فراغ لا يملؤه الجدد
حنا مينه
لكل أجل كتاب، وحين يجيء الأجل لا يمكن إلا أن نخضع لإرادة الله التي حددت أجلنا في يوم وساعة، ويؤسفني بهذه المناسبة أن أعود إلى عدد كبير من المبدعين الذين رحلوا في الأعوام القليلة الماضية من محمد الماغوط، إلى العجيلي، وسهيل ادريس والطيب صالح أخيراً، لا نملك اتجاه القدر الذي يحكمنا جميعاً إلا أن نطلب الرحمة لهؤلاء الأعزاء من المبدعين الكبار الذين رحلوا فتركوا فراغاً كبيراً في المجال الإبداعي العربي، لأنه من البـدهي أن المبــدعين ليس لهم وقت محدد أو شروط محددة.
لقد سمعنا في السنوات الأخيرة من الشباب، الذين لهم المستقبل كلاماً فيه استعجال، قالوا فيه إنهم جيل بلا أساتذة، وهذا ليس لمصلحة هؤلاء الشباب فحتى الفلسفة اليونانية قالت لا شيء يخرج من لا شيء. وهذه مسألة موضوعية، لقد تعلمنا على يد أساتذتنا الكبار ونحن سنرحل بدورنا. إن هذا النكران فيه بعض التشوف والغرور وبعض الاستسهال، وأنا أحب بهذه المناسبة أن أعلق أملاً كبيراً على الشباب أن يتمهلوا وأن يمتلكوا معلمية الإبداع ومعلمية الكتابة، ولست راضياً عن الأدب الإباحي المتبع هذه الأيام والأدب الذي يتعلق بالجسد فقد طال الكلام على الجسد وذاكرة الجسد. أما رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) فقد كانت رواية عظيمة جداً، لكنني بصرف النظر عن مأخذي السياسي عليها، فإنني أقدر كاتبها المرحوم الطيب صالح الذي كنت ألتقيه في مناسبات بعيدة وقد فجعت اليوم بهذا النبأ الذي ذهب بمبدع كبير في عربة الموت إلى اللانهاية.
إنني أقدر المرحوم الطيب صالح وأرثيه وأبكيه وأبكي كل مبدع يغيب عن الدنيا العربية، لأن الأعوام الأخيرة شهدت رحيل عدد كبير من المبدعين العرب، ومع ايماني بالشباب فإن الفراغ الذي تركه هؤلاء الراحلون ليس بالإمكان أن يملأه جيل الشباب بسهولة. رحم الله الطيب صالح، والعزاء لعائلته ولأسرة الإبداع العربي كلها.