غــزة: صــمـود يجــب أن يتعــزَّز
لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية
خلال أكثر من عامين من الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، هذا الحصار الذي شارك فيه النظام المصري عبر تحكُّمه بمعبر رفح بالتنسيق مع الأنظمة العربية “المعتدلة”، وذلك في ما كان نظام الممانعة في سورية يكتفي بالتنديد والرفض الإعلامي في حين انه كان منخرطا في مفاوضات غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي حول الجولان المحتل برعاية تركية، وفي ما كان أيضا وفي الوقت نفسه الصمت المتواطىء للأنظمة العربية الأخرى بما فيها السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية سائدا، فإن إسرائيل كانت تحاول أن تستهدف من خلال هذا الحصار الطويل قسر الشعب الفلسطيني في غزة، عبر التجويع والمعاناة والغارات شبه اليومية وقوافل الشهداء، على التخلي عن المقاومة لعزلها والقبول بالاستسلام. أما وأن الحصار باء بالفشل وقد تأكد أن الشعب الفلسطيني في غزة لن يخضع للسياسة الإسرائيلية، فإن إسرائيل اجتاحت عسكريا القطاع مدعومة بضوء أخضر أمريكي، وبتواطىء عربي، وتخاذل الاتحاد الأوروبي، وصمت مخزٍ للمجتمع الدولي.
هذا الحصار الطويل المجبول بدماء الشهداء شمل كافة نواحي الحياة ابتداءً من المواد الغذائية والماء (يوم واحد في الأسبوع) والكهرباء والنفط، والغاز مرورا بالأدوية والأجهزة الطبية صولا إلى قرطاسية تلاميذ المدارس ولعب الأطفال. حصار طويل تحوَّل فيه القطاع إلى معسكر اعتقال يضم أكثر من مليون ونصف مليون إنسان فلسطيني، وأصبح هدفا شبه يومي لطائراتها تلقي بحممها على المدنيين تحت ذريعة ملاحقة ناشطي المقاومة، محوِّلة على هذا النحو غزة إلى محرقة لم تشهد الإنسانية مثيلا لها في العصر الحديث، ووصمة على جبين المجتمع الدولي برمته، والذي استمر يكيل بمكيالين استخدام إسرائيل للقوة المفرطة من جهة، وصواريخ المقاومة محلية الصنع من جهة أخرى.
لقد شارك النظام العربي الرسمي في هذا الحصار البربري، وكان مع المجتمع الدولي جزءً لا يتجزأ من مخطط الاجتياح الإسرائيلي لغزة، والذي كان يهدف إلى وقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، وتفكيك حركة المقاومة حماس وبقية الفصائل المُقاوِمَة.
وبعد 23 يوما من الحرب مني هذا المخطط بالفشل بفضل الصمود البطولي لجماهير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتوحدِّها صفا واحدا خلف المقاومة كخيار استراتيجي لا بديل عنه من أجل التحرير. إن هذا الصمود الشعبي قوَّض حسابات العدو فراحت آلة الحرب والدمار الإسرائيلية تمارس أعنف عربدة عسكرية عرفها تاريخ الإبادات البشرية مستخدمة كافة صنوف الأسلحة حتى تلك المحظورة دوليا، تدك الإدارات الرسمية والمعاهد والجامعات والمساجد ومراكز ومستودعات ومدارس الأونروا. ولم توفِّر المدنيين والمستشفيات وسيارات الإسعاف، ما أدَّى إلى سقوط ما ينيف عن 1313 شهيد، 40 بالمائة منهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 5330 جريح معظمهم سيعيش مع عاهات دائمة نصفهم من النساء والأطفال.
إن هذه الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية تُمثِّل نقطة تحول تاريخي في الصراع ضد الصهيونية والإمبريالية. وقد أكَّدَت قدرة المقاومة على التجديد في أساليب النضال، وقدَّمت لنا دروسا مهمة يجب التوقف عندها وفاءً للدم الفلسطيني الذي سال غزيرا ليس فقط دفاعا عن النفس وعن المقاومة وعن فلسطين، وإنما أيضا عن الوجود العربي برمته في وجه الأخطبوط الإسرائيلي الاستيطاني الذي يحلم بقيام دولة صهيونية تمتد من الفرات إلى النيل على حساب تدمير الأمة العربية، وتهديد السلام العالمي.
وهذه الدروس هي:
1- إن المشروع الإمبريالي المتمدِّد في المنطقة لا يحمل سوى تفتيت المنطقة وحقنها بالأمراض الكثيرة، و يؤكد بصورة مستديمة على حمايته للصهيونية ورعايته لها .
1-لقد فَرَضَت المقاومة نفسها على العالم أجمع من حيث هي الرقم الذي لا يمكن تجاوزه في الصراع الدائر في المشرق العربي.
2- إن الأنظمة المُستَبِدَّة الحاكمة فاشلة وعاجزة عن تحقيق أية تقدم للشعوب، وعلى كل المستويات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية ، ناهيكم عن القمع وغياب العدالة والقانون . فقد سلطت المقاومة الضوء على تواطىء وفساد وتخاذل النظام العربي الرسمي . وقد تكشف هذا التواطؤ عبر المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت المدن العربية رغم إجراءات القمع ومنع التظاهر. وهذا الحضور الجماهيري يجب المحافظة عليه وتطويره حتى تسقط هذه الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التابعة للإمبريالية الأمريكية، والمتعاون بعضها مع إسرائيل على حساب المصالح العليا للأمة العربية.
3- إن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل لاستئصال الشعب الفلسطيني وتغيير الخارطة البشرية والثقافية للوطن العربي، وذلك في ما السياسة العربية الرسمية تحوَّلت إلى جزء لا يتجزأ من السياسة الإمبريالية والرأسمالية المعولمة، هي تتمة غير منتهية لمسلسل سياسي وعسكري صنعته السياسة العربية وشاركت فيه جنبا إلى جنب مع إسرائيل والإمبريالية، هذا المسلسل الذي بدا بأيلول الأسود في العام 1970، وكَرَّسَت له معاهدة كامب ديفيد التي مهدَّت الطريق أمام الحرب ضد المقاومة الفلسطينية في المخيمات، من تل الزعتر وشاتيلا إلى النهر البارد، والذي عَرِفَ استمرارا له عبر اتفاقية أوسلو وقمم مدريد وأنابوليس وغيرها من العواصم العربية وشرم الشيخ، وصولا إلى الحرب الإسرائيلية اليوم ضد شعب غزة الباسل. وإن هذه المقاومة تؤذن اليوم إذا ما توفَّرت لها الشروط السياسية الصحيحة بإحباط هذه السياسة والتشييد لسياسة تحرر عربية.
4- سقوط خيار التسوية الفاسد الذي انتهجته الأنظمة العربية منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وفعالية خيار المقاومة كخيار استراتيجي. وقد ثبت ذلك من خلال نجاح المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في تحرير الجنوب عام 2000، ونجاحها أيضا في إلحاق هزيمة مجلجلة بالجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في شهر تموز/ يوليو من العام 2006. ثم نجاح المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس في دحر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009.
5- إن حرب غزة قد كَشَفَت بوضوح للعالم أجمع حقيقة الوجه العنصري البشع للصهيونية متمثلة بإسرائيل، وأناطت اللثام عن السقوط الأخلاقي المريع لقادة العدو. هؤلاء النازيون الجدد. وفي هذا السياق من التنديد بالسياسة الإسرائيلية، جاءت المظاهرات التي انتشرت عبر العالم بالملايين طيلة أمام الحرب، وما رافق ذلك من مبادرة كل من فنزويلا وبوليفيا إلى طرد سفير إسرائيل لدى كل منها احتجاجا على المحرقة العنصرية والإبادة الجماعية. ولابد من التنويه في هذا المعرض إلى الموقف المشرِّف لرئيس وزراء تركيا السيد طيب أردوغان الذي تصدى أمام عدسات الصحفيين وقنوات التلفزيون في ملتقى دافوس لرئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز، حيث فنَّد أقواله قبل أن ينسحب من المؤتمر في حين بقي أمين عام الجامعة العربية عمر موسى ساكتا كشاهد زور دون حراك. بل وأن رئيس الوزراء أردوغان لم يكتف بالانسحاب، وإنما عقد علاوة على ذلك مؤتمرا صحفيا فضح فيه حرب الإبادة التي قامت بها إسرائيل في قطاع غزة. لذا، فإن مواكبة الدعاوى المرفوعة ضد عدد من السياسيين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية والأوروبية من قبل أكثر من 400 منظمة مدنية في العالم مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لفلسطين والأمة العربية والإنسانية جمعاء لمحاصرة هذا النظام الصهيوني العنصري.
6- لقد كان للانقسام الفلسطيني أثرا سلبيا بالغا ألحق الضرر بالنتائج الإيجابية التي كان يمكن لهذا الشعب المكافح أن يحصدها بمقاومته البطولية. لذا فإن التوجه نحو بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تتمسك بالثوابت الفلسطينية متمثِّلة بالحقوق المشروعة لشعب فلسطين، وعدم التفريط بها، وفي مقدمتها حقه بمقاومة الاحتلال حتى إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، وتفكيك المستوطنات، والتمسك بحق العودة، يشكل الأساس الوطني الذي يعيد للشعب لحمته بانتظار إجراء انتخابات ديمقراطية.
7- إرساء عقد اجتماعي وطني ديمقراطي بين التيارات الإسلامية والقومية واليسارية يُلْزِم الجميع باحترام حقوق الإنسان والعقائد والمقدَّسات من أجل تجسيد الوحدة الوطنية لشعوبنا العربية، ومنع اختراقها تحت أية ذرائع دينية أو طائفية أو عرقية تعزيزا لنضالنا المشترك لنيل الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية باعتبار مثل هذا العقد الاجتماعي حاضنة شعبية للنضال الفلسطيني.
8- إن هذه النقاط تُلزِم كل القوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية والإسلامية والقومية أن تتخلى عن أوهامها، وتراجع نفسها، وتنخرط دون تأخير بحوار جاد من أجل تشكيل جبهتها، فالمعركة لم تنته، وما الحرب في غزة ومقاومة جماهيرها إلا حلقة في سلسلة طويلة من تاريخ نضالي مستديم من أجل نيل الحرية وبناء الدولة الديمقراطية.
9- فَضَحَت هذه المقاومة الشعبية في وجه الحرب العسكرية مع إسرائيل ما يعتري القوى الوطنية والديمقراطية في الوطن العربي من وهن. لكن الجماهير العربية لم تقف متفرِّجة بالرغم من حالة البلبلة التي تسيطر على قياداتها. فقد عمَّت تظاهراتها الساحات والشوارع. وهي تنتظر اليوم ما بعد الحرب في غزة أن تتشكل القيادة التي تتحدَّث باسمها وتعبِّر عن قضاياها وأمانيها، وتنجح في توجيه السياسة العربية على مسار جديد من الصمود يرسِّخ لمعركة تردُّ لنا حقوقنا، وتعيد للقضية المركزية ألقها وجوهرها كقضية مناهِضة للاستعمار، ومن أجل استعادة الأرض المغتَصَبَة، وللانتصار على احتلال لن يلبث بفضل نهوض قيادات عربية جديدة أن يزول . ولابد في هذا السياق من التنبيه إلى أن بعض القوى السياسية غير الحاكمة، وإن كانت تدعم المقاومة الفلسطينية بدرجات متفاوتة حسب انتماء كل منها الإيديولوجي، إلا أنها إذ تنحو في منحى من تأييد هذا النظام العربي أو ذاك بالرغم من أنه فاسد ومستبد، فإن أمثال هذه المواقف التي تتودَّد لأنظمة الاستيداد من شانها أن تًلحق مرض الانتهازية بالمعارضة الديمقراطية الوطنية.
10- إن القضية الوطنية تُثْبِتُ مرة أخرى تلازمها وتشابكها بالقضية الديمقراطية، وتُبيِّن أن الاستبداد والوطنية ضدان لا يتعايشان، وأن الوطنية تملي بالضرورة إعادة الحرية للشعوب، لأنها صاحبة المصلحة الأساسية بالتحرر والسيادة، وهي التي تعي خطورة المشروع الصهيوني .
11- لقد كشف هذا الصمود، اليوم في غزة، وبالأمس القريب والبعيد في جنوب لبنان والمخيمات، أن المقاومة الفلسطينية في غزة كما في جنوب لبنان والمخيمات، هي من حيث جوهرها وتاريخها حركة وطنية، وجزء لا يتجزأ من تاريخ الثورة العربية التحررية، وأن كل محاولة للنيل منها أو للانفصال عنها بحجة أنها دينية أو غير ذلك، ينال من المقاومة الباسلة لشعوبنا ضد الصهيونية والإمبريالية.
12- العمل على تشكيل لجنة شعبية عربية للتنسيق مع كافة قوى التحرر والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في العالم من أجل استمرار التحرك الشعبي الفلسطيني الذي شهدته المدن العربية والأجنبية حتى لا تخبو شعلة النضال التي أوقدها أطفال فلسطين بدمائهم وأجسادهم وأحلامهم لفضح حقيقة الصهيونية والتآمر الدولي والعربي.
لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية
باريس، الخميس 5 شباط / فبراير 2009
خاص – صفحات سورية –
غــزة: صــمـود يجــب أن يتعــزَّز
لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية
خلال أكثر من عامين من الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، هذا الحصار الذي شارك فيه النظام المصري عبر تحكُّمه بمعبر رفح بالتنسيق مع الأنظمة العربية “المعتدلة”، وذلك في ما كان نظام الممانعة في سورية يكتفي بالتنديد والرفض الإعلامي في حين انه كان منخرطا في مفاوضات غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي حول الجولان المحتل برعاية تركية، وفي ما كان أيضا وفي الوقت نفسه الصمت المتواطىء للأنظمة العربية الأخرى بما فيها السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية سائدا، فإن إسرائيل كانت تحاول أن تستهدف من خلال هذا الحصار الطويل قسر الشعب الفلسطيني في غزة، عبر التجويع والمعاناة والغارات شبه اليومية وقوافل الشهداء، على التخلي عن المقاومة لعزلها والقبول بالاستسلام. أما وأن الحصار باء بالفشل وقد تأكد أن الشعب الفلسطيني في غزة لن يخضع للسياسة الإسرائيلية، فإن إسرائيل اجتاحت عسكريا القطاع مدعومة بضوء أخضر أمريكي، وبتواطىء عربي، وتخاذل الاتحاد الأوروبي، وصمت مخزٍ للمجتمع الدولي.
هذا الحصار الطويل المجبول بدماء الشهداء شمل كافة نواحي الحياة ابتداءً من المواد الغذائية والماء (يوم واحد في الأسبوع) والكهرباء والنفط، والغاز مرورا بالأدوية والأجهزة الطبية صولا إلى قرطاسية تلاميذ المدارس ولعب الأطفال. حصار طويل تحوَّل فيه القطاع إلى معسكر اعتقال يضم أكثر من مليون ونصف مليون إنسان فلسطيني، وأصبح هدفا شبه يومي لطائراتها تلقي بحممها على المدنيين تحت ذريعة ملاحقة ناشطي المقاومة، محوِّلة على هذا النحو غزة إلى محرقة لم تشهد الإنسانية مثيلا لها في العصر الحديث، ووصمة على جبين المجتمع الدولي برمته، والذي استمر يكيل بمكيالين استخدام إسرائيل للقوة المفرطة من جهة، وصواريخ المقاومة محلية الصنع من جهة أخرى.
لقد شارك النظام العربي الرسمي في هذا الحصار البربري، وكان مع المجتمع الدولي جزءً لا يتجزأ من مخطط الاجتياح الإسرائيلي لغزة، والذي كان يهدف إلى وقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، وتفكيك حركة المقاومة حماس وبقية الفصائل المُقاوِمَة.
وبعد 23 يوما من الحرب مني هذا المخطط بالفشل بفضل الصمود البطولي لجماهير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتوحدِّها صفا واحدا خلف المقاومة كخيار استراتيجي لا بديل عنه من أجل التحرير. إن هذا الصمود الشعبي قوَّض حسابات العدو فراحت آلة الحرب والدمار الإسرائيلية تمارس أعنف عربدة عسكرية عرفها تاريخ الإبادات البشرية مستخدمة كافة صنوف الأسلحة حتى تلك المحظورة دوليا، تدك الإدارات الرسمية والمعاهد والجامعات والمساجد ومراكز ومستودعات ومدارس الأونروا. ولم توفِّر المدنيين والمستشفيات وسيارات الإسعاف، ما أدَّى إلى سقوط ما ينيف عن 1313 شهيد، 40 بالمائة منهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 5330 جريح معظمهم سيعيش مع عاهات دائمة نصفهم من النساء والأطفال.
إن هذه الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية تُمثِّل نقطة تحول تاريخي في الصراع ضد الصهيونية والإمبريالية. وقد أكَّدَت قدرة المقاومة على التجديد في أساليب النضال، وقدَّمت لنا دروسا مهمة يجب التوقف عندها وفاءً للدم الفلسطيني الذي سال غزيرا ليس فقط دفاعا عن النفس وعن المقاومة وعن فلسطين، وإنما أيضا عن الوجود العربي برمته في وجه الأخطبوط الإسرائيلي الاستيطاني الذي يحلم بقيام دولة صهيونية تمتد من الفرات إلى النيل على حساب تدمير الأمة العربية، وتهديد السلام العالمي.
وهذه الدروس هي:
1- إن المشروع الإمبريالي المتمدِّد في المنطقة لا يحمل سوى تفتيت المنطقة وحقنها بالأمراض الكثيرة، و يؤكد بصورة مستديمة على حمايته للصهيونية ورعايته لها .
1-لقد فَرَضَت المقاومة نفسها على العالم أجمع من حيث هي الرقم الذي لا يمكن تجاوزه في الصراع الدائر في المشرق العربي.
2- إن الأنظمة المُستَبِدَّة الحاكمة فاشلة وعاجزة عن تحقيق أية تقدم للشعوب، وعلى كل المستويات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية ، ناهيكم عن القمع وغياب العدالة والقانون . فقد سلطت المقاومة الضوء على تواطىء وفساد وتخاذل النظام العربي الرسمي . وقد تكشف هذا التواطؤ عبر المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت المدن العربية رغم إجراءات القمع ومنع التظاهر. وهذا الحضور الجماهيري يجب المحافظة عليه وتطويره حتى تسقط هذه الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التابعة للإمبريالية الأمريكية، والمتعاون بعضها مع إسرائيل على حساب المصالح العليا للأمة العربية.
3- إن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل لاستئصال الشعب الفلسطيني وتغيير الخارطة البشرية والثقافية للوطن العربي، وذلك في ما السياسة العربية الرسمية تحوَّلت إلى جزء لا يتجزأ من السياسة الإمبريالية والرأسمالية المعولمة، هي تتمة غير منتهية لمسلسل سياسي وعسكري صنعته السياسة العربية وشاركت فيه جنبا إلى جنب مع إسرائيل والإمبريالية، هذا المسلسل الذي بدا بأيلول الأسود في العام 1970، وكَرَّسَت له معاهدة كامب ديفيد التي مهدَّت الطريق أمام الحرب ضد المقاومة الفلسطينية في المخيمات، من تل الزعتر وشاتيلا إلى النهر البارد، والذي عَرِفَ استمرارا له عبر اتفاقية أوسلو وقمم مدريد وأنابوليس وغيرها من العواصم العربية وشرم الشيخ، وصولا إلى الحرب الإسرائيلية اليوم ضد شعب غزة الباسل. وإن هذه المقاومة تؤذن اليوم إذا ما توفَّرت لها الشروط السياسية الصحيحة بإحباط هذه السياسة والتشييد لسياسة تحرر عربية.
4- سقوط خيار التسوية الفاسد الذي انتهجته الأنظمة العربية منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وفعالية خيار المقاومة كخيار استراتيجي. وقد ثبت ذلك من خلال نجاح المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في تحرير الجنوب عام 2000، ونجاحها أيضا في إلحاق هزيمة مجلجلة بالجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في شهر تموز/ يوليو من العام 2006. ثم نجاح المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس في دحر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009.
5- إن حرب غزة قد كَشَفَت بوضوح للعالم أجمع حقيقة الوجه العنصري البشع للصهيونية متمثلة بإسرائيل، وأناطت اللثام عن السقوط الأخلاقي المريع لقادة العدو. هؤلاء النازيون الجدد. وفي هذا السياق من التنديد بالسياسة الإسرائيلية، جاءت المظاهرات التي انتشرت عبر العالم بالملايين طيلة أمام الحرب، وما رافق ذلك من مبادرة كل من فنزويلا وبوليفيا إلى طرد سفير إسرائيل لدى كل منها احتجاجا على المحرقة العنصرية والإبادة الجماعية. ولابد من التنويه في هذا المعرض إلى الموقف المشرِّف لرئيس وزراء تركيا السيد طيب أردوغان الذي تصدى أمام عدسات الصحفيين وقنوات التلفزيون في ملتقى دافوس لرئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز، حيث فنَّد أقواله قبل أن ينسحب من المؤتمر في حين بقي أمين عام الجامعة العربية عمر موسى ساكتا كشاهد زور دون حراك. بل وأن رئيس الوزراء أردوغان لم يكتف بالانسحاب، وإنما عقد علاوة على ذلك مؤتمرا صحفيا فضح فيه حرب الإبادة التي قامت بها إسرائيل في قطاع غزة. لذا، فإن مواكبة الدعاوى المرفوعة ضد عدد من السياسيين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية والأوروبية من قبل أكثر من 400 منظمة مدنية في العالم مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لفلسطين والأمة العربية والإنسانية جمعاء لمحاصرة هذا النظام الصهيوني العنصري.
6- لقد كان للانقسام الفلسطيني أثرا سلبيا بالغا ألحق الضرر بالنتائج الإيجابية التي كان يمكن لهذا الشعب المكافح أن يحصدها بمقاومته البطولية. لذا فإن التوجه نحو بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تتمسك بالثوابت الفلسطينية متمثِّلة بالحقوق المشروعة لشعب فلسطين، وعدم التفريط بها، وفي مقدمتها حقه بمقاومة الاحتلال حتى إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، وتفكيك المستوطنات، والتمسك بحق العودة، يشكل الأساس الوطني الذي يعيد للشعب لحمته بانتظار إجراء انتخابات ديمقراطية.
7- إرساء عقد اجتماعي وطني ديمقراطي بين التيارات الإسلامية والقومية واليسارية يُلْزِم الجميع باحترام حقوق الإنسان والعقائد والمقدَّسات من أجل تجسيد الوحدة الوطنية لشعوبنا العربية، ومنع اختراقها تحت أية ذرائع دينية أو طائفية أو عرقية تعزيزا لنضالنا المشترك لنيل الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية باعتبار مثل هذا العقد الاجتماعي حاضنة شعبية للنضال الفلسطيني.
8- إن هذه النقاط تُلزِم كل القوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية والإسلامية والقومية أن تتخلى عن أوهامها، وتراجع نفسها، وتنخرط دون تأخير بحوار جاد من أجل تشكيل جبهتها، فالمعركة لم تنته، وما الحرب في غزة ومقاومة جماهيرها إلا حلقة في سلسلة طويلة من تاريخ نضالي مستديم من أجل نيل الحرية وبناء الدولة الديمقراطية.
9- فَضَحَت هذه المقاومة الشعبية في وجه الحرب العسكرية مع إسرائيل ما يعتري القوى الوطنية والديمقراطية في الوطن العربي من وهن. لكن الجماهير العربية لم تقف متفرِّجة بالرغم من حالة البلبلة التي تسيطر على قياداتها. فقد عمَّت تظاهراتها الساحات والشوارع. وهي تنتظر اليوم ما بعد الحرب في غزة أن تتشكل القيادة التي تتحدَّث باسمها وتعبِّر عن قضاياها وأمانيها، وتنجح في توجيه السياسة العربية على مسار جديد من الصمود يرسِّخ لمعركة تردُّ لنا حقوقنا، وتعيد للقضية المركزية ألقها وجوهرها كقضية مناهِضة للاستعمار، ومن أجل استعادة الأرض المغتَصَبَة، وللانتصار على احتلال لن يلبث بفضل نهوض قيادات عربية جديدة أن يزول . ولابد في هذا السياق من التنبيه إلى أن بعض القوى السياسية غير الحاكمة، وإن كانت تدعم المقاومة الفلسطينية بدرجات متفاوتة حسب انتماء كل منها الإيديولوجي، إلا أنها إذ تنحو في منحى من تأييد هذا النظام العربي أو ذاك بالرغم من أنه فاسد ومستبد، فإن أمثال هذه المواقف التي تتودَّد لأنظمة الاستيداد من شانها أن تًلحق مرض الانتهازية بالمعارضة الديمقراطية الوطنية.
10- إن القضية الوطنية تُثْبِتُ مرة أخرى تلازمها وتشابكها بالقضية الديمقراطية، وتُبيِّن أن الاستبداد والوطنية ضدان لا يتعايشان، وأن الوطنية تملي بالضرورة إعادة الحرية للشعوب، لأنها صاحبة المصلحة الأساسية بالتحرر والسيادة، وهي التي تعي خطورة المشروع الصهيوني .
11- لقد كشف هذا الصمود، اليوم في غزة، وبالأمس القريب والبعيد في جنوب لبنان والمخيمات، أن المقاومة الفلسطينية في غزة كما في جنوب لبنان والمخيمات، هي من حيث جوهرها وتاريخها حركة وطنية، وجزء لا يتجزأ من تاريخ الثورة العربية التحررية، وأن كل محاولة للنيل منها أو للانفصال عنها بحجة أنها دينية أو غير ذلك، ينال من المقاومة الباسلة لشعوبنا ضد الصهيونية والإمبريالية.
12- العمل على تشكيل لجنة شعبية عربية للتنسيق مع كافة قوى التحرر والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في العالم من أجل استمرار التحرك الشعبي الفلسطيني الذي شهدته المدن العربية والأجنبية حتى لا تخبو شعلة النضال التي أوقدها أطفال فلسطين بدمائهم وأجسادهم وأحلامهم لفضح حقيقة الصهيونية والتآمر الدولي والعربي.
لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية
باريس، الخميس 5 شباط / فبراير 2009
خاص – صفحات سورية –