اسرائيل

التطرّف الإسرائيلي: ربّ ضارة نافعة

سليمان تقي الدين
أغلقت إسرائيل باب التسويات السياسية بانتخاب ثلاثي التطرف (نتنياهو ـ ليفني ـ ليبرمان). ما يشترك فيه هؤلاء هو اللاءات الثلاث: لا للانسحاب إلى حدود 1967، لا لعودة اللاجئين، لا لعودة القدس الشرقية. يختلف الواحد منهم عن الآخر في وسائل كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتحطيم هويته الوطنية. يتراوح البرنامج الإسرائيلي الآن بين التهجير مجدداً للفلسطينيين وبين إخضاعهم لإدارة مدنية من غير الاعتراف بدولة مستقلة ذات سيادة. إسرائيل الآن تواجه أزمة وجودية. استعاد الشعب الفلسطيني حضوره الفاعل على أرض فلسطين التاريخي وهو يواجه من داخل الكيان مستنزفاً الأمن الصهيوني.
أما المحيط الإقليمي فقد صارت فيه تحولات أسقطت احتمالات الهيمنة الإسرائيلية وألغت الدور الرادع لها. لقد صار الدور الإيراني تعويضاً كبيراً عن الخلل الذي أحدثه خروج مصر من دائرة الصراع. وصار الفشل الأميركي في العراق والإسرائيلي في حربي لبنان وغزة مدخلاً لتشكيل «شرق أوسط» يختلف عن التصور الأميركي والإسرائيلي.
بل إن انكفاء الولايات المتحدة على مشكلاتها الاقتصادية الداخلية يوسّع من دور قوى إقليمية ودولية أخرى وفاعليتها في المنطقة لا تساعد على حماية المشروع الإسرائيلي لفرض شروطه السياسية التي طالما راوحت بين خيار الحكم الذاتي وبين خيار الوطن البديل. لقد صار «التطرف الإسرائيلي» في السنوات الماضية حاجة بل ضرورة عربية لكي تتوقف مسيرة التنازلات المجانية التي جرّ إليها التفاوض غير المدعوم بسياسة مقاومة نشطة بأشكالها ومستوياتها المختلفة. لقد كانت تلك السياسات العربية فرصة إسرائيل لخلق وقائع فلسطينية على الأرض يصعب تجاوزها لا سيما مع توسع الاستيطان في الضفة وتهويد القدس وتقادم الزمن على الجيل الفلسطيني الأكثر تعلقاً بحق العودة. لكن جذرية إسرائيل خلقت جدلية جديدة بين منطق «المساومة» و«منطق المقاومة».
فعلى عكس ما حاولت بعض القيادات من السير في «الواقعية التبريرية» تحوّل المزاج الشعبي باتجاهات أكثر نضالية وتضحية وأكثر اعتماداً على الذات وعلى فاعلية الانتفاضات والهبّات الداخلية. شكّل حصار غزة وسيلة إضافية للمقاومة ولم يؤد إلى التماهي مع سياسات التكيّف التي سعت «السلطة» إلى تجريبها في الضفة.
إن لاءات إسرائيل اليوم تغني عن كل تحليل لمصير ومستقبل «المبادرة العربية» التي ملّ «عرب الاعتدال» من عرضها على طاولة لا شريك إسرائيلياً يجلس إليها ويقبل بالتحاور حولها.
في واقع الأمر تحتاج التسوية السياسية إلى شرطين غير متوفرين: الأول هو خفض الطموح الإسرائيلي للعب دور إقليمي، والثاني وقف الاعتماد الغربي على إسرائيل كمحور أساس في مشروع النظام «الشرق أوسطي». حتى هذه اللحظة يؤدي خوف إسرائيل من مستقبل الدور الإيراني إلى محاولة مواجهته، وتشكّل سياسة الولايات المتحدة خصوصاً والغرب عموماً تشجيعاً لدور إقليمي لإسرائيل لأن النظام الدولي لم يبلور بعد علاقات سوية مع المنطقة تقوم على توازن المصالح.
قد يكون سعي الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما للخوض في الحوار مع القوى المواجهة لسياسته والتي تشكل تحديات أمام السيطرة الأميركية الهادئة عنصراً مهماً لحوار عربي أميركي، لكن هذا الحوار لا يكون جدياً ومنتجاً إلا إذا برزت المصالح العربية بقوة ومارس العرب حضورهم وفعّلوا تأثيرهم من أجل تصحيح موازين القوى ميدانياً وسياسياً.
ولعل البرنامج العربي الملائم يتلخص ببضعة سياسات باتت تفرض نفسها. مساعدة الشعب الفلسطيني على توحيد مقاومته في إطار تجديد منظمة التحرير على أساس البرنامج الوطني النضالي. توحيد الصف العربي وتجاوز حال الانقسام غير المفهوم حول زعامة العرب وقيادتهم في غياب المشروع العربي الواحد. توطيد جبهة الحلفاء والأصدقاء الذين يتزايدون اليوم من إيران إلى تركيا ومن فنزويلا إلى استعادة العلاقات العربية الروسية، والعربية مع دول الجنوب والعالم الثالث مروراً بتحريك ملف المصالح الأوروبية مع العرب.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى