إلى بسّام: رسالة بمفردات قليلة
حسن ياغي
لم نلتقِ مرّة في مقهى،
لم تجمعنا مرة مناسبة عامة،
لم نشرب معاً كأساً، أبداً
لم أزرك مرة في منزلك، ولم تزرني في منزلي،
لم نتبادل تحيات الأعياد،
…
ومع ذلك كنا صديقين،
كنت تزورني دائماً في مكان عملي، أما أنا فقد زرتك مرات قليلة في مكان عملك.. هذا كل شيء.
ومع أن هذا كل شيء. لا أعرف لماذا أحسست بكل هذا الضيق، وحزنت كثيراً،
لا أعرف لماذا أغصّ بالبكاء، كلما فكَرت بأنني لن أراك مرة أخرى
لا أعرف لماذا أحسّ بخسارة كبيرة!
نعم أحسّ بخسارة كبيرة، نعم أيها الشاعر بمفردات قليلة، أيها الشخص الرقيق الذي كنت أهابه. لا أظن أن أحداً غيري كان يهابك.
نعم كنت أخاف أن تزعل مني فلا تعود لزيارتي، ولا ترسل لي ما كنت تكتبه، ولا تحدّثني عن الكتب التي أنشرها، ولا تقول لي رأيك في الكتب التي أقول لك أن تقرأها. ولا تتصل بي لتسألني ما إذا أعجبني ما ترسله لي. أو أعجبك ما أرسله إليك.
كنت أخاف هذه الخسارة، وكنت أحسّ أنها لو وقعت ستكون خسارة كبيرة لي.
“سوف تحيا من بعدي”
كلما توفي شخص تبدأ الحكايات عنه، يمكننا أن نحكي حكاية أو حكايات عن أي شخص يموت، ومع ذلك، وأنا أحسّ بالخجل من بساطة ما أكتب، أحكي حكاية “سوف تحيا من بعدي”.. أحكيها ليس لأجلك، بل لأزيح عن نفسي هذا الحزن، لأضحك كما ضحكت يوم جئت إليّ وقلت لي: هذا كتاب لتنشره. وعندما قلّبت الكتاب قلت لك: يا بسّام هذا شعر، أرجوك لا تحرجني. أنت تعرف كم سيحرجني الأمر مع عدد كبير من الأصدقاء.
فقلت لي هذا ليس شعراً، انشره وأكتب عليه بخط عريض: هذا ليس شعراً،هذا ما شبّه لكم، “إنه ما يشبه الشعر”. وحكيت لي حكاية الرجل الذي أزعجه تجمّع النمل على “السكرية” في منزله، فكتب على “السكرية”: هذا ملح. ضحكت كثيراً، ليس بسبب النكتة القديمة، ولكن بسبب طريقتك التي بدت طفولية، بدت طافحة بالمودّة والقرب.
عندما قرأت “سوف تحيا من بعدي” قلت لنفسَي، ولم أقل لك، بل هذا من أجمل الشعر.
وضحكت أنت يوم رأيتني وقد كتبت على غلاف المجموعة: “شعر” وقلت لي لماذا تضعها بهذه الطريقة وبهذا المكان كأنك تنفيها. أذكر الآن ” سوف تحيا من بعدي” وأعرف أنه سوف يحيا من بعدك.
“لا تذهب إلى الجوار المخيف”