الحركات الاجتماعية في سوريا
مقدمة:
تكتسب دراسة الحركات الاجتماعية في سوريا خصوصية مرتبطة بجملة الأوضاع التي تحكمها والتي يمكن إيجازها بـ:
أولاً: استمرار العمل بحالة الطوارىء.
عرفت الجمهورية العربية السورية العديد من قوانين الطوارىء منذ الاستقلال والتي سرعان ما كان ينقض الواحد منها قانون آخر تصدره السلطة الجديدة التي حلت محل القديمة إضافة إلى فترات انقشاع محدودة بين قانون وآخر حتى جاء الأمر العسكري رقم 2 تاريخ 8/3/1963 والقاضي بإعلان حالة الطوارىء في أراضي الجمهورية العربية السورية والذي أسس لتعامل الدولة مع المجتمع وكل الحركات المنبثقة عنه منذ عام 1963 وحتى وقتنا الراهن وعلى الرغم من صدور دستورين مؤقتين 1964 و 1971 والدستور الدائم 1973 إلا أن حالة الطوارىء هذه عطلت مواداً أساسية في الدستور ولاسيما ما يخص حرية التجمع والتظاهر مادة 26 ومادة 39 وأصبح أمر التوقيف العرفي الذي يصدر عن وزير الداخلية (بصلاحيات ممنوحة من رئيس الجمهورية) هو المستخدم عند أي تحرك يتجاوز الحدود المسموح بها، والتي قد تختلف من وقت لآخر بحيث يصبح من الصعب التنبؤ بعواقب تحرك ما.
ثانياً: عدم وجود قانون للأحزاب
افتقرت الدساتير السورية بعد الاستقلال إلى إشارات لآليات قانونية تنظم وجود الأحزاب السياسية وعملها باستثناء دستور عام 1950.
ويشهد تاريخ سوريا الحديث على أن فترة عمل هذا الدستور (وبخاصة بعد إعادة العمل به عام 1954) كانت فترة غنية بالحراك السياسي والاجتماعي حيث جرت انتخابات ديمقراطية تمخضت عن برلمان يمثل أغلب القوى الفاعلة.
وعلى الرغم من وجود فقرة في الدستور الدائم 1973 تنص على أنه »لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية و…« (المادة 26) إلا أنه لم يصدر حتى الآن قانون للأحزاب ينظم عملها ويقونن وجودها.
لقد كرس هذا الدستور وجود حزب البعث العربي الاشتراكي كقائد للدولة والمجتمع وكرس شرعية وجود بعض الأحزاب باعتبارها أعضاء في الجبهة الوطنية التقدمية (ائتلاف حاكم بقيادة حزب البعث) ولكن هذه الشرعية ما زالت مرهونة بعضوية الجبهة فإذا خرج حزب (أو طرف عنه) منها (وهذا ما حصل مع حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي) فإنه يتحول مباشرة إلى حزب غير شرعي (محظور) إضافة إلى أن الأحزاب المنضوية في هذه الجبهة لا تتمتع بشخصية اعتبارية أمام القانون (مقراتها ـ أموالها بأسماء أشخاص) وهي تفتقر إلى أي دعم مادي حكومي كما لا يعترف بالمنظمات الجماهيرية التابعة لها وبخاصة منظمات الشباب حيث حظر العمل بين الطلبة على جميعها وبقي حق العمل بين الطلاب حكراً على حزب البعث، باستثناء العمل في الاتحاد الوطني لطلبة سورية حيث يقوم على أساس جبهوي.
وتحولت الأحزاب غير الشرعية إلى أحزاب سرية والأحزاب الشرعية (باستثناء البعث) إلى أحزاب نصف سرية ونصف علنية مما قيد حركتها وقلل من فاعليتها وبخاصة في علاقتها بالجماهير إن كان بشكل مباشر أو عبر المنظمات الجماهيرية التابعة لها.
وطغى العمل الحزبي الرسمي على العمل الجماهيري لهذه الأحزاب (الشرعية) عبر تقديم المذكرات والمطالب إلى قيادة الجبهة وانتظار الرد دون إمكانية لأي مبادرة بفعل جماهيري قد يهدد هذا الحزب أو ذاك للطرد من الجبهة وبالتالي لأن يتحول إلى حزب غير شرعي.
كما وأثر هذا الوضع حتى على المنظمات الجماهيرية التابعة لهذه الأحزاب باعتبار أن أية حركة لها تتجاوز الحدود ستؤثر سلباً على الحزب.
بينما انشغلت الأحزاب السرية بالشأن السياسي العام دون اقتراب من الحركات الجماهيرية لاعتبار وجود معوقات موضوعية تمنع تنشيطها أو الاهتمام بأمرها.
وانقسم النشاط الجماهيري والتحركات الجماهيرية إلى اتجاهين:
اتجاه نخبوي ترسخ في أوساط المثقفين والقلة النادرة من طلاب الجامعات.
اتجاه شعبي قادته قوى الإسلام السياسي مستفيدة من المساجد كمنابر مسموح بها. حتى قيام حالة التصادم الدموي بين الإسلام السياسي والسلطات الأمر الذي أدى إلى إغلاق هذه المنابر في وجه الإسلام السياسي.
3 ـ عدم وجود قانون حديث للجمعيات:
جرى حل عدد هام من الجمعيات المدنية التي كانت قائمة في سوريا بموجب قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم 2 لعام 1958 باعتبارها هيئات سياسية. وتم إصدار قانون خاص بالجمعيات 1958 يحظر على أعضائها العمل بالسياسة (باستثناء الاتحاد القومي) فلم تستطع أي جمعية الحصول على ترخيص جديد إلا الجمعيات الخيرية.
وبعد وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة 1963 وإقرار دستور 1964 بأن »القطر السوري جمهورية ديمقراطية شعبية…« المادة الأولى ترسخ مبدأ الديمقراطية الشعبية وفقاً لمفهوم الحزب القائد باعتبارها »النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يتيح للجماهير الشعبية أن تحكم نفسها بنفسها من خلال المنظمات الشعبية والنقابات المهنية التي تقودها طليعة منظمة تتجسد بالحزب الثوري« فجرى تأسيس منظمات جديدة لهذا الغرض وفقاً لمراسيم جمهورية فأعطاها قوة تتجاوز قوة كل الجمعيات الأخرى التي يتم تنظيم عملها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية. كما أن تشكيل هذه المنظمات جاء على شكل اتحادات لتكون منظمات شاملة لكل المنتمين لهذا القطاع أو ذاك (اتحاد الفلاحين ـ شبيبة الثورة ـ الاتحاد العام النسائي…) وهذا جرى مع عملية تحويل للمنظمات الموجودة (اتحاد نقابات العمال) وأصبح عمل هذه المنظمات عملاً ثلاثي الجوانب: تمثيل مصالح قطاعات عملها بما ينسجم مع المصلحة الوطنية العليا (التي ستقررها القيادة السياسية). وتعبئة هذه القطاعات خلف القيادة الثورية (الحزب القائد) وعملية مراقبة لتنفيذ واجبات كل قطاع (ينتفي الحديث عن الحقوق التي أصبحت مصانة طالما أنها بيد »القيادة الثورية«). وأصبحت برامج وخطط هذه الاتحادات تقر في مكاتب القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم، كما ويتم اختيار قياداتها بناء على اقتراح من هذه المكاتب وليس على أساس ثقة جماهيرها بهذه القيادات.
وخلال عقود لم يتم الترخيص إلا لعدد قليل جداً من الجمعيات النوعية بدعوى انتفاء الحاجة لوجود جمعيات جديدة في مجالات عديدة (المرأة ـ الشباب…).
ووقف عدم وجود قانون حديث للجمعيات حاجزاً كبيراً أمام تطور بعض المنظمات الجماهيرية التي ارتبطت تاريخياً بأحزاب في الجبهة الوطنية التقدمية، نحو تحقيق الاستقلالية الكاملة في رسم السياسات واعتماد آليات عمل فعالة في دفع الحراك الاجتماعي إلى الأمام.
4 ـ دوامة العنف التي غرقت فيها سوريا إثر تحركات الإسلام السياسي الدموية (الإخوان المسلمين) مما شكل ظاهرة جديدة في الحياة العامة السورية واستدعى المزيد من التمسك بقانون الطوارىء وفي هذا السياق جرى حل النقابات التي عارضت آلية الموجهة التي لجأت إليها السلطات (المحامين ـ المهندسين ـ الأطباء)ٍوتأسيس نقابات أخرى بقوانين جديدة تلحق أصحاب الشهادات المهنية بالنقابات السابقة (النساء ـ العمال…) كما وتم الاعتماد على جماهير النقابية السياسية في المقاومة المسلحة للإسلام السياسي المسلح فقامت الميليشيات العمالية والطلابية و… المسلحة.
وهذا كله ترافق مع اتخاذ إجراءات شديدة بحق كل من لم يقف في صف النظام باعتبار أن من ليس معنا ضدنا فانكفأ الحراك الاجتماعي إلى أدنى مستوى له بعد عمليات التوقيف التي كانت تستمر لسنوات دون تقديم لأية محاكمة (عمليات التوقيف هذه طالت حتى حزباً مشاركاً في الجبهة) وفي حال التقديم للمحاكم فهذه المحاكم ميدانية!
5 ـ بعض مظاهر الركود الاقتصادي العام بدأ من عام 1985 وظهور عدد من الأزمات من أهمها أزمات تموينية خانقة تجلت باختفاء سلع أساسية من الأسواق وأزمة القطع 1986 حيث فُقد القطع الأجنبي من الأسواق (الرسمية والسوداء) فتضاعف سعره حوالي خمسة أضعاف مرة واحدة مما أدى إلى توقف عدد من المعامل الخاصة (الصغيرة) والعامة وبخاصة في الصناعات التحويلية.
وبدأت الحكومة بسياسة »الإصلاح الهيكلي« غير المعلنة وسمحت بالاستثمار في الشركات الزراعية والسياحية وانخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة ومنذ ذلك الوقت بدأ العاملون بأجر والذين كانوا يناضلون من أجل تحديد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً بدؤوا (بالنضال) من أجل العثور على ساعات عمل إضافية ولأن هذه الفترة كانت قريبة جداً من فترة الاضطرابات السابقة. ولاستمرار الحكومة بتقديم بعض المكتسبات الهامة (منع التسريح ـ بعض التعويضات) والموقف الوطني للقيادة السياسية السورية من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي »وهي قضية أساسية ارتبط بها الشعب السوري« وعدم مبادرة اتحاد نقابات العمال إلى فعل جماهيري وكذلك الأحزاب التي كانت تعمل (بشكل نصف علني ونصف سري). لم تستطع الأزمة تحريك الواقع الاجتماعي بفعل مواجه بل على العكس دفعت إلى الركض وراء الحلول الفردية في ظل تنافس حاد للحصول على فرصة عمل إضافية أو في إحدى المنشآت الخاصة الكبيرة التي استقطبت الأيادي الماهرة والعقول المنفتحة بتقديمها أجوراً أعلى (بضعفين تقريباً) من أجور القطاع العام.
إلا أن صدور قانون الاستثمار رقم 10 والتسهيلات الكبيرة التي تم منحها للشركات التي قامت على أساسه وضعت القطاع الحكومي في تنافس غير متكافىء فازدادت أوضاعه تردياً بما فيها أوضاع العاملين فيه وهددت مصالح إدارات هذا القطاع المتحالفين مع القيادات النقابية العمالية مما أدى إلى ارتفاع حدة الخطاب النقابي وإن لم يكن بشكل مباشر. فبدأت مذكرات اتحاد نقابات العمال المواجهة إلى الحكومة أو في مجلس الشعب تتضمن أفكاراً جديدة وبخاصة: الدفاع عن القطاع العام وريادته ـ توازن الأجور والأسعار ـ ملاحظات على قانون الاستثمار.
وكانت هذه الحدة تتناقص كلما ارتفع تسلسل الهيئة النقابية.
6 ـ استحقاقات مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية حيث شكل الموقف السوري حيالها سابقة دفعت عدداً من المثقفين لإصدار بيان تضامني مع الشعب العراقي دون أن يحتوي على نقد صريح للموقف الرسمي باستثناء إشارات لمجمل السياسات الرسمية العربية.
وكان لانهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية التأثير الكبير في رسم اتجاهات سياسية جديدة تتلاءم مع هيمنة القطب الواحد وفي تعميق تحولات اقتصادية لتوسيع دور القطاع الخاص في ظل تدهور أو ركود في أحسن الأحوال لقطاع الدولة.
وبدأت مفاوضات الشراكة الأوربية المتوسطية والتي وضعت الاقتصاد السوري أمام تحديات كبيرة وبخاصة نتيجة لضعف قدرته (بقطاعاته الأربعة: العام ـ التعاوني ـ الخاص ـ المشترك) على الوقوف في وجه الترتيبات التي ستفرضها هذه الشراكة وهذا عملياً ما أخر الشراكة حتى الآن إضافة إلى ظهور حاجة ماسة لتعديلات قانونية ضرورية واقتصادية وسياسية هامة (وبخاصة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان) مما دفع الحكومة للقيام بخطوات في مجال الانفراج الداخلي كتخصيص مقاعد في مجلس الشعب لمستقلين كانوا يمثلون عموماً فعاليات اقتصادية خاصة (غالباً تجارية وقليلاً صناعية) وتحويل الموقوفين إلى محاكمات (وإن كانت تتم في محاكم استثنائية كمحكمة أمن الدولة) وسبق هذا الإفراج عن عدد من معتقلي الرأي وعودة عدد من رموز الإسلام السياسي إلى البلاد.
هذا كله خلق اصطفافات جديدة داخل الحكم وخارجه فبرزت معارضة أحزاب داخل الجبهة (الحزب الشيوعي السوري ـ بكداش) لقانون الاستثمار والشراكة والحزب الشيوعي السوري (فيصل) الذي طالب بمزيد من الانفراج الديمقراطي وطرح برنامجاً ديمقراطياً شاملاً مستنداً إلى تقييم نقدي لتجربة الانهيار في دول المنظومة الاشتراكية وارتفاع نبرة الانتقاد في مذكرات اتحاد نقابات العمال الذي ما زالت احتجاجاته رسمية ولم تأخذ أي طابع جماهيري.
وارتدت انتخابات مجلس الشعب 1998 أهمية خاصة باعتبارها أول انتخابات شهدت تقدم بعض المرشحين (قلة قليلة) على أساس برامج انتخابية وتحولت إحدى المضافات الانتخابية إلى حلقة نقاش عام لمجمل المسائل (مضافة المرشح رياض سيف والذي استضاف معه المرشح عارف دليلة).
7 ـ خطاب القسم للرئيس حافظ الأسد آذار 1999 وبدء الحديث عن الإصلاح ومحاربة الفساد وضرورة النقاش »فإنه النقاش في المؤسسات كلها هو ظاهرة إيجابية وبناءة« »مجلس الشعب الذي عليه أن يمارس بصورة فعالة دوره في الرقابة والمتابعة والمحاسبة«. »وإننا نلاحظ إلى جانب أولئك الذين يعملون بإخلاص ومسؤولية، هناك البعض الذي فقد الشعور بالمسؤولية، فقصر أو أهمل أو أساء…« فتمت إحالة رئيس مجلس الوزراء السابق إلى المحكمة (محمود الزعبي الذي انتحر في منزله) وهذا ما شجع بداية حركة المنتديات وإن كان بشكل بسيط (منتدى رياض سيف ـ منتدى الحوار الثقافي ـ الاجتماع الأول للجان إحياء المجتمع المدني ـ محاضرات د. عارف دليلة ـ محاضرات د. طيب تيزيني). ولعبت متابعة د. بشار الأسد ـ نجل الرئيس ـ لندوات جمعية العلوم الاقتصادية دوراً هاماً ومشجعاً في طرح مسائل ذات حساسية والبدء بالإعداد لمشروع الإصلاح الاقتصادي.
8 ـ وفاة الرئيس حافظ الأسد والانتقال السلس للسلطة لابنه الرئيس بشار وخطاب القسم للرئيس بشار الأسد »أجد من الضروري جداً أن أدعو كل مواطن لكي يشارك في مسيرة التطوير والتحديث«، »وهذا يحتاج إلى مواجهة جريئة مع أنفسنا ومع مجتمعنا…«، »الديمقراطية واجب علينا تجاه الآخرين قبل أن تكون حقاً لنا«. »علينا احترام القانون،…، علينا أن نكافح الهدر«، فلاقى المثقفون لهذا الخطاب ببيان الـ 99 ومن ثم وثيقة »الألف« وانتشرت المنتديات في أغلب المحافظات السورية وبخاصة في دمشق وبدأت هذه المنتديات تغص بالحضور الذين كانوا في أغلبهم من المثقفين ومن الأعضاء السابقين في الأحزاب اليسارية مع ندرة في المنتديات الليبرالية (منتدى رياض سيف).
9ـ الحملة المضادة كانون ثاني 2001 وما انتهى إليه »ربيع دمشق« بإغلاق أغلب المنتديات وتوقيف عدد من الناشطين فيها ومن ثم محاكمتهم والحكم عليهم بأحكام تراوحت من سنتين ونصف إلى عشر سنوات، مما أضعف الحراك الاجتماعي وبخاصة مع توجيه اتهامات من جهات رسمية للناشطين بهذا الحراك »بالتعاون مع السفارات الأجنبية« وبالترويج »لمفاهيم مستوردة غريبة عن الثقافة والواقع المحليين«.
وكان للبرامج التلفزيونية التي بثتها بعض القنوات الفضائية العربية، واستضافت فيها رموزاً بارزة من رموز المعارضة السورية، دور بارز في دفع الشارع السوري إلى تجاوز عدد كبير من الخطوط الحمراء في الأحاديث اليومية، لأنها كانت تستطيع دخول أغلب المنازل من خلال الأطباق (الستالايت) بحيث تجاوز تأثيرها فئة المثقفين.
10 ـ الارتباط الكبير بالقضايا القومية حيث دفع اشتداد الحصار الإسرائيلي لانتفاضة الاستقلال في فلسطين المحتلة أواخر آذار 2002 وما تلا تلك الأحداث الناشطين إلى الإعداد لمسيرات جماهيرية مستقلة يومية (استمرت المسيرات اليومية حوالي شهر)، فعادت إلى شوارع دمشق حركة مسيرات (ويسميها البعض مظاهرات) غابت عنها لعشرات السنين. وانتقلت هذه الحركة ـ وإن كان بشكل بسيط إلى عدد هام من المحافظات السورية وتمكنت المجموعات المشاركة من إيجاد آلية لتنسيق هذا العمل في دمشق من خلال لجنة تنسيق المظاهرات اليومية، التي تكونت من ممثلين لأغلب القوى المدنية ـ وبعض الحزبية الفاعلة، وذلك رغم التباين الكبير في برامجها السياسية، حيث اتفقت على اعتماد آلية التصويت بالإجماع.
لقد شكل هذا العمل التنسيقي تجربة جديدة مميزة في الحياة العامة السورية بعد حالة ضعف شديد في الحوار بين القوى المتعارضة.
وعلى الرغم من أن هذه التحركات لم يتجاوز عدد المشاركين فيها الآلاف ـ في أفضل حالاتها ـ إلا أنها خلقت ردة فعل إيجابية في الشارع الذي اعتاد لعقود على المشاركة بناءً على تكليف حكومي للعاملين في الدولة وللمنخرطين في منظماتها الشعبية.
وأضاف التهديد الأمريكي للعراق ومن ثم العدوان عليه زخماً جديداً لهذه الحركة التي سرعان ماخبت مع سقوط بغداد، ولم يبق فيها إلا الشكل والفعالية الضعيفة في المناسبات الوطنية (معركة ميسلون ـ الانتفاضة ـ وعد بلفور…).
وتعاملت الأجهزة الأمنية بشكل متباين مع هذه الحالة، ففي الوقت الذي كانت تساعد فيه في تنظيم حركة السير العام أمام المسيرات ـ شريطة عدم التوجه إلى السفارات وبخاصة الأمريكية ـ كانت تعمل على استدعاء بعض الناشطين للتحقيق معهم، وجرت إحالة 17 شاباً إلى القضاء العسكري بتهمة إثارة الشغب والاعتداء على شرطي أثناء قيامه بمهامه الرسمية (في مسيرة 20 آذار 2003).
لقد عكست التحديات الأخيرة التي واجهت الشارع السوري ضعفاً كبيراً في مستوى الحراك الاجتماعي، مما جعل مهمة إعادة الفعالية إلى هذا الشارع من أولى مهام قوى الإصلاح والتغيير.
الحركة العمالية
انطلقت الحركة العمالية بداية كجزء من النقابات التي كانت تجمع معلمي الحرف مع الصناع العاملين في هذه الحرف كاستمرار للنقابات التي وجدت في القرن التاسع عشر وضمن هذه النقابات كانت تنشأ رابطات الرفاق العمالية الخالصة إما بشكل عارض ومؤقت أو بشكل دائم ولكنه سري.
وبدأ ظهور النقابات العمالية الخالصة مع ظهور الورشات الصناعية الكبيرة والمعامل الصغيرة فظهرت نقابة عمال التبغ (بكفيا 1924) ونقابة عمال منسوجات التريكو دمشق (1926) ثم تتالى نشوء بقية النقابات مع نشوء صناعات ومؤسسات اقتصادية حديثة ومع بداية انتشار الأفكار الاشتراكية (الشيوعية) ظهرت نقابات عمال الطباعة وعمال الكهرباء وعمال الميكانيك وصناع التريكو…
وبعد اندلاع الحركة الشعبية المعادية للاستعمار في كانون الثاني 1936 والتي كان عمادها العمال والفلاحون وبدء المفاوضات بين سلطات الانتداب والكتلة الوطنية تم عقد أول مؤتمر عمال (أيار 1936) وفي نفس العام (كانون الأول 1936) انعقد المؤتمر العمالي الثاني في دمشق وقرر استطلاع رأي عمال بقية المحافظات حيث بدأ العمل الجماعي والذي انتهى بتأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية (آذار) 1938 الذي قدم مطالب العمال إلى المجلس النيابي ورئاسة مجلس الوزراء والتي تلخصت بثماني ساعات عمل وبضمان اجتماعي.
ومع صدور قانون العمل 1946 واستقلال البلاد تكاثرت المشاريع الصناعية وبخاصة بعد الاستقلال الجمركي عن لبنان 1952 حيث اطمأنت البرجوازية السورية على ملكيتها فأصبح عدد العمال المسجلين في مديرية العمل 1954: 45320 وكان حوالي نصفهم في صناعة النسيج. كما وبدأت البرجوازية الوطنية الحاكمة اتفاقيات مع الدول الاشتراكية لبناء صناعة وطنية متحررة نسبياً من سلطة السوق الرأسمالية العالمية إضافة إلى مجموعة من القرارات المفصلية كالتأميم النسبي ـ توقيع اتفاقية النقد بين سوريا وفرنسا والتي تأسس بعدها البنك المركزي.
شهدت الفترة الأولى من تأسيس النقابات سيطرة للنقابية الإصلاحية (بقيادة صبحي الخطيب رئيس الاتحاد) التي لم تؤمن بالصراع الطبقي ومع تنامي دور الحزبين الشيوعي والبعث وبخاصة في المؤسسات الصناعية الكبيرة التي لم يحصل فيها تداخل مع النظام الحرفي وإفرازاته البطريركية احتدم الخلاف بين أنصار النقابية الإصلاحية وأنصار النقابية الثورية مما شكل شبه حالة انقسام استمرت حتى عام 1957 حيث جرت انتخابات نقابية فاز فيها تيار النقابية الثورية.
ولعب قانون العمل رقم 91 لعام 1959 الذي حظر على العمال العمل في السياسة مع الأجهزة الأمنية التي تضخمت واستشرى نشاطها الدور الأساسي في توجيه ضربة للاتحاد.
شهدت الحركة العمالية التي لم تعرف تنظيماً لها إلا الاتحاد العام لنقابات العمال تحولات أساسية بعد 1963 واستلام حزب البعث للسلطة هذا الحزب الذي كان يضم طليعة أبناء الفئات الشعبية السورية والذي رفع شعارات كبيرة تنسجم مع تطلعات هذه الفئات في »الوحدة والحرية والاشتراكية« حيث جرى التأميم بشكل واسع وكبير في نفس الوقت الذي صدر فيه قانون التنظيم النقابي (31) 1964 ومن ثم استكمل بالقانون 84 لعام 1968 والذي جاء منسجماً مع مبدأ الديمقراطية الشعبية المقر في وثائق حزب البعث. وجاء الدستور الدائم الذي كرس قيادة البعث للدولة والمجتمع 1973 وهذا كله دفع الاتحاد باتجاه النقابية السياسية واختلف الخطاب العمالي: يقول محمود حديد رئيس الاتحاد السابق (بالنسبة لنا كقادة للطبقة العاملة فإن المناخ المناسب قد وصل أخيراً، وللمرة الأولى، كي لا نتحدث بعدئذ عن حقوق الطبقة العاملة والنضال من أجل هذه الحقوق، بل يجب أن نتحدث عن واجبات الطبقة العاملة وعن الكيفية التي لا يزال علينا أن نناضل فيها لتنفيذ هذه الواجبات«. (إجراءات وقرارات المؤتمر الثامن عشر). ومنذ عام 1980 وحتى 2000 كان رئيس الاتحاد (عز الدين ناصر) عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث.
لقد تحولت الطبقة العاملة إلى شريكة للحكومة في تنفيذ الخطط وأصبحت تتحمل كامل المسؤولية عن الإخفاقات والفشل مقابل بعض المكتسبات كمنع التسريح!
ولعب صدور قانون العاملين الأساسي (القانون العام) 1985 والذي اعتبر كل الموظفين في الدولة عمالاً منتسبين للاتحاد العام لنقابات العمال دوراً هاماً في تغيير تركيبة أعضاء الاتحاد وسمح (بسهولة مطلقة) بوصول قيادات نقابية غير مرتبطة مباشرة بالإنتاج وقادرة على إنتاج خطاب سياسي مقبول.
كما وأثر هذا الأمر على نسبة عمال القطاع الخاص في الاتحاد والذين يندر انتسابهم إلى الاتحاد وفي نفس الوقت لا يملكون أي ضمانات أثناء العمل أو عند تركه وبخاصة مع تفشي البطالة، وقصور منظومة الضمان الاجتماعي.
ولكن وعلى الرغم مما تقدم ما يزال اتحاد نقابات العمال يمثل حركة ضاغطة (ولكن بحدود) للأسباب التالية:
1 ـ ضغط من القاعدة العمالية العريضة وبخاصة مع تراجع معدلات التنمية وانخفاض المستوى المعاشي لجماهير العاملين بأجر.
2 ـ شكل التحالف بين القيادات العمالية وإدارات القطاع العام دافعاً للحفاظ على القطاع العام ومحاربة الخصخصة لأنه أحد أهم مراكز نفوذ هذا التحالف.
3 ـ الخطاب الرسمي للاتحاد خطاب مناهض للعولمة نتيجة للإرث التاريخي في مواجهة الرأسمال العابر للقارات ولفعالية الاتحاد ضمن اتحاد نقابات العمال العالمي ولنشاط ذوي الاتجاهات اليسارية (تحديداً الشيوعية) في داخله وبالأخص عند الإعداد للتقارير الاقتصادية.
4 ـ شكل مؤتمر الإبداع الوطني الذي نظمه الاتحاد محطة هامة في حياة البلاد حيث قدم مقترحات علمية وعملية لدفع عملية التنمية وإصلاح الأوضاع الاقتصادية. على الرغم من أنه وبعد مرور سنوات عليه لم تجر الاستفادة من مجمل أعماله.
5 ـ ينتسب إلى الاتحاد العام حوالي مليون عامل مما يجعله أكبر تنظيم من حيث العدد والتنوع حيث يشمل عمله مختلف مجالات الحياة الاقتصادية. وبخاصة مع ارتباط معظم المنتسبين إليه بالقطاع العام حيث يمثل الإضرار بمصالح هذا القطاع إضراراً مباشراً بمصالحهم.
6 ـ خروج رئيس الاتحاد من أعلى قيادة حزبية في البلاد (القيادة القطرية) خلق إحساساً عند القيادة النقابية بأن مكانتها قد تراجعت وبأن عليها العمل بأساليب جديدة لتحقيق مكاسب عمالية تبرر وجودها.
الحركة الإسلامية
استعادت الحركة الإسلامية نشاطها، الذي توقف بانهيار الدولة العثمانية، في ثلاثينيات القرن العشرين مستفيدة من محاولات البرجوازية السورية، التي تزعمت الحركة الوطنية، في تأجيج المشاعر الدينية لمقاومة الاستعمار، وساهم في هذا الأمر عودة بعض الطلاب السوريين الذين درسوا في الأزهر، فتأسس أول مركز في حلب باسم دار الأرقم 1935 ومن ثم جمعية الشباب المسلمين في دمشق وجمعية الرابطة في حمص ومن ثم اجتمعت لتؤسس للإسلام السياسي بقيام حزب الأخوان المسلمين 1944 الذي أصبح مصطفى السباعي مرشده العام. ونتيجة لتصاعد شعبية الأفكار الاشتراكية أخذ التيار ينادي باشتراكية الإسلام.
إلى جانب الإسلام السياسي نشأ تيار إسلامي يفصل بين العمل الديني وبين العمل السياسي الذي يوكله لأهل الحكم ويعلن على لسان أحد أهم مؤسسيه أحمد كفتارو أنه مع التعاون الإيجابي مع كل نظام وطني. فتأسست رابطة العلماء 1944 ومن ثم تأسست جمعية الأنصار 1951.
نشط حزب الأخوان المسلمين بعد الاستقلال وبخاصة بعد النكبة 1948 وفي مرحلة الديمقراطية 1954ـ 1958 إلا أن إصابة مرشده العام (السباعي) بالشلل بعد خسارته في انتخابات 1956 وقرار حكومة الوحدة 1958 بحل جميع الأحزاب قد شكلت ضربة له في حين استمر التيار الآخر في العمل من خلال الخطب في أكبر مساجد دمشق (الأموي وغيره) حتى أصبح كفتارو مفتياً للجمهورية عام 1964.
تنشط الإسلام السياسي بعد قصف أمين الحافظ لمدينة حماة إثر جعل الإسلام ديناً لرئيس الدولة وليس ديناً للدولة فقامت مظاهرات ضخمة 1966 لكنها قمعت لتكرس علاقة حذرة بين السلطة والحركة الإٍسلامية السياسية عادت لتحتدم عند إعلان الدستور الدائم إلا أنها همدت قليلاً بعد التضييقات على القوى اليسارية (فصل من سلك التعليم ـ منع السفر ـ الاستدعاءات الأمنية) ـ وفسح المجال أمام التيار الإسلامي عبر المساجد واللقاءات الدينية. وبقيت النار تحت الرماد حتى تفجر موجة العنف في أواخر السبعينيات والعنف المضاد الذي ردت به السلطة والذي أعاد تجربة قصف المدن مما شكل ضربة قوية لتيار الإسلام السياسي وبخاصة مع صدور قانون خاص بمحاسبة الأخوان المسلمين وتعرض المنتمي إلى هذا الحزب إلى عقوبة الإعدام. إلا أنه ومع صعود باراك إلى سدة الحكم في إسرائيل وإحياء عملية السلام عاد الإسلام السياسي للعمل من خلال نشاط حزب التحرير الإسلامي (حزب إقليمي) والذي جوبه نشاطه بنفس الآليات السابقة.
في حين وطد الاتجاه الآخر أقدامه مستفيداً من دعم حكومي وبخاصة للتعليم الشرعي وتأسيس معاهد الأسد لتحفيظ القرآن فتحول، مثلاً جامع أبو النور في دمشق إلى مجمع علمي يخرج سنوياً مئات المختصين في علوم الشريعة واللغة العربية بعد أن أسس (كلية الدعوة) مع العديد من النشاطات العملية والاجتماعية وانبثق عن هذا المجمع مركز الدراسات الإسلامية الذي يديره د. محمد حبش ويعمل كجهة علمية تصدر مطبوعاتها ومنشوراتها عبر دار التجديد وتصدر نتاجها الفني عبر (نور) للإنتاج الفني.
وعنون هذا المركز بروشوره الخاص بـ (المقاصد قبل القواعد) ولعل محاولات التجديد التي يعمل من أجلها كانت وراء سحب تأييد إدارة مجمع أبو النور ورعايتها له.
(معلومات عن المركز:
مقر المركز: دمشق ـ : ساحة الميسات ـ بناء هنا
هاتف ـ 4418402: فاكس ـ 4460665 ص . ب 9616
بريد إلكتروني: hbshco@net.sy صفحة الأنترنت www.alzahraa.org: شارك في 40 مؤتمراً دولياً والمركز عضو في الاتحاد الدولي للأدباء من أجل السلام في نيويورك وفي المنتدى الإسلامي العالمي للحوار).
كما وينشط عدد من علماء الدين في مواضيع حوار الأديان والحوار مع الآخر (والذي قد يكون علمانياً) والتجديد في الفقه الإسلامي وتبرز أسماء هامة في هذه الحركة لعل أبرزها مفتي حلب الشيخ أحمد حسون والدكتور العلامة محمود العكام الذي خصص صفحة إلكترونية www.akkam.org.
وبشكل عام فإن الحركة الإسلامية في سوريا بقيت في إطاريها الأساسيين:
إسلام سياسي معارض وإسلام حياد إيجابي يتنوع بين إسلام تقليدي محافظ وإسلام تحديثي ما يزال يدب الخطا لتثبيت أقدامه.
وتبقى قوة التأثير لهذه الحركة في الحراك الاجتماعي السوري مرتهنة في ما تسمح به السلطات ففي الوقت الذي حركت فيه المشاعر الدينية آلاف المتظاهرين العرب في عواصم أخرى للتضامن مع الشعبين الفلسطيني والعراقي غابت جماهير الحركة الإسلامية في سوريا عن حركات التضامن المستقلة وتركت الساحة للقوى القومية واليسارية والتي حاول بعضها العزف على أوتار المشاعر الدينية لكن نغماتها استعصى وصولها إلى آذان عامة المؤمنين.
الحركة النسوية
بدأت الحركة النسوية تتبلور في سوريا منذ أوائل القرن العشرين متأثرة بالخطاب النهضوي العربي وبتوفر الفرص لمجموعة من الكادرات النسائية في نيل قسط كاف من التعليم (ماري العجمي صاحبة أول صحيفة نسائية ـ عادلة بيهم ـ نازك العابد ـ ثريا الحافظ).
وطبعت مرحلة محاربة الاستعمار هذه الحركة بطابعها فإلى جانب المطالبة بتعليم النساء ونشر أفكار الدفاع عن حقوق المرأة ومطالبها اشتغلت هذه الحركة في مساعدة الكفاح الوطني وجمع المال للجزائر ومساعدة العمال المضربين في تأمين قوت عوائلهم كما وظهر هذا الطابع في أسماء بعض الجمعيات (جمعية نساء العرب القوميات).
تأسس أول اتحاد نسائي عام 1933 وشارك بالتحضير لمؤتمر القاهرة 1944 من أجل بحث الأطماع الصهيونية في فلسطين. حيث انبثق عن هذا المؤتمر الاتحاد النسائي العربي العام الذي ترأسته عادلة بيهم الجزائري رئيسة الوفد السوري (كان الوفد السوري مؤلفاً من ثلاثين امرأة). واشتغلت الحركة النسوية على قضية المرأة بالتعاون مع الرجال المستنيرين فعلى سبيل المثال قامت مسيرة نسائية 100 امرأة بزعامة ثريا الحافظ بالسير في شوارع دمشق دون براقع بحماية من بعض الشباب الجامعيين. كما وكانت بعض الجرائد نصيراً لقضية المرأة (بردى التي تأسست 1946 لصاحبها منير الريس) وكانت المطالبة بحق النساء في الانتخاب الشغل الشاغل لهذه الحركة بعد الاستقلال وحصلت المرأة على هذا الحق أواخر الأربعينيات (أيام ديكتاتورية حسني الزعيم).
تأسست رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة عام 1948 من النساء الشيوعيات لتنضم إلى اتحاد النساء الديمقراطي العالمي فشكلت بذلك منظمة سياسية نسائية ولعبت دوراً في انتخابات 1954 من خلال جمع أصوات النساء للمرشح الشيوعي خالد بكداش بعد أن شغلت قضية المرأة حيزاً من برنامجه الانتخابي، وبما ينسجم مع ما طرحه حزبه في أوائل الثلاثينيات عن المطالبة بحقوق النساء في التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة.
وفي ظل المد الديمقراطي الذي عاشته سوريا (أواسط الخمسينيات) حصلت المرأة السورية على حق الترشيح عام 1957.
إلا أن الإجراءات التي قامت بها حكومة الوحدة بين سوريا ومصر (1958 ـ 1961) طالت المنظمات النسوية كما طالت بقية المنظمات حيث ألغى القانون 2 لعام 1958 تراخيص كل الجمعيات واشترط لإعادة الترخيص لها أن لا تكون لها أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالسياسة.
وغابت القضية النسوية عن الساحة نتيجة لتقلب الأوضاع السياسية حتى بدء حكومة »23 شباط« (حركة انقلابية داخل حزب البعث الحاكم) ببناء مؤسسات »الديمقراطية الشعبية« التي تكرس قيادة حزب البعث للمجتمع، فكان أن تأسس الاتحاد العام النسائي عام 1967 بمرسوم جمهوري نص على اعتبار الاتحاد »منظمة شعبية عامة لنساء القطر العربي السوري« (المادة 2) كما وجاء في المادة (3) الفقرة 1 »إيجاد الصيغ الفعلية مع الوزارة في رسم سياسة الجمعيات النسائية القائمة وتوجيه نشاطاتها وتطويرها بما يتفق وأهداف الاتحاد تمهيداً لانضواء سائر فعاليات المرأة في المنظمة«.
ولم يمر تشكيل الاتحاد ببساطة حيث سبقته نقاشات حادة مع ممثلات رابطة النساء السوريات ـ التي عادت للعمل (دون ترخيص) عندما قام التنسيق بين حزب البعث الحاكم والحزب الشيوعي السوري، وكان الخلاف يدور حول طبيعة الاتحاد واشتراط انضمام كل الجمعيات النسوية إليه. فبقي في ساحة العمل الاتحاد العام النسائي ورابطة النساء السوريات التي كان يتم التعامل الرسمي معها باعتبارها تنظيماً نسائياً للحزب الشيوعي.
وعلى الرغم من طبيعة الاتحاد العام النسائي (الرسمية) إلا أن مسيرة عمله تميزت بظهور مجموعات ضاغطة وذلك بحسب قياداته المتعاقبة وبحسب تطورات القضية النسوية على المستوى العالمي حيث لعبت مؤتمرات الأمم المتحدة دوراً إيجابياً في تطوير خطابه. إلا أن نتائج هذا الضغط كانت مرهونة بالقرار السياسي الذي حرص على رفع نسبة مساهمة النساء في مواقع »صنع القرار« (وزارة ـ مجلس الشعب ـ مجالس الإدارة المحلية…). »كعطاء من عطاءات القيادة« في حين بقيت النساء خاضعات لتمييز قانوني في قوانين الأحوال الشخصية والعلاقات الزراعية والعقوبات.
وبقي تمثيل النساء في هذه المواقع تمثيلاً صورياً مرتبطاً بالـ »الهبات القيادية« وبقيت توصيات الندوات العديدة التي عقدها الاتحاد العام النسائي أو الدراسات المعمقة التي قام بها إضافة إلى اقتراحاته بقوانين جديدة، بقيت في الأدراج.
واستمر خطاب رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة خطاباً نسوياً سياسياً (شيوعياً) حتى انقسامها عام 1986، حيث حافظ التيار الأول على نفس الخطاب، بينما تبنى التيار الثاني خطاباً نهضوياً عاماً يتجاوز الاصطفافات الحزبية مساهماً في إعادة إحياء حركة نسوية مستقلة مما مكنه وعبر العديد من نشاطاته من استقطاب عدد هام من المشتغلين/ات على القضية النسوية.
ولتقديم نفسه للمجتمع بما ينسجم مع برنامجه الجديد استخدم هذا التيار اسم رابطة النساء السوريات.
ولعب مؤتمر بكين دوراً بارزاً في رفع مستوى ضغط الحركة النسوية السورية عبر لغة خطاب جديدة تستخدم مفردات »العنف ضد النساء« و »إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة« و »الجندر«.
وأملت هذه الحركة في أن تطال مسيرة »الإصلاح والتحديث« أوضاع النساء بعد أن تحدث الرئيس الشاب عن »نصف حقيقي للمجتمع«، إلا أن انضمام سوريا إلى اتفاقية »إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة« مع أغلب التحفظات التي تحفظت عليها بقية البلدان العربية (ما عدا اليمن) أزال هذا الوهم وبخاصة أن تعديلاً طفيفاً وسطحياً قد طال قوانين الأحوال الشخصية بعد انتظار حوالي الـ 20 عاماً.
ولكن يمكن القول إن هناك سمات جديدة قد وسمت الحركة النسوية في سوريا في السنوات الأخيرة لعل أبرزها:
1 ـ انعدام الثقة بين الاتحاد العام النسائي والنخبة المثقفة من النساء السوريات نتيجة لعجزه عن تحقيق أي مكسب وبخاصة بعد تبريراته للتحفظات الحكومية على اتفاقية سيداو بالترافق مع ضغط رسمي على قياداته.
2 ـ ظهور شخصيات نسائية مستقلة تنشط بجد في هذه الحركة لعل أبرزها المحامية: حنان نجمة ـ د. جورجيت عطية ـ المحامية دعد موسى ـ د. مية الرحبي.
3 ـ لعبت الحركة المجتمعية الناشطة خلال السنوات الأخيرة دوراً في تركيز الاهتمام على قضايا المرأة فبدأت تباشير خجولة في تحول هذه القضية إلى قضية مجتمعية فتعددت الفعاليات التي أقامتها دور نشر حول قضايا النساء كما ولم تخل المنتديات من محاضرات عنها.
4 ـ نشأت حركة تعاون بين رابطة النساء السوريات والشخصيات النسائية المستقلة ونواتات الجمعيات النسائية (جمعية المبادرة الاجتماعية) أو التجمعات النسائية الموجودة، وتحضر رابطة النساء حالياً لطرح برنامج عمل مشترك. ويشكل هذا التعاون ملمحاً إيجابياً في مسيرة هذه الحركة.
رابطة النساء السوريات ـ دمشق مساكن برزة.
هاتف 5136884 ـ 3110725.
فاكس 4422383
عضو في اتحاد النساء الديمقراطي العالمي
عضو في محكمة النساء العربيات لمناهضة العنف ضد المرأة، لها مجلة بعنوان (نون النسوة).
الحركة الثقافية
حمل المثقفون لواء النهضة والتحرر مدافعين عن حق وطنهم العربي بالحرية والوحدة فتقدموا الصفوف ليصل بعضهم إلى أعواد المشانق في 6 أيار 1916.
وتركت معاهدة سايكس بيكو وتقاسم بلدان الوطن العربي أثراً سلبياً في الموقف من الغرب صاحب قيم الحرية والعدالة نظرياً والمستعمر عملياً، فاقترنت أفكار التحرر الوطني مع الأفكار القومية وبخاصة في كتابات ساطع الحصري وصدقي إسماعيل.. ونتيجة لانتشار أفكار الاشتراكية فقد اصطبغت بعض الكتابات بالنفس اليساري الذي لم تغب عنه الروح القومية والتحررية الوطنية (سليم خياطة).
وكان لخروج مجموعة من الأدباء والمثقفين من قلب الفئات الشعبية بعد الاستقلال دور في بروز محاولة لتوحيد الجهود فتأسست رابطة الكتاب السوريين 1954 لتتحول بعد ذلك إلى اتحاد للكتاب سرعان ماتم إيقافه بقرار من السلطات زمن الوحدة.
وتركت مساهمات المفكر ياسين الحافظ بصماتها على تطوير الفكر القومي وربطه بالديمقراطية كما ولعبت إنتاجات إلياس مرقص في نقد اليسار والنيل من (مقدساته) دوراً في فصم العلاقة بين المثقف المنفتح والسياسي ذي الأيديولوجية الضيقة، فاتسمت علاقة المثقفين بالأحزاب (عموماً) بالبرود والجفاء.
ولم يستطع اتحاد الكتاب العرب في القطر العربي السوري 1969 والذي تأسس بمرسوم رئاسي وجمع الأدباء من مختلف المشارب السياسية على أساس المبادىء الثلاثة: القومية والالتزام والتقدمية لم يستطع التعبير عن حركة المثقفين واتجاهاتهم الضاغطة وبخاصة أن اختيار رئيس الاتحاد وقيادته كان يتم بقرار سياسي فتحول الاتحاد إلى منظمة نقابية سياسية، بينما لجأ المثقفون إلى آليات خاصة للتعبير عن احتجاجاتهم بشكل منفصل عن آليات الاتحاد، فكان هناك بيان حول اقتحام مخيم تل الزعتر 1976 وبيان ضد قصف العراق 1991 وبيان للسينمائيين دفاعاً عن حصة السينما الوطنية من الدخل القومي (2000) وبيان الـ 99 (2000) وبيان المثقفين الداعي إلى مقاطعة البضائع الأمريكية (2000).
لقد تهيأت للحركة الثقافية في سوريا الجرأة والإمكانية على التعبير حين كان يعجز السياسي عن ذلك. فنشطت ضمن الحد الأدنى المتاح وكان لها نشاطات عديدة استطاعت التأثير في جمهور المتلقين.
لقاء المثقفين مع القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية 1979 وسجل هذا اللقاء على شريط وجرى تداوله بكثافة بين طلاب الجامعات السورية، سلسلة كتاب قضايا وشهادات 1989 ـ 1992 التي تناولت مراجعات نقدية من قبل مثقفين يساريين لتجربة انهيار الدول الاشتراكية (سعد الله ونوس ـ فيصل دراج…)، فعاليات الأسبوع السنوي لقسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة دمشق، فعاليات معرض الكتاب العربي، حركة مسرحية ناشطة في الثمانينيات، أفلام سينمائية تتجاوز الخطوط الحمراء، أسابيع ثقافية لدور نشر خاصة…
وتعمق هذا الدور أكثر ما تعمق في أواخر التسعينيات عبر عدد من الصحف العربية التي تناولت الوضع السوري بمختلف جوانبه وعبر بدء حركة المنتديات وصولاً إلى تكثيف حركة ضاغطة نحو الإصلاح والانفراج الديمقراطي بعد خطاب القسم للرئيس الشاب بشار الأسد تموز 2000 فكان أن توجه عدد من المثقفين برسائل إلى الرئيس للمطالبة بالتحول في المجتمع من »الرعية إلى المواطنة« ولعل الأبرز كانت رسالة المفكر أنطون مقدسي.
كما ولعب المثقفون الدور الأبرز في حياة المنتديات (سيجري الحديث عنها في حركة المجتمع المدني).
ولابد من الإشارة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تطوراً نوعياً في قدرة الحركة الثقافية في سوريا على التواصل مع الحراك المجتمعي الناشىء وفي التأثير فيه من خلال:
1 ـ تأسيس شركات إنتاج تلفزيونية خاصة أنتجت عدداً من المسلسلات التي استقطبت جماهيرية كبيرة من خلال لوحات جريئة إلى حد كبير فكسرت بذلك حواجز عديدة في أحاديث العامة.
2 ـ فتح بعض الصحف العربية لملفات عديدة لها علاقة بالوضع السوري فاستقطبت هذه الصحف أقلام العديد من أبرز المثقفين السوريين.
3 ـ الترخيص لعدد من الصحف الخاصة بعد صدور قانون المطبوعات الجديد وكان من أبرز هذه الصحف »الدومري« التي عادت السلطات وأوقفتها عن العمل مستفيدة من نصوص مقيدة في قانون المطبوعات نفسه.
4 ـ إحداث مواقع على الأنترنيت بعد أن توفرت هذه الخدمة بشكل لابأس به حيث لعبت هذه المواقع دوراً إيجابياً في تفعيل لغة الحوار المباشر وغير المباشر على الرغم من محاولات السلطات لحجب بعضها. وكانت هذه المواقع إما مواقع خاصة بالمعارضة ولكنها تنشر بعض مقالات الصحف الرسمية أو لبعض المدافعين عن وجهات نظر السلطة مثل (Thisissyria).
أو مواقع لتيار إصلاحي على صلة بشكل أو بآخر بالسلطة كموقع كلنا شركاء في بناء الوطن (all4syria).
كما ونشط عمل المجموعات الإلكترونية مثل Syrians3 أو كشكول.
لقد عكست هذه الفضاءات رغبة عارمة بالإصلاح والانفتاح على الآخر ـ كائناً من كان ـ كما وعكست الحاجة إلى إنضاج آليات للحوار الديمقراطي القائم على احترام حق الآخر بالتعبير عن رأيه.
واتكأ المثقفون السوريون على مواقع عربية أيضاً مثل موقع rezgar.
حركة المجتمع المدني
على الرغم من صعوبة عزل حركة المجتمع المدني عن الحركة الثقافية إلا أن تأثير العامل السياسي الكبير فيها وحداثة عهد الحديث بالمجتمع المدني كمفهوم ومن ثم انطلاق حركته يفرضان الفصل وإن بدا شكلياً لكنه إشكالي بالتأكيد.
بدأت الأصوات التي تتحدث عن مفهوم المجتمع المدني بالارتفاع خلال وبعد سلسلة الانهيارات في دول المنظومة الاشتراكية في سياق عملية نقد ومراجعة لهذه التجربة فعقدت ندوة »غرامشي وقضايا المجتمع المدني« 1991 ونشرت بعد ذلك في كتاب وبعد ذلك ظهر كتابا محمد كامل الخطيب »المجتمع المدني والعلمنة« 1994 ومحمد جمال باروت »المجتمع المدني مفهوماً وإشكالية« 1995.
كانت انتخابات مجلس الشعب العام 1998 انتخابات مميزة فلأول مرة يتقدم نائب مستقل د. (عارف دليلة) للانتخابات على أساس بيان سمي بالبيان الناري. ولأول مرة أيضاً تتحول مضافة أحد المرشحين (رياض سيف) إلى جلسات للحوار طالت مسائل هامة من حياة المجتمع. وتطرقت إحدى جلسات منتدى عمر أبو زلام (سوري اجتماعي) إلى نقاش حاد حول دستورية الانتخابات.
وكان خطاب القسم للرئيس حافظ الأسد 11/3/1999 في ولايته الأخيرة خطاباً حافلاً بالمفاهيم الجديدة: التحديث والتطوير ـ محاربة الفساد مع بعض الانفراجات في السياسة الداخلية السورية، وكذلك مع حضور بشار الأسد (نجل الرئيس) لبعض ندوات جمعية العلوم الاقتصادية.
مع كل هذه الأمور ومع احتدام أزمات الاقتصاد والمجتمع بدأ الاتجاه للاستفادة من هذا الانفراج السياسي فبدأت حركة المنتديات بشكل بسيط فكان أولها منتدى الحوار الثقافي نيسان 1999، الذي عالج مواضيع الثقافة الوطنية والإصلاح بكل جوانبه مستقطباً العديد من المثقفين والناشطين من مختلف المشارب وشجع خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد تموز 2000 على طرح مفهوم المجتمع المدني على بساط البحث بشكل واسع نظرياً والانتقال إلى دفع مسيرة بناء هذا المجتمع أو إحيائه بحسب البعض إلى الأمام.
ففي صيف 2000 بدأ النائب رياض سيف بمحاولته لإقامة جمعية أصدقاء المجتمع المدني وعندما لم يحظ بالموافقة المطلوبة أقام مع مجموعة من المثقفين منتدى الحوار الوطني أيلول 2000 وأحس بعض المثقفين اليساريين بخطورة استفراد الخطاب الليبرالي اليميني على منتدى الحوار الوطني فتداعوا إلى تأسيس منتدى لليسار 12/2000، ومن ثم تم افتتاح منتدى جمال أتاسي 1/2001 الذي أسس لقيام جمعية باسم منتدى جمال أتاسي للحوار الديمقراطي، والذي يعرف عن نفسه في اللائحة الداخلية المؤقتة بأنه »هيئة مستقلة تعنى بقضايا السياسة والفكر والثقافة وبتعزيز قيم الحوار الديمقراطي واحترام الرأي الآخر…«.
وفي هذا السياق تميزت محاولة عن مجرد كونها منتدى لتطلق على نفسها اسم لجان إحياء المجتمع المدني التي بدأت اجتماعاتها في 5/2000 قبل وفاة الرئيس حافظ الأسد وتعرف عن نفسها: »نخبة من المثقفين السوريين جاؤوا من منابت ومشارب فكرية وسياسية متنوعة لخلق مساحات من الفعل الإنساني المبادر والمستقل عن هيمنة السلطة. يتميز عملها بطابعه العلني والمباشر والذي يهدف إلى بناء أشكال جديدة من العلاقات بين السلطة والمجتمع تنهض على أسس من الحرية والتعددية واحترام الآخر«. »تحاول ردم الهوة بين العمل السياسي شبه المحرم والسلبية السائدة في أوساط الشعب…«. »وتبدي اهتماماً خاصاً بتنشيط المنظمات المجتمعية والسياسية… كما تعمل على نشر روح المبادرة بين المواطنين…«. لا تمتلك بنية تنظيمية وليس فيها مواقع قيادية »كل واحد منها هو مركز بحد ذاته« ونشط في هذا المجال أيضاً منتدى د. جورجيت عطية الذي كان في الأصل منتدى ثقافياً، كما وانطلقت »اللجنة الوطنية لمقاطعة البضائع والمصالح الأمريكية في سوريا بعد بيان المثقفين الداعي إلى تشكيلها 11/2000 باعتبار المقاطعة فعلاً مقاوماً سلمياً طوعياً.
وتشكلت من ثم لجنة تنسيق المظاهرات اليومية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ولجنة نصرة فلسطين ونصرة العراق وفلسطين.
لقد قامت هذه الحركة عموماً تلبية لحاجة موضوعية في إعادة الحياة للمبادرات المجتمعية المستقلة عن القرار الحكومي سواء في طرح ومناقشة القضايا المفتاحية في الوضع السوري (سياسياً ـ ثقافياً ـ اجتماعياً…) أو في إطلاق حملات تضامن شعبية بعيدة عن الشكل الرسمي الإلزامي.
وشكلت هذه الحركة أيضاً اختباراً حقيقياً لقدرة تفاعل المجتمع السوري مع قضايا الوطن الصغير والكبير حيث ظهر أن المنتديات لم تستطع أن تستقطب إلا مثقفين وناشطين سياسيين بينما تركت الفعاليات التي قامت بها اللجنة الوطنية لمقاطعة البضائع الأمريكية وإلى حد ما لجنة تنسيق المظاهرات تفاعلاً إيجابياً محدوداً مع القاعدة الشعبية العريضة التي كانت تنظر بعين التعاطف مع الاعتصامات والمسيرات لكنها كانت تستمر بالوقوف على هامشها طالبة البيان أو مطلقة بعض العبارات المشجعة والداعمة.
وتأثرت هذه الحركة بالحملة المضادة التي بدأت في أواخر كانون 2 2001 واشتدت حدتها بعد اعتقال عدد من الناشطين فيها والحكم عليهم بأحكام تتراوح من سنتين ونصف إلى عشر سنوات وبشكل خاص بعد طلب السلطات الأمنية إلى مجالس إدارة هذه المنتديات بتقديم ملخص عن الندوة المزمع عقدها واشتراط عدم دعوة أسماء محددة فتوقفت معظم المنتديات باعتبار أن الظرف لا يوفر الحد الأدنى من حرية العمل.
ومع ذلك فإن هذه الحركة قد ساهمت بشكل كبير في تحريك الركود في الحراك المجتمعي السوري وأسست لتفاعل حواري استقطب تيارات متعددة من المثقفين والناشطين وممثلي الأحزاب ومن بينها حزب البعث الحاكم ـ في حركة علنية غابت لعقود في سوريا.
1 ـ منتدى الحوار الثقافي
دمشق ـ دمر 3110725 ـ
تتلخص أهدافه بإقامة فرص للحوار حول مختلف القضايا، وعكس المشاركون في فعالياته رحابة الطيف الاجتماعي والسياسي السوري.
2 ـ لجان إحياء المجتمع المدني:
في عدد من المحافظات السوري
وهي لجان متعددة تنشأ حسب الحاجة في أي مجال من مجالات الحياة الاجتماعية تصدر مجلة اسمها المواطن.
من أبرز المشتغلين فيها ميشيل كيلو ـ د. عبد الرزاق عيد ـ جاد الكريم الجباعي ـ نجاتي طيارة ـ د. مية الرحبي.
وتهدف إلى إعادة تنشيط الفعاليات المجتمعية وبعودة السياسة إلى المجتمع باعتبارها فعلاً بناءً. لها موقع إلكتروني www. Almowaten. Org، ينشر العديد من المقالات وفتح ملفات في قضايا متنوعة.
3 ـ منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي
دمشق ـ المزة
1 ـ جمعية لها لائحة داخلية ومجلس إدارة
2 ـ تعمل على المساهمة بتأصيل الثقافة العربية وتجديدها لمواكبة تطورات العصر.
3 ـ إتاحة ساحة مفتوحة للحوار.
4 ـ الدفاع عن الثقافة العربية وهويتها الحضارية مع الانفتاح على الثقافات الإنسانية والتفاعل معها من مواقع ثابتة الجذور.
5 ـ مواجهة كافة أشكال الاختراق الصهيوني وكافة أشكال التطبيع.
6 ـ المساهمة في إغناء المشروع النهضوي العربي.
وهي إن كانت تحمل اسم الأمين العام السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي في سوريا إلا أن مجلس إدارتها يضم شخصيات من مشارب فكرية وسياسية مختلفة ولكنها في صف المعارضة.
4 ـ اللجنة الوطنية لمقاطعة البضائع والمصالح الأمريكية في سوريا
دمشق
تعمل على:
1 ـ نشر الوعي بالدور الأمريكي المعادي لمصالح الشعوب.
2 ـ تعزيز الثقة بالذات الوطنية وترسيخ عوامل الصمود.
3 ـ تفعيل المقاطعة العربية لإسرائيل.
4 ـ التعاون مع جميع القوى لمواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني.
5 ـ مساندة الانتفاضة.
6 ـ المشاركة في الجهود الشعبية الرامية إلى تفكيك وإلغاء الحصار على الشعوب العربية وهي تضم مجموعة من المنظمات المدنية والأحزاب والشخصيات المستقلة وتصدر مجلة بعنوان المقاطعة كما وتقيم فعالياتها في الساحات العامة بغية التوجه مباشرة للمواطن برسالتها الداعية إلى المقاطعة.
5 ـ منتدى جورجيت عطية
وهو منتدى ثقافي في الأصل واشتغل مراراً على قضايا النساء، لكنه ساهم في النقاش الدائر حول قضايا الوضع السوري.
حركة حقوق الإنسان
بدأت حركة حقوق الإنسان من خلال رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان التي تأسست في 7/8/1962 واستمرت حتى أواخر الستينيات ثم توقفت عن العمل وعادت للنشاط مع نشاط نقابة المحامين بعد حركة الإخوان المسلمين وردود السلطات عليها فأعادت طبع نظامها الداخلي عام 1978 إلا أنها توقفت عن العمل مع حل مكاتب النقابات المهنية (ومنها المحامين) وتعيين مكاتب جديدة وتوقف العمل في هذه الحركة حتى تأسيس لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في 10/12/1989 في مرحلة حرجة فكانت أول تحرك بعد خمود عام. ونشط فرع الخارج الذي تأسس عام 1990 في باريس.
أصدرت العديد من البيانات للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وإطلاق الحريات العامة وتفعيل الدستور.
أصدرت 3 أعداد من مجلة »صوت الديمقراطية« وتقريراً سنوياً واحداً عن أوضاع حقوق الإنسان.
وجهت السلطة ضربة لها في الشهر الأخير من 1991 فتابع فرع الخارج عمله بإصدار »صوت الديمقراطية« والتقرير السنوي.
استمرت المنظمة بعلاقاتها الخارجية، ومفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة اعتبرت اللجان مصدراً موثوقاً.
بدأ العمل من جديد عام 1998 وفي عام 2000 انعقد الاجتماع الترميمي للمنظمة لها علاقة بـ 700 منظمة معنية عربية ودولية وشاركت في أكثر من 80 مؤتمر دولي وأكثر من 30 مؤتمر عربي.
لها فروع في كل المحافظات السورية وكذلك في 12 دولة أوروبية، وتصدر مجلة أمارجي.
وضمن سياق حركة المنتديات تشكل المنتدى الثقافي لحقوق الإنسان (المحامي خليل معتوق) الذي توقف عندما تم منع المنتديات من العمل.
وفي عام 2001 تأسست جمعية حقوق الإنسان في سوريا التي انتخبت مجلس إدارة لها ووضعت نظاماً داخلياً وتقدمت بطلب للترخيص لكنها لم تحصل عليه.
شكلت العديد من اللجان من أبرزها: لجنة أهالي المعتقلين ـ لجنة الدراسات والبحوث التي أصدرت مجلة تيارات وأصدرت مجموعة من التقارير (تقرير عن واقع التعذيب في سوريا تقرير عن واقع الأكراد المجردين من الجنسية ـ تقرير حول سكان قرية ترحين).
ولا يتوقف العمل في حركة حقوق الإنسان على الجمعيات الخاصة بها بل يتعداها إلى مجمل الحراك الاجتماعي الناشىء بمثقفيه وناشطيه السياسيين عبر المساهمة في الاعتصامات التضامنية أثناء محاكمات معتقلي الرأي وفي تعميم البيانات الخاصة.
وخطت هذه الحركة خطوة هامة يوم 10 كانون الأول 2003 عندما اعتصمت مجموعة من اللجان والجمعيات والأحزاب السياسية أمام مقر مجلس الوزراء وقدمت مذكرة إلى رئيس المجلس للمطالبة بـ رفع حالة الطوارىء وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتفعيل قوانين المساواة بين المواطنين وإطلاق الحريات العامة.
كما ويبرز في هذه الحركة بعض المثقفين الذين يساهمون في إغناء المفهوم نظرياً ومنهم الباحث رضوان زيادة ـ د. حسان عباس.
الحركة المناهضة للعولمة
لم يخل المشهدان الثقافي والسياسي السوريات من ندوات أو محاضرات حول العولمة ومخاطرها منذ بداية مرحلة تداول هذه الكلمة وذلك على الصعيدين الرسمي والشعبي (أدبيات حزب البعث الحاكم ـ أدبيات أحزاب الجبهة ـ مذكرات النقابات وبخاصة اتحاد نقابات العمال ـ محاضرات عديدة في المراكز الثقافية ـ ندوات لبعض المنتديات والجمعيات غير الحكومية…).
لكن تجميع الجهود لتشكيل إطار ما يفعل الحركة المناهضة للعولمة لم يبدأ إلا في صيف 2002 عندما اتفق مجموعة من الناشطين ذوي الاتجاهات اليسارية على إقامة تجمع »ناشطو مناهضة العولمة في سوريا« على غرار ما حصل في بلدان عديدة في العالم وفي الوطن العربي وللتصدي لاستحقاقات العولمة على المستوى الوطني والعربي.
وكان الإعلان الرسمي عن التشكيل في بداية عام 2003 مع إصدار العدد الأول من نشرة البديل التي طبع في رأس صفحتها الأولى شعار »من أجل عالم أفضل«.
إلا أن الوثيقة الأساسية لم تصدر إلا في العدد 6 من البديل آب 2003 حيث حددت نوع العولمة التي تناهضها المجموعة وهي »الهجوم المتوحش لليبرالية الجديدة… والخطاب العنصري لمنظري العولمة ـ صراع الحضارات… وسياسة الإنفاق العسكري والتسلح المجنون للإدارة الأمريكية…«. وأكدت على أن هذه الحركة »تسعى لأن تكون جزءاً من الحركة العالمية المناهضة للعولمة… ولخلق شبكة عربية… كجزء من الحركة العالمية…« كما وحددت مهامها على المستويات العالمية والعربية والمحلية.
أما آليات عملها فلقد اعتمدت:
1 ـ إصدار نشرة إلكترونية في موقعها:
www.albadil. net.
2 ـ عقد الندوات والمحاضرات.
3 ـ القيام بكل أشكال النشاط الجماهيري العلني والسلمي.
4 ـ يتشكل الناشطون في مجموعات عمل يقوم التنسيق بينها.
إن الولادة الحديثة لهذه الحركة لا تمنع من القول بأن مشاركتها في كل الفعاليات الجماهيرية المستقلة كانت مشاركة فعالة وبخاصة أن نسبة الشباب والنساء ضمنها كبيرة، كما وأنها تشد أنظار ناشطين في أحزاب سياسية متنوعة للانخراط فيها.
وتعمل على التنسيق مع مجموعات عربية: أتاك المغرب ـ أتاك تونس ـ أجيج المصرية.
إرهاصات جديدة:
1 ـ لعب قانون السماح لأحزاب الجبهة بإصدار صحف خاصة بها دوراً في إغناء الساحة الإعلامية، وعلى الرغم من أن أغلب صحف الجبهة استمرت بالصدور بنفس الروحية السابقة (كأنها منشور حزبي) إلا أن جريدة »النور« (الحزب الشيوعي السوري ـ فيصل) اختطت طريقاً مغايراً (بشكل نسبي) فلم يخل عدد من أعدادها من مواضيع مناهضة العولمة أو بحث مشاكل الإصلاح الاقتصادي (77 مقال). كما انفردت بإيراد الأخبار الممنوعة عن التحركات الفلاحية العفوية (في أراضي المشروع الرائد) أو أي حركات احتجاجية أخرى (احتجاج أهالي الكباس)، وتركت مقالاتها المطالبة بالانفراج الديمقراطي والتي حملت شيئاً من الاحتجاج على أحكام المحاكم الاستثنائية أثراً طيباً في الحراك الناشىء.
2 ـ كما ويجري تنشيط دور الشباب بغية إحياء الحركة الشبابية التي توقف نشاطها بعد قيام الجبهة الوطنية التقدمية 1973 والتي حظر قانونها العمل بين الشباب إلا لحزب البعث، فكانت الانتفاضة الثانية مناسبة لقيام العديد من التجمعات والنشاطات الشبابية المؤيدة والتي كان أكبرها مهرجان في دمشق (ساحة عرنوس ـ نيسان 2002) والذي أقامه اتحاد الشباب الديمقراطي وحضره آلاف الشباب. كما تعددت اللجان الشبابية المستقلة وبخاصة في إطار الجامعات السورية التي غاب عنها النشاط منذ عقود حيث ارتفعت نسبة مساهمة الشباب المستقل في الفعاليات التضامنية، وكذلك أقيمت العديد من الفعاليات داخل حرم الجامعة.
3 ـ نتيجة لمصادرة أراضي الفلاحين في منطقة الغمر (المشروع الرائد) وتصفية مزارع الدولة بدعوى خسارتها استعاد بعض الملاك أجزاءً من ملكياتهم السابقة فقام بعض الفلاحين بحركات احتجاجية لكنها بقيت محدودة وضعيفة وغير موحدة وسرعان ما توقفت.
4 ـ كان لجو الانفراج النسبي الحاصل بعد خطاب القسم للرئيس الشاب والحديث عن »الإصلاح والتطوير« وعن »الآخر« صداه في بعض النقابات المهنية فلقد بادرت نقابة المحامين بتوجيه رسالة إلى الرئيس للمطالبة برفع حالة الطوارىء ومن ثم مذكرة لإلغاء المحاكم الاستثنائية وبشكل خاص محكمة الأمن الاقتصادي كما وتعددت أطروحات المحامين (لنيل لقب محامٍ) التي تتحدث عن عدم دستورية المحاكم الاستثنائية وفرض حالة الطوارىء.
كما ورفعت نقابة المهندسين العديد من المذكرات الاحتجاجية على تعرض كثير من أعضائها (على اعتبار أن المهندسين يشغلون مهام قيادية في الجهاز الحكومي) لأحكام قاسية بل وغير عادلة من محكمة الأمن الاقتصادي وبخاصة في حوادث: انهيار سد زيزون ـ مشروع الصرف الصحي…
خاص – صفحات سورية –