الاحتلال الخارجي للعراق أرحم من كل الاحتلالات الداخلية العربية
كامل عباس
هذا العنوان تصّدر مقالا لي نشرته بعد الانتخابات النيابة العراقية التي جرت عام 2005 , وقد ولد تحت تأثير إقبال الجماهير العراقية على صناديق الاقتراع كترجمة عملية منها لرفض وتحدي صناديق الموت وَمن وراءها مِن القوى الإرهابية . تلقيت بعده سيلا من الشتائم , وعاتبني عليه كثيرا من الأصدقاء والأهل والأقارب ., كانوا جميعا يرون بالاحتلال الأمريكي للعراق مقدمة لبلقنته وتمزيقه وجعل خروجه من المستنقع الذي دفعوه اليه مستحيلا . وكان ردي عليهم وما زال , أن الاحتلال الأمريكي للعراق يأتي هذه المرة في ظروف موضوعية جعلت نظام صدام حسين عبئا على النظام العالمي الجديد الذي تقوده امريكا ولا بد من تصريفه , ليس من أجل سواد عيوننا , بل من اجل إيجاد مناخ ملائم لاستثمار رأس المال العالمي لهذه المنطقة ’ أي انه تعبير موضوعي عن إرادة تاريخية تتم حتى الآن عبر القوة كمولد للجديد من القديم , وهذا يعني بصريح العبارة ان مصلحة الشعب العراقي وأمريكا التقت لأول مرة في التاريخ ’ فالاستبداد عدو الجهتين .
هذه الرؤيا ذاتها قادتني للدفاع عن زيارة اياد علاوي لسوريا بوجه البيان المعارض لها من مثقفين سوريين كان في طليعتهم الأستاذ ميشيل كيلوا – فك الله اسره- استنكر هؤلاء استقبال سوريا لعميل أمريكي ساهم في احتلال العراق , في حين رأيت فيه مع حلفائه وعلى يسارهم الشيوعي حميد مجيد موسى وعلى يمينهم اللبرالي عدنان الباشجي , تيارا يعمل بجد كي تأتي الديمقراطية العراقية الجديدة على أرضية وطنية بدلا من أرضية المحاصصة الطائفية القائمة فيه .
والآن وبعد مرور ست سنوات على احتلال العراق يجدر بيسارنا العربي ( بشقيه القومي والشيوعي ) ان يصوغ برامجه وتحالفاته بناء على العقل وما يقوله في الظروف الجديدة والا تكون انطلاقة اليسار العربي في ظل النظام العالمي الجديد مبنية على الانفعالات والأحاسيس والرغبات والأفعال الارادوية .
منطق العقل يقول لنا :
الديمقراطية كآلية واسلوب في الحكم أساس أي تقدم اجتماعي
لا يحدثنا التاريخ عن دولة استبدادية واحدة انتصرت في معركة من المعارك بينها وبين دولة ديمقراطية .
انتصرت امريكا على الاتحاد السوفياتي لكونها دولة ديمقراطية تعددية .
ان سر تخلفنا كعرب هو الاستبداد الذي يجثم على صدور شعوبنا وهو اخطر علينا من الخارج الطامح بثرواتنا .
الديمقراطية المنطلقة من مكونات المجتمع هي الكفيلة بنهضة العرب وجعلهم ينتصرون على عدوهم القومي اسرائيل , وليس الدعوة الى التسلح او التوحد العربي بدون الديمقراطية .
ان تجربة العراق تشي بكل هذا لمن يريد ان يستخلص الدروس منها .
العراق بديمقراطيته الجديدة رغم الاحتلال استطاع ان يهزم الإرهاب بصحواته , وان يتقدم خطوة بين الانتخابات الأولى والثانية على طريق دولة تعددية ديمقراطيتها مبنية على المواطنة واستقلال القضاء .
ان أول دروس النظام العالمي الحالي تحتم علينا ترتيب تناقضاتنا من جديد لنجعل الأولوية للاستبداد وليس لمواجهة الخارج .
ولكن اذا كان الكثير من مثقفينا القوميين والشيوعيين ما زالوا أمينين للماضي ويرون التناقض الرئيسي مع الامبريالية والصهيونية فهذا حقهم و ويجب احترام وجهة نظرهم, ولكن ليس من حقهم على ما اعتقد الاستمرار بأسلوب الماضي , أسلوب التخوين صراحة او مداورة كما يفعل الكثير من كتابنا اليساريين الآن .
لغة التخوين من الماضي , اما لغة الحاضر فهي احترام الرأي والرأي الآخر.
على الأقل المطلوب من يسارنا العربي القديم ان يتفهم وجهة النظر القائلة بذلك والتي لم تعد ترى ان الخطر علينا من الخارج , بل ان هذا الخارج يشكل مناخا مساعدا لنا في معركتنا ضد الاستبداد اذا أحسنا التعامل معه , ولنفتش عن التقاطعات فيما بيننا وهي الديمقراطية اللازمة لنا جميعا كي ننهض بمشروعنا القومي ونواجه به أعداءنا .
من جهة أخرى وتتمة لاستخلاص الدروس والانسجام مع العصر ’ يحسن بنا ان نستبدل الدعوة الى التغيير عبر الثورة بالدعوة الى تغييره عبر الاصلاح , والإصلاح المطلوب في مجتمعاتنا العربية هو الإصلاح السلمي والهادئ والمتدرج والمحسوب النتائج كي لا يأتي على الطريقة العراقية ذات الكلفة الباهظة جدا والتي دفع ثمنها أبناء الشعب العراقي * اللاذقية