غزة جدل الواقع والمستقبل
محمد زكريا السقال
لا شك أن الذي حصل محرقة وموت معلن لشعب حوصر لأكثر من عام ونصف وسدت عليه كل منافذ الحياة ، ومن ثم ألقيت عليه مجموعة هائلة من القذائف والحمم رأينا نتائجها على أجساد الأطفال والشيوخ والنساء ، وسيعطينا المستقبل أثارها على الأرض والمياه ، والأكثر بشاعة على البشر حيث يؤكد كثير من العلماء تأثير هذه الأسلحة ومخلفاتها الغازية على الأنجاب وتسبب العقم وبهذا يكون توصيف هذه الثكنة بالنازية والعنصرية وهي المخبر للأبادة البشرية حيث لا تمتلك هذه الثكنة قابلية للسلام على المستوى الثقافي والأيديولوجي ، فهي التي لا تعترف بحدود ولا تهتم بالتعايش الذي ينشده الحكام العرب معها .
هذا أكده العدوان على غزة وكان جليا وواضحا إلا الذي تأكد أيضا هو هذا الأصرار للغرب في تبني هذه الثكنة وتبني حمايتها ، كما كان واضحا وجليا الموقف الأمريكي المخيب لأمال الكثير من حلفائهم في المنطقة مقربين أو منتظرين ، أو قادمين .
تبدو هذه الصورة نمطية للصراع الذي مضى عليه ستون عاما مع دولة الكيان الصهيوني ورغم كل التقلبات والأنهايارات في المنطقة التي زادت دولة الكيان عربدة وصلف وتسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة وقد تحقق لها الكثير في هذا المجال ، بالحدود الدنيا أصرار النظام العربي على التمسك بالسلام معها رغم كل البشاعة التي تمارسها بصلف وهنجعية ، والجلوس معها علانية أو مواربة ومصافحة قادتها استباقا أو مجاملة ، والأستماع لمنطقها وعدوانها لم يعد يثير شيئا ، وبهذا تؤكد هذه الثكنة بكل عدوانها أنها أمرا واقعا يحب تقبله واحترام هواجسه والرضوخ لعقده وأمراضه .
هذا أيضا أفصح عنه العدوان وقاله صراحة ومارسه جهارا نهارا كما يقال ولا يحتاج لشرح كثير .
صمد الشعب الفلسطيني في غزة ولم ينل العدو منه رغم الفضاعة التي مورست من قبل العدو كما شرحنا وهذا أيضا مؤشر أيجابي بتاريخ مقاومة هذا العدو جسدته المقاومة في لبنان بتاريخ عريق في مقارعة هذه العدو الذي واجه مقاومة باسلة منذ عدوان واجتياح قواته عام 1982 إلى أن توج بالتحرير والصمود في تموز 2006 هذه المقاومة أبدعها الشعب الفلسطيني بتاريخه النضالي الذي أبدع الأنتفاضة الأولى التي ستبقى علامة فارقة ومميزة بهذا التاريخ ، وهذا نسجله ونحاول دراسته والتمعن فيه من زاوية الأمكانية والواقع ، الأمكانية بمعنى مقاومة هذا العدوان ودحره والواقع بمعنى الكيفية والسبل التي يمكن اتباعها من أجل توسيع رقعة المواجهة والمقاومة في ظل هذه البنى التي تتحكم بالواقع العربي ولم تنتج نصرا بتاريخها ، بل عملت على تأبيد الهزيمة العربية من خلال تأبيد ظروفها وعقلها ونمط العلاقات التي أنتجتها .
تقدم هذه المقدمة مجموعة من الأسئلة كي تدخل نفسها سياق التفاعل والجدل والحوار من أجل قراءة اللوحة بطريقة تضعنا أمام الطرق والسبل التي يحب علينا اتباعها للخروج بنتائج ذات معنى لجولة الصراع والعدوان القادم حيث أنني أعتقد جازما أن المعركة لم تنتهي ، وهذا مرهون بطبيعة العدو الذي لن تقف عدوانيته إلا على أشلاء الشعب الفلسطيني أولا والتأكد من سيطرته التامة على المنطقة من خلال وكلائه المحليين حيث يجب أن تكون ضماناتهم إليها عبودية الشارع العربي وتغريبه وتسليعه ليصبح لا جئا في وطنه هاجسه لقمة العيش والأمن .
أن أهم الأسئلة التي تدور بالعقل العربي هو لماذا المقاومة لا ينتجها سوى أضعف ساحتين في المنطقة العربية وهي فلسطين ولبنان ، ونحن لا نخترع جوابا عندما نقول هامش الحرية والديمقراطية لهاتين الساحتين هو العامل الحاسم والأساسي لأبداع المقاومة ، الحرية هنا نسبية وتنتابها الكثير من الأشكالات وغير محصنة بالدولة والمؤسسات ، إلا أنها تعطي هامشا ومتنفسا ومناخا للصراع والتنافس الديمقراطي وينتج بشر وشارع وثقافة وتنوع وفي النهاية حياة وأنسان يستطيع التعبير عن نفسه ، وهنا أيضا يجب تسجيل بل وتأكيد أن هذه المقاومة لن يقدر لها الحياة والأستمرار إذا لم تجهد وتناضل من أجل الحفاظ على هذه الحرية وتوسيعها وتعميقها بأخضاعها للنقد والمراجعة من حيث واقعها وارتباطها وخطابها وتوجهها للتخلص من مجمل عوامل ضعفها وقصورها وأوله الخروج من موقعها الأيديولوجي والثقافي والسياسي ليكون هاجسها هو مشروع تحرري وطني ديمقراطي وبهذا المعنى يكون حزب الله معني وبشكل أكيد بتطوير خطابه وتوجهه ليكون دعامة برنامج وطني ديمقراطي والخروج من برنامج المحاصصة الطائفية السائد في لبنان ، بالقدر الذي يجب على حماس أن تتوجه وبشكل جدي لبناء وترميم الوحدة الوطنية الذي تؤكد الثوابت الوطنية وتعيد لمنظمة التحرير دورها الوطني والديمقراطي الدعامة الأساسية للوحدة الوطنية وتجسيد الديمقراطية التي تؤكد مشروعية النضال الفلسطيني للتحرير وانتزاع الحقوق المشروعة وتطويرها بسياق تطور ونهوض المشروع التحرري العربي ، الذي لا يعني إلا ابتكار وسائل وأساليب نضالية لا يعدمها الشعب الفلسطيني الذي خبرنا أبداعه وابتكاراته النضالية والتي ستفرضها طبيعة هذه الثكنة العدوانية والعنصرية ،لهذا على حماس أن تعي أهمية الديمقراطية التي جاءت بها للسلطة ودورها بتاريخ هذه المقاومة التي تثبت التجارب تطورها وخلقها ، وحذاري الأنجرار وراء وهم خطابها وتحولها من حركة تحرر إلى حركة تفرض خطابها وثقافتها وسياستها على الشعب الفلسطيني ، أن محاربة التفريط وميوعة المواقف والفساد هي بالبرنامج الوطني الذي يربط كل الشعب الفلسطيني من خلال تجسيده لمصالحه وأنسانيته .
كان الشارع العربي في الشارع هدر وهتف ، شتم وخون ، كما أيد وناصر
كما كان الله والرسول والملائكة ، وكانت كربلاء والجمل ، وبدر والأحزاب واليرموك وحطين ، كما كان الحسين على فم وأفواه الشارع ،نعم كان هذا كله وغاب الوطن والقضية ، كما غابت الحرية في غياهب الزحام ممثلما يغيب الوطنيون في السجون والمعتقلات ، نعم كان الشارع في الشارع ولم يكن في الميدان وهذا فارق كبير تتحمل مسؤليته مجمل القوى والحركات التي مازالت تعتقد أن المعركة هي غزة فقط وجنوب لبنان ، وبهذا تكون مازالت في خندق الهزيمة ولا يهم هنا الكثير من الهتافات فالقضية هي أن تعي هذه الجماهير خنادقها ومهماتها وهو القضاء بشكل فعلي وحقيقي على أس الهزيمة الأساسي وهوالأستبداد وسيادة الدولة الأمنية ، من أجل التحرر وانتزاع الحريات السياسية الحاضنة الأساسية في استعادة حيويتها وأنسانيتها بعد أن تقضي على مصادري قرارها وسارقي ثرواتها وقيام دولة المواطنة التي تجسد التساوي بالحقوق والواجبات وسيادة العدالة والقانون وتقضي على مجمل الأمراض التي بدأت تتفشى في المنطقة ولا تحمل بشائر عافية وصحة لهذا لم نلمح دورا ومبادرة وكان المثقفين يجهدون ويحللون خارج الخنادق الأساسية ، وكثير منهم كان في خنادق الجامعة العربية والقمة والقمم عفوا التي جعجعت ولم تعطي طحينا منذ هزيمة الخامس من حزيران ولهذا كنا نرى الغزل والهيام بمواقف دول دخلت على الخط مثل تركيا وفنزوليا ودول أمريكا اللاتينية كما أيران ونحن لسنا ضد التعاون والتحالف مع الجميع ولكن للأسف كان الوطن العربي بوابة من دون بواب مفتوحة للجميع عدا المشروع العربي وممثليه الذين يمتلكون القدرة على صوغ هذا التضامن والتحالف إذا كان هناك من تحالف من أجل استعادة الحقوق وسيادة القرار بما يخدم مصالحنا وينجز مسائلنا ويحل قضايانا ، هذا كان واضحا وصريحا غياب رؤية ونموذج عربي في الطبخة التي كانت تطبخ أمامنا ولكن هذه المرة على نار حامية اختلف فيها الحكام العرب وتنافرو وتخاصمو واجتمعوا وتفرقوا ولكنهم كانوا منسجمين ومسلمين وراغبين ومنتظرين ومتشوقين للحل الذي سيأتي من أمريكا بشخص أوباما الذي سيكون بابا نويل المنطقة وهذا كان واضحا تراه العين وتسمعه الأذن أمريكا التي تريدنا وتريد بلادنا ونفطنا وهوائنا وصحرائنا يا الله كم تحبنا أمريكا شرط أن نحب ونطيع طفلها الذي جاء ضمن حالة اغتصاب لم نرتكبها نحن نحن العرب ….. ؟
محمد زكريا السقال
برلين / 11 / 2 / 2009