المهمة على طريق الإنجاز ؟
محمد ابرهيم
قبل أشهر على الانتخابات الرئاسية الاميركية يسجل الوضع العراقي تطورات “ايجابية” من منظار الازمة الاساسية التي استغرقت معظم رئاسة جورج بوش.
التطورات “الايجابية” تزامنت مع بلوغ القتلى الاميركيين منذ الغزو اربعة آلاف، وهو رقم يبقى بعيدا من الرقم الفييتنامي (حوالى 58 الفا)، لكنه يذكر بالنزيف المستمر، وتاليا الحاجة الى قرار استراتيجي بالبقاء او الانسحاب.
“ايجابيات” الوضع من الزاوية الاميركية يمكن تلخيصها بتطورين:
نجاح الاميركيين في تحويل النقمة السنية على انهيار النظام القديم في اتجاه “القاعدة” بعدما كان هدفها الاساسي الجنود الاميركيين، والشيعة عموما. وفي هذا السياق يأتي تشكيل “مجالس الصحوة” بتمويل مباشر من قوات الاحتلال. هذه المجالس التي افتتحت “الحرب الاهلية” السنية – السنية وانشأت ما يمكن اعتباره الميليشيا النظامية السنية الموازية للقوات النظامية – الميليشيوية المتمثلة في قوى الامن الرسمية.
نجاح الاميركيين بالواسطة، عندما اعلن رئيس الوزراء المالكي الحرب على “جيش المهدي” انطلاقا من البصرة. وبذلك افتتح رسميا الحرب الاهلية الشيعية – الشيعية على طريق توحيد البندقية “الشيعية”، حتى لا تبقى موزعة بين خيارات عدة مختلفة “المربط” الخارجي. فالتيار الصدري كان موئلا للمعادين للولايات المتحدة وللساعين الى رد مذهبي على عمليات “القاعدة”، والمفتتحين لعلاقة خاصة بطهران، بجدول اعمال بعيد عن جدول الاعمال الشيعي الرسمي، رغم ان القوى الشيعية المشكِّلة للحكومة ليست بعيدة من طهران، تاريخيا، وراهنا.
المواجهة الاخيرة بين قوات حكومة المالكي و”جيش المهدي” رغم انها لم تنته بشكل حاسم، سجلت تقدما بارزا للشيعية الرسمية المتحالفة مع واشنطن على حساب الشيعية الشعبية التي تضع القوات الاميركية على رأس اعدائها.
المسافة لا تزال طويلة امام لقاء البندقيتين: الشيعية الرسمية والسنية شبه الرسمية. لكن البندقيتين تقفان حاجزا امام انهيار الوضع العراقي الى حالة الحرب الاهلية المذهبية المعممة التي كانت في الافق قبل سنة. ويمكن هذه القوى ان تشكل قاعدة للمساومات على المستوى “الحكومي” لاعادة توزيع السلطة بما يكفل مشاركة سنية لا يكون اعتبارها الاول النسبة العددية للسكان كما كان معروفا في الفترات الاولى لتشكيل السلطة السياسية لعراق ما بعد الاحتلال.
في موازاة ذلك كان النجاح الثالث للسلطة التي تقف وراءها القوات الاميركية هو انتقال الحكومة، الشيعية اساسا، الى علاقة جديدة مع الاكراد، وذلك من موقع تمثيل العراق وليس تمثيل احد مذاهبه. وكان الخلاف على حدود الكيان الكردي في الشمال، وطرق استثمار النفط وتوزيع عائداته مؤشرا الى ان الحكومة تطمح الى تمثيل عراق واحد ما وليس مجرد تجاور كيانات تنتظر البلورة تمهيدا لإعلان ولاداتها المستقلة.
نقطة ضعف هذه “الايجابيات” هي الوضع “الخارجي” للقوات الاميركية. فتراكم التحسنات يتطلب مدى زمنيا لا علاقة له باعتبارات بقاء الجيش الاميركي في العراق، وهي اعتبارات اميركية داخلية اولا.
الحملة الانتخابية الرئاسية الاميركية تعد بمفاجآت كثيرة. أولاها عدم اتضاح المرشح الديموقراطي، وثانيها عدم وضوح الفائز المتوقع من السباق الديموقراطي – الجمهوري. وفي الحالين يبدو “المصير العراقي” غامضا اذا انطلقنا من ان مصير الوضع الداخلي في العراق ما زال يتحدد انطلاقا من ثابت وجود القوات الاميركية الى امد غير محدد.
المرشحون الاميركيون يبدون التزامات غامضة تجاه العراق. والغموض يشمل حتى ماكين واوباما اللذين يمثلان النقيضين، بالنسبة الى مستقبل القوات الاميركية في العراق، فلا طبيعة البقاء الجمهوري معروفة ولا طبيعة الانسحاب الديموقراطي يمكن تقدير مداها منذ الآن.
لذلك يمكن القول ان الوضع العراقي يشهد اليوم صورة مقلوبة لما كان عليه الوضع مع بداية الغزو. فمع سقوط صدام حسين كانت المعادلة رسوخ الوجود العسكري الاميركي وهشاشة البنية السياسية العراقية التي حلت محل النظام السابق. ومع اقتراب رحيل بطل الغزو جورج بوش، تظهر ملامح معادلة جديدة حيث الوجود الاميركي هش، وهناك بداية لرسوخ سلطة سياسية بالاستناد الى “قوى ارضية” واضحة، وقابلة للتفاوض والتسويات.
ربما يمكن الرئيس الاميركي المقبل، سواء أكان جمهوريا ام ديموقراطيا ان يقول ان “المهمة انجزت” بتأخير سنوات طوال لم تكن في التخطيط الاصلي لمهمة كان الاغراء الاكبر فيها… سهولتها الفائقة.