيد القمة على المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية يجب أن يتم تفعيله. ليس هناك من قضايا مستعصية، وليس هناك من احتمالات للغلبة من فريق على آخر. إن أي حل تضمنه المجموعة العربية لا يعود فيه من محل للغلبة. هذه كانت تجربة الطائف. كل ذلك طبعاً مرهون لطبيعة الخلافات العربية، هل هي تقف عند حدود الملفات الصغيرة أم أننا ذاهبون باتجاه تكوين معسكرات حقيقية في لحظة دولية لا تسمح بمثل هذه الخيارات. لا أحد يستطيع أن يتجاهل الدور الأمريكي الآن وثقله على كل المعادلات، ولكن لا أحد يستطيع أن يسلّم بكل هذا المشروع الأمريكي كما ظهر حتى الآن في المنطقة.

بين هذين الحدّين من الموقف يمكن إعادة قراءة السياسات العربية. ولكي يكون التوجه سلمياً يجب إعادة تحديد طبيعة الأمن القومي العربي والتفاهم على الأخطار الحقيقية التي تتهدده. لم يفت أوان ذلك إذا خلصت النوايا وإذا حصلت قراءة موضوعية لتوازنات القوى على الأقل في تحديد الأولويات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى