الثابت والمتغيّر في السياسات الأميركية الشرق أوسطية
ماجد كيالي
يحظى السباق إلى البيت الأبيض، كما في كل مرة، باهتمام دولي بالغ، ذلك أن حدث الانتخابات الأميركية ليس مجرد شأن داخلي، والولايات المتحدة ليست دولة منطوية على نفسها، ولا مجرد دولة عادية.
بالنسبة لمنطقتنا فإن السباق الانتخابي الأميركي، هذه المرة، يحتل حيزاً كبيراً في اهتمامات المعنيين والمحللين، لأسباب عدة، أهمها: 1) الوجود العسكري الأميركي المباشر في العراق، أي في قلب المنطقة العربية. 2) الحرب الدولية، والأميركية خصوصاً، ضد الإرهاب، مع ما يستدعيه ذلك من تداعيات في المنطقة العربية. 3) صراع القوى على الشرق الأوسط، لا سيما بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران من الجهة المقابلة، خصوصاً على خلفية سعيها لحيازة قوة نووية، وتزايد نفوذها في الشرق الأوسط من العراق إلى لبنان وفلسطين. 4) طبيعة السياسة الأميركية إزاء المنطقة العربية، لا سيما بالنسبة لقضيتين أساسيتين: أولاهما، مسير مشاريع التغيير والإصلاح ونشر الديموقراطية التي كانت تبنتها إدارة بوش، وثانيتهما، مصير عملية التسوية، على ضوء العلاقة الوثيقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل.
وربما ثمة مبالغة في التعويل على شخصية الرئيس الأميركي القادم في إحداث تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية (سواء برئاسة أحد الديموقراطيين كلينتون أو أوباما، أو الجمهوري ماكين)، فهذه السياسة تصنعها المؤسسات ومراكز القوى ولوبيات الضغط، وترتبط بمصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والأمنية، وطريقة فهمها لصراع القوى، ونهجها في التعامل مع الأزمات الدولية والإقليمية. ويستنتج من ذلك أن التغيرات التي سيحدثها مجيء إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض لن تمسّ بجوهر السياسة الاستراتيجية الأميركية التي تتركز على المحور التالية:
1 ـ عدم السماح لأية قوة دولية أو إقليمية بالسيطرة على الشرق الأوسط، لأهميته للعلاقات الدولية من النواحي الاستراتيجية، الجغراسية والنفطية.
2 ـ التحكم بموارد النفط من المنابع إلى الممرات إلى الأسواق، باعتبار ذلك ضرورة للتحكّم بالهيمنة السياسية والاقتصادية على الصعيد الدولي.
3 ـ ضمان أمن إسرائيل وتفوقها النوعي، عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً.
4 ـ المحافظة على استقرار المنطقة العربية وضمان استقرار مصالحها فيها.
ويمكن تفسير ثبات الاستراتيجية الأميركية إزاء المنطقة بعدة اجتهادات منها:
1 ـ أن الولايات المتحدة الأميركية غير معنية، تماماً، بإيجاد حل نهائي للصراع العربي ـ الإسرائيلي وإنما هي معنية فقط بإدارته بحسب مصالحها الإقليمية والدولية في هذه المرحلة، في ما يعرف بسياسة “إدارة الأزمات”، وليس محض صدفة إطلاق اسم “صناعة السلام” على عملية المفاوضات.
2 ـ يتجاذب الولايات المتحدة اتجاهان: الأول يطالب بالالتفات بشكل أكبر نحو القضايا الداخلية لتطوير الإدارة الاقتصاد وتخفيض الأعباء الضريبية، لتحسين موقع أميركا في الصراع الدولي بالتنافس مع الأقطاب الصاعدين (اليابان ـ أوروبا ـ الصين) ما يعني التخفيف من الالتزامات الأميركية في الخارج، أما الثاني فيعتبر أن الولايات المتحدة معنية بالهيمنة على العلاقات الدولية، وأنها يجب أن تعزّز التزاماتها الخارجية، وضمن ذلك التزامها أمن إسرائيل وضمان تفوقها، والحدّ من تزايد النفوذ الإقليمي لإيران. أيضاً وفي إطار هذين الاتجاهين تبرز، مجموعتين أولاهما تمثل مصالح الشركات متعددة الجنسية (وبخاصة لوبي النفط) التي تطالب بتعزيز الاهتمام بالمبادرة الاقتصادية، وتخفيف الأكلاف العسكرية وتحقيق مزيد من الاستقرار في المنطقة وحل قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ومن الجهة المقابلة المجموعة التي تمثل المجمع الصناعي الحربي الذي يعتبر أن القوة العسكرية هي أساس جبروت أميركا وهيمنتها على الصعيد الدولي، عدا عن أهمية هذا المجمّع لتطور الاقتصاد والتكنولوجيا في الولايات المتحدة، وهذا المجمع يولي اهتماماً كبيراً لأمن إسرائيل ومتطلباتها.
3 ـ اعتقاد الأوساط النافذة في الولايات المتحدة أن السياسة الشرق أوسطية لأميركا غدت متحررة تقريباً من أية قيود واعتبارات دولية، (ما عدا الاعتبارات الإسرائيلية)، خاصة بعد انتهاء عالم الحرب الباردة، وربما أن الوضع الإيراني بات وحده يشكل عامل إحراج وتحدٍ للسياسة الأميركية في هذا المجال، وهو ما تفكر الولايات المتحدة بوضع حد له، بطريقة أو بأخرى.
4 ـ بحكم العلاقة الخاصة التي تربط أميركا بإسرائيل، وبحكم الروابط والمصالح المختلفة فإن أميركا تعتقد أن أية خطوة من جهتها للضغط على إسرائيل من شأنها أن تضعف مركز إسرائيل السياسي والأمني مقابل العرب، وخلخلة المجتمع الإسرائيلي الذي يعتمد إلى حد كبير على ضمانات الولايات المتحدة لأمنه، كما من شأنه أن يكسر التوازن فيه بوصفه مجتمعاً استيطانياً مصطنعاً يعتمد أساساً على التوافق والإجماع الداخلي لا على (القسر والإكراه) في إطار من التوازنات التي تعتمد اللعبة الديموقراطية في اتخاذ القرارات.
5 ـ إن السياسة الأميركية إزاء إسرائيل لا تستند إلى المصالح السياسية فحسب، وإنما أيضاً إلى كثير من الروابط الثقافية والتاريخية. فالولايات المتحدة هي نفسها نشأت بنتيجة الاستيطان وعلى حساب السكان الأصليين، وبوسائل القوة والهيمنة، ثم إن انتشار المذهب البروتستانتي في المجتمع الأميركي يجعل من دعم إسرائيل باعتبارها دولة اليهود قضية فردية، ما يؤكد أن مواقف إسرائيل المتعنتة في التسوية إنما تستمدّ قوتها من معطى أميركي داخلي أيضاً.
بكل الأحوال وطالما أن الأوضاع الدولية لم تتغير، فالمتوقع استمرار السياسة الأميركية على ثوابتها في الشرق الأوسط، مع كلينتون أو أوباما أو ماكين، طالما بقيت عوامل الضغط العربية محيدة، وطالما بقيت السياسة العربية لا تؤثر على المصالح الأميركية في عالم يقوم على أساس المصالح المتبادلة.
المستقبل – الاربعاء 2 نيسان 2008 9