الكلام في مواجهة الطغيان
نوري بريمو
عندما يستفرد أي نظام استبدادي بمصير العباد ويستلب إرادتها بشكل مركزي، ويستولي بموجب طبائع عرفية خاصة به على كل شاردة وواردة في البلاد، وعندما يطغى ويتعالى فوق جميع المكونات في دنياه الأتوقراطية المغرورة بشتى الخوالي التي تجعله يبتعد شيئاً فشيئاً عن مصالح الشعوب المحكومة بقبضة أجهزته الأمنية وباقي أجندته الطغموية التي تعربد عرضاً وطولا وحسبما تقتضيه مصالح رأس النظام الذي قد تحلو له نفسه الأمّارة بالسوء بأحقية التربع على العرش فيسمي نفسه بحامي الحمى وبالقائد الضرورة الذي لا بديل عنه رغم أنه لا يعدل في أي أمر إلا في توزيع المظالم على كل من لا يواليه في البلد.
وبمقابل ذلك عندما تحتار قوى المعارضة وتحشر نفسها في خانة ضيقة بدراية منها أو بلا دراية، وتصبح مبتورة الأفق وقاصرة الآفاق وأسيرة الإنغلاق على ذاتها في الداخل، وتتخبّط وتقيّد حريتها وتتخشّب وتصاب حركتها بالشلل وتتوه بين سطور قراءاتها المغلوطة للأحداث وتفقد بوصلة استراتيجيتها وتنزوي في دائرة مغلقة وتلتجئ لمسلكية إرتجال مواقف وقتية وخيارات عجولة وعشوائية ولا ترتقي إلى مستوى الحراك من أجل التغيير الديمقراطي لتحقيق المصالح العليا لبلدانها التي تغدو متقهقرة وغارقة في مختلف المشاكل بالأصالة عن نفسها أو بالوكالة عن غيرها.
حينها تتراكم المصائب على رأس الشعوب التي لا حول لها ولا قوة وتدفع في العادة فاتورة استبداد الدوائر الحاكمة وإحباط القوى المعارضة، وتتدحرج صوب مزيد من المآسي وتغدو ضحية مزجوجة في دوامة مواجهات غير متكافئة ولا طائل عليها. ولعلّ ما جرى في غزة مؤخرا، يُعتبَر الشاهد الأكثر دلالة وخير الأمثلة على أنّ قيادة حركة حماس كانت قد حشرت ذاتها في جزيرة معزولة عن العالم الخارجي ومسيّجة باسوار محاطة بآلة الحرب الاسرائيلية التي استباحت حياة وحرمة الأهالي على مدى شهر من القصف الهمجي الذي أدى إلى مقتل أكثر من ألف وجرح الآلاف من القرابين.
وليس لأية غاية أخرى وإنما بقصد الإستفادة من نتائج الجولة الغزاوية الأخيرة التي كان شعبها الضحية والخاسر الوحيد “حسب وجهة نظري” وليقل غيري ما يشاء بحق هذا الشأن الناشب حتى هذا الحين الذي لاتزال تجري فيه مختلف الصفقات على حساب القضية الفلسطينية، ورغم أنني أؤمن بمقولة: رحم الله امرءً عرف حده ووقف عنده…!؟، إلا أنني أعتبر نفسي مهتما بالشؤون الشرق أوسطية وقارئا لأحداثها التي لا أدّعي بأنني عارفٌ بها وملمٌ بكافة خفايا السيناريوهات الخاصة بديارها التي كانت ولا تزال تشهد صراعاتً ساخنة يجري “التصدي” لها بشكل شفهي عبر الإعلام وعلى شكل دزينات من المصدّات الكلامية والبيانات النظرية والنشرات الأخبارية وحملات الشجب والاستنكار بلا إتخاذ أي تدبير ميداني بمقدوره وضع أي حد لمختلف الدبب التي تسرح وتمرح في كرومنا التي حولوها إلى صحارى قاحلة لا بل أفران بشرية تحرق أجيالنا وسط حمم نيرانها المستعرة بفعل مفاعيل مشكلة وملونة.
وبناء عليه وبما أن المحامي الفاشل يخسر القضية التي يدافع عنها مهما كانت عادلة، فإنني أقول للمرة الألف وأخشى ما أخشاه أن يقع الفاس في الراس وأن نصبح جميعنا خاسرين ولن ينفع الندم بعد فوات الأوان لأنّ التاريخ لن يرحم أية ضحية لا بل الضحايا، في ظل غياب أي جرد ذاتي للبدء بأي حراك إيجابي من شأنه إضاءة دروبنا في هذا العصر الذي باتت فيه لغة الكلام بمواجهة الطغيان في خبر كان.