صفحات سورية

لبنان: فقدان الثقة والأمل بالحل


رضوان زيادة

أتى تدخل جامعة الدول العربية الأخير لإيجاد مخرج وحل للأزمة اللبنانية المستعصية منذ نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وكأنه بمثابة الأمل الأخير.


فقد كانت الخارجية الفرنسية ألقت ثقلها الكامل في الموضوع، ودعم الاتحاد الأوروبي المبادرة الفرنسية بقوة، فأرسل وزراء خارجية الترويكا الأوروبية (فرنسا وإيطاليا وإسبانيا) ولكن من دون جدوى. وقامت الولايات المتحدة بإرسال مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ولش لحل الأزمة، وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قد قام بجهود ماراثونية قبل ذلك فما أفلحت.

لماذا يبدو الحل مستعصياً في لبنان إلى هذه الدرجة، وهل الأزمة على هذه الدرجة من التعقيد فلا تفلح معها الجهود العربية والدولية الاستثنائية، إذ لا أعتقد أن بلداً في العالم استضاف هذا العدد من المبعوثين الدوليين وفشل في النهاية في الوصول إلى حل؟

لا بد في البداية من القول أن منبع الأزمة داخلي بامتياز، فالأطراف اللبنانية المتنازعة فقدت الثقة ببعضها البعض بشكلٍ مطلق وما الاتهامات السياسية المتبادلة بالخيانة إلا تعبير ملطف عن الثقة المفقودة بين الأطراف، وبالتالي تصبح مسألة إيجاد توافق سياسي بينها على انتخاب الرئيس وحكومة الوحدة الوطنية مسألة صعبة للغاية إن لم نقل إنها مستحيلة، إذ لو لحظنا النقاش اليوم على تشكيل هذه الحكومة لوجدنا أنه لا يتمحور حول السبل الأفضل لتحقيق النفع العام أو ضمان الاستقرار بعد سلسلة الاغتيالات الإرهابية التي هددت النخبة السياسية والإعلامية والعسكرية. وإنما حول من يملك الحق في امتلاك «الثلث المعطل» حسب البعض و «الثلث الضامن» حسب البعض الآخر!

أي كيف نمتلك الحق في ضمان أن لا يخوننا «الشق الآخر» الذي سوف نشكل معه «حكومة الوحدة الوطنية». أية «حكومة وطنية» ستكون هذه إذا كان كل من الطرفين المشاركين فيها يتحين الفرصة كي ينقض على الآخر ويطيح به، وبالتالي سيكون الفراغ القادم هو السيد حتى لو اتفق الطرفان على تسوية الأزمة الحالية بينهما اليوم؟!

لا شك أن فقدان الثقة الحالية لم يكن وليد يومٍ وليلة، فهو بكل تأكيد حصيلة تداعيات ومواقف سياسية تعود إلى سنوات بعيدة، ربما التاريخ القريب لها هو اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2004.

ففي اللحظة التي يتم فيها اغتيال رمز سياسي محلي وعربي ودولي من وزن الحريري ولا تخرج طائفة كاملة للتعزية به، مهما كانت مبرراتها السياسية، عندها يبدأ الشرخ السياسي الكبير بين الطرفين مهما استدركت الأطراف السياسية الوضع فيما بعد ودخلت في تحالفات انتخابية لكسب الانتخابات النيابية.

ثم أتت حرب تموز (يوليو) 2006 التي استهدفت «حزب الله» بشكلٍ رئيسي ودمرت بناه التحتية وهدفت إلى اغتياله سياسياً وعسكرياً وتشريد أبناء «طائفته» لتكمّل الشرخ، ذلك أن الطرف الآخر لم يقدّر حق التقدير الأذى الذي لحق بهذه الطائفة والمعاناة النفسية والإنسانية التي تعرضت لها من تشريد وقتل وتهجير وتدمير.

كذلك لم يدرك الطرف الآخر الحساسية النفسية والاجتماعية التي مر بها «حزب الله» وأبناؤه في تلك الفترة، وحساسيات اتهامه مباشرة بالمسؤولية السياسية عن التسبب بالحرب، مع انه ربما كان هناك حق في القاء هذه التهمة. لكن كان لا بد من إدراك الأثر المعنوي والمادي الكبير الذي استهدف طائفة بكاملها وهدد وجودها.

هاتان باختصار هما لحظتا الشرخ العميق اللتان أفقدتا الطرفين الثقة ببعضهما، ومنعتهما من الوصول إلى حل على رغم عقد جلسات الحوار الوطني برعاية رئيس مجلس النواب اللبناني بعد حرب تموز مباشرة.

كانت الثقة التي لا بد منها لجمع الأطراف السياسية قد انعدمت نهائياً، إنها الرابط الذي يحمي الوطن واستقراره لكنه كان قد انحل تماماً، وباتت الفرصة متاحة لتدخل الأطراف الإقليمية والدولية وفق حساباتها وأجنداتها الخاصة ومصالحها المتضاربة.

فسورية التي تمر بمأزق سياسي داخلي وخارجي على مستوى علاقاتها العربية والدولية شكلت لها الأزمة اللبنانية منفذاً مناسباً لإعادة تأهيلها إقليمياً ودولياً، وفي الوقت نفسه وجدت فرنسا عبر لبنان فرصة لها لاستعادة وجودها الإقليمي في المنطقة بعد انحساره بشكل كبير لأسباب عدة. أما الولايات المتحدة فقد مثل لها لبنان هدفاً سهلاً للقول بنجاح استراتيجيتها في نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط.

وإيران أيضاً كان لبنان بالنسبة لها ملعباً لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، ومناسبة لإفهام الولايات المتحدة أن حضورها الإقليمي يتعدى العراق إلى لبنان، وأن الايرانيين قادرون على تثبيت أقدامهم بأقوى مما تتوقع الولايات المتحدة التي تنوي محاسبة إيران على برنامجها النووي.

على ذلك، فحل الأزمة اللبنانية اليوم هو بأيدي اللبنانيين أنفسهم عن طريق استعادة الثقة في ما بينهم، باعطائهم الفرصة لتملك الحلول، والتأكيد أن الحل الموقت اليوم لا يعني حلاً، وإنما الحل أن يشعر المواطن اللبناني البسيط أنه قادر على العيش تحت سماء واحدة وفوق أرضٍ واحدة مع أخيه اللبناني الذي يتقاسم معه الأزمة الاقتصادية الخانقة، لكنه يختلف عنه في الانتماء الطائفي وبالتالي السياسي.

كاتب سوري وباحث في معهد الولايات المتحدة للسلام – واشنطن

الحياة – 15/01/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى