صفحات العالمموفق نيربية

بوش ونحن… نحن وأوباما

موفق نيربية
من سوء حظ الأميركيين والعالم أن يكون على رأس الإدارة شخص مثل الرئيس بوش خلال الفترة المفصلية بعد انتهاء الحرب الباردة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر واحتدام الاستقطاب العالمي، وليست قضية فرد بالطبع، فهو يمثّل نُخَباً وجدت لها طريقاً إلى السلطة والتأثير فيها. في السياسة الخارجية، تهمّنا ثلاثة عناوين: احتلال العراق، والحرب على الإرهاب، ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد كان الوضع معادلاً لفضيحة فيها كلها.
فهو وقع في القضية الأولى في منزلق تبرير الحرب وتحريك أسبابها، وبالأخص في مسألة أسلحة الدمار الشامل، ولم تستطع القوات الأميركية إيجادها بتاتاً، إضافة إلى ذلك، لم يتورّع عن الإعلان على ظهر السفينة الحربية بأن «المهمة أنجزت»، وهنالك سنوات طويلة بعد ذلك، لا يستطيع أحد اختزالها وكأنها نزهة بسيطة لقائد مغرور.
وفي القضية الثانية، توسّع جورج بوش وإدارته في الموضوع، حتى بدأ حرباً على المسلمين، من دون أن يولي العناية الكافية لفصل بعض الأمور عن بعضها، فجعل أغلبية مسلمي العالم يعتقدون أنهم المعنيون بهذه الحرب، فوق مشاعرهم الأصلية المتصلة بالدعم الأميركي لإسرائيل، ولاستبداد حكامهم.
في الثالثة، ارتبطت الديمقراطية بالحرب والقهر، فلم تحدث انتخابات إلاّ في أفغانستان والعراق، في حين لم يستطع بوش وإدارته إخراج أيمن نور من سجنه. كما ظهرت متوازيةً أحاديثُ حقوق الإنسان مع فضائح أبو غريب وغوانتانامو، الأمر الذي جعل مصداقية الإدارة عارية أمام الهجمات المضادة، بل رأى بعضهم في خطاب الولاية الثانية لجورج بوش مهزلةً أن تتكرر مشتقات الحرية 49 مرة!
والآن، هنالك لغة وبرنامج مختلفان لباراك أوباما، إذا لم نقف- مؤقتاً على الأقل- مع القائلين بأن الولايات المتحدة هي نفسها بوجوده، وأن دعم أمن إسرائيل والمصالح الاستراتيجية تبقى ثابتة.
فقد وعد الرئيس الجديد ناخبيه أثناء حملته بالانسحاب الكامل من العراق خلال ستة عشر شهراً، تنتهي في 20/5/2010، بعد أن كانت إدارة جورج بوش قد خضعت لدوافع الانسحاب، الداخلية خصوصاً، ووقعت اتفاقية أمنية مع الحكومة العراقية تقضي بإنجاز الانسحاب حتى 31/12/2011. والحرج الذي يعانيه أوباما الآن هو الفارق بين الموعدين، الذي لن يكون عاجزاً عن تبريره أمام ناخبيه أو تمرير حلٍ وسط له، تحت ضغط وغطاء المؤسسة العسكرية، في مواجهة المؤسسات المدنية التي دعمت انتخابه على هذا الأساس.

كما أنه أثبت أنه «متكلم» مختلف في مقابلته لقناة «العربية»، بمقاربته لمسألة الحرب على المسلمين، حين فصّل في أنه على علاقة شخصية بالإسلام من حيث عائلته ونشأته في إندونيسيا. بذلك يتقدم بطريقة أنجح في مقاربة مسألة «لماذا يكرهوننا؟»، ويقدّم نموذجاً أكثر قبولاً.
ويعتبر المراقبون أن أوباما قد أعلن بعد ابتداء ولايته؛ وبشكلٍ غير مباشر على الأقل؛ نهاية مفهوم «الحرب على الإرهاب»، ليتحوّل عنه إلى «الحرب على المنظمات الإرهابية»، ويشير بذلك إلى «القاعدة» والهياكل المتداخلة معها. بل إنه فصل جيداً بين الذين يحاربون الولايات المتحدة بالعنف الدولي، والآخرين الذين لا يتفقون مع إدارته أو «يحملون رؤية مختلفة لطريقة تقدّم بلادهم»، ويجب احترامهم. في حين كان غيرَ صحيحٍٍ ومجدٍ تقسيمُ بوش للمسلمين والعرب بين داعمين للإرهاب، ومعتدلين أو محبين للحرية… كما أثبتت التجربة.
وحتى في المسألة الثالثة، يتفق خبراء الديمقراطية (حسب هيلين كوبر- نيويورك تايمز 29/1/2009) على أن أوباما استطاع منذ إلقائه كلمته أثناء حلفه اليمين الدستورية- اللحظة الأولى لولايته- أن يقدم شيئاً؛ كمرشح ناجح من أقلية عرقية؛ لنشر القيم الأميركية في الديمقراطية في الخارج أكثر مما فعله أيّ رئيس سابق للولايات المتحدة.
لقد أساء جورج بوش لكلمة «الديمقراطية» بالنفاق الذي ظهر خلفها، وجعلها قادرة على إثارة الحساسية أينما استُعمِلت في العالم، فهي ارتبطت بمآسي الحرب والاحتلال والقسر من جهة، وبإخفائها المكشوف للمصالح الاستراتيجية من جهة أخرى، بل برفضها حين تأتي بنتائج مختلفة عن هذه المصالح، كما حدث عملياً مع نجاح «حماس» في الانتخابات الفلسطينية، في عملية متفق على نزاهتها.
كما يرى بعض الخبراء أيضاً، أن أوباما سيحقق نتائج أفضل لهذه الأجندة، من دون جعجعة كثيرة واستخدام خاطئ، فالرئيس الأميركي الذي يوقع أول مرسوم له بإغلاق سجن غوانتانامو، وأول قانون بالأجر المتساوي للنساء، وينهي التعذيب، سوف يحظى بمصداقية تعطي لسياساته قوة غير مسبوقة.
فكيف إذا أضفنا إلى ذلك كله أنه استطاع؛ رغم التزامه دعم أمن إسرائيل كغيره؛ أن ينفصل عن المدافعين عنها على «عماها»، ويتكلّم بلغة قابلة للتصديق عن آلام الفلسطينيين؟!
و«قد» يكون هذا صحيحاً!

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى