تركيا وسوريا.. الربيع الكاذب
عاكف أمرة
شكلت العلاقات التركية السورية أبرز معلم من معالم التغيير التي شهدتها السياسة الخارجية التركية. وقد حدث هذا التغير بسرعة كبيرة بين جارين نجحا بالبقاء عدوين بالرغم من أنهما يتقاسمان أطول حدود وأعرق تاريخ!. وظهر البلدان وكأنهما قد نسيا مشاكل الماضي القريب، واتجها نحو روابط التراث العميقة، وقد أخذت العلاقات – التي بدأت دبلوماسية – بعدا شعبيا عقب إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين.. فيما كانت مناظر المعايدة من خلف الأسلاك بين الأقرباء على الحدود بين البلدين تشير بشكل جلي إلى سطحية السياسة في الشرق الأوسط.
الفرح والسرور الشعبي بقرار إلغاء التأشيرات خلق مناخا مناسبا كان كافيا لإزالة كل الشكوك والتردد في المواقف في المنطقة، فيما اللاعبون السياسيون والعلاقات المتناقضة والمتشابكة بين السياسة والمجتمع والقيم لا تزال قائمة. وبتعبير أدق لا تزال مسألة المشروعية (مشروعية الأنظمة) قائمة بكل تناقضاتها.
يجب الترحيب بكل خطوة من شأنها إنهاء حالة التشرذم في الشرق الأوسط. لكن ذلك لا يعني نسيان كل المشاكل. إن أي مرونة وانفتاح تشهده الحدود التي خلفها الاستعمار بين سوريا والأردن والعراق ستنعكس ايجابيا بلا شك على المنطقة بأسرها. إنها على الأقل ستعطي فرصة للتخفيف من العداوات الوهمية التي سببتها الأنظمة السياسية بين الشعوب التي تربطهم صلات القرابة من الأتراك والعرب والأكراد. لا أحد يشك في أن هذا التقارب بين الشعوب سيشكل عاملا أساسيا في عودة الذاكرة التاريخية المشتركة، كما سيبرز الإرث التاريخي والحضاري للمنطقة.
هذا التقارب خلق أجواء رومانسية أدت إلى مسح مشاكل الماضي كلها، وربما تكون هذه الرومانسية نابعة من شعور بالخلاص من وضع فرضته حالة التشرذم. إن الفرحة الغامرة من إلغاء التأشيرات مع سوريا والأردن بعد أن كانت تعرف بالجغرافيا المعادية يجب ألا تنسينا بعض الحقائق القائمة على أرض الواقع!
لقد أبدى المثقفون الإسلاميون في تركيا اهتماما خاصة بالسياسة السورية. هذا الاهتمام نابع من طبيعة النظام بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا الذي احتضن أشد تطبيقات القومية العربية، والتي لاقت ردود فعل لها في تركيا.. مثلها بالضبط تلك الأفعال والضغوط وأساليب القهر التي مارسها نظام حزب البعث في العراق ضد الأكراد والتركمان وحتى العرب الذين وجدوا في تركيا ملاذا آمنا لهم من ذلك البطش، حيث تركت أثرا جليا على ممارسات حزب البعث السوري. لكن في الوقت الذي تبقى فيه جرائم البعث العراقي مثل مذبحة حلبجة ضد الأكراد قائمة حية فإن جرائم البعث السوري من مذبحة حماة التي راح ضحيتها 30 ألف مدني إلى عشرات الآلاف من المفقودين مجهولي المصير إلى ما يزيد على مائة ألف مغترب قسرا محرومون من حقوقهم المدنية ولا يستطيعون العودة لبلدهم بل لا يملكون حق التصرف في أموالهم هناك.. يراد لكل هذه الأفعال أن تكون طي النسيان!
إن مجيء الأسد الابن إلى سدة الحكم أحدث أجواء من الحرية والتفاؤل إلى حد ما. لكن القوى الخفية في سوريا، والسياسيين الذين تربوا على ايدولوجية البعث وقفوا سدا منيعا أمام أي انفتاح أو تغيير. لقد اعتبر السماح للإنترنت – رغم حجب الكثير من مواقعه – حدثا كبيرا وخطوة جبارة في طريف الانفتاح، لكن حتى هذه الخطوة قوبلت بشيء من التحفظ من قبل بعض القوى البيروقراطية! إن حرمان مئات الألوف من الأكراد من هويتهم السورية دليل كاف على خطورة الأمر.
دعونا نعود لأصل المشكلة إذ لاتزال القوانين السارية تجعل مجرد الانتماء لجماعة الإخوان أو حتى شبة الانتماء جريمة عقوبتها الإعدام.. هناك مئات الالاف من المشردين معظمهم من الإخوان يريدون العودة لوطنهم لكنهم ممنوعون! الإخوان من طرفهم أرسلوا إشارات ايجابية حول استعدادهم للعودة للوطن والذوبان داخل المجتمع السوري بدل المطالبة بدماء المفقودين بمجزرة حماة، والدخول في منظومة النظام السياسي بعد عودة المياه إلى مجاريها. إن نظام البعث الذي يعتمد على أقلية تحكم البلد بقبضة حديدية لن يكتب له الاستمرار طويلا.
يجب أن لا ننساق كثيرا وراء أجواء الربيع السائدة بين أنقرة ودمشق وإن كان واضحا للعيان أن عدم الاهتمام بالمنطقة سوف سينعكس بشكل سلبي على الشعوب. إن إلغاء التاشيرة وحده لن يكفي لتلافي قرن من الانفصال والتفكك.. إنها في الحقيقة وسيلة هامة لكنها ستعطي مفعولا عكسيا إذا تم نسيان بقية المشاكل. لذا يجب على تركيا أن تتحمل مسؤولياتها في حل القضايا والمشاكل الإنسانية في سوريا.. لكن هل توجد هذه المواضيع على جدول اهتمامات أنقرة ؟. علينا الانتظار!.
جريدة يني شفق التركية