هل عودة النظام السوري للإجماع العربي ضرورة عربية؟
أحمد أبو مطر
نقلت أخبار الأيام القليلة الماضية تفاصيل عن الاتصالات السعودية السورية التي توجت بزيارة الأمير مقرن بن عبد العزيز، رئيس جهاز الاستخبارات السعودي لدمشق يوم الأحد الخامس عشر من فبراير الحالي ، و لقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد ، مما اعتبره المراقبون خطوة جديدة إلى الأمام بعد اللقاء القصير الذي جمع العاهل السعودي والرئيس السوري في قمة الكويت الاقتصادية . هذه الخطوة السعودية كانت قد سبقتها خطوات أخرى غير علنية من بينها زيارات مسؤولين كبار من الطرفين لعواصم البلدين، و أيا كان الطرف المبادر للقيام بتلك الزيارات فهي تعبر عن رغبة متبادلة لإعادة العلاقات الأخوية الطبيعية بين البلدين بعد خلافات عمرها على الأقل أربعة سنوات، أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير عام 2005 ، والتعقيدات التي أحدثها موضوع تشكيل المحكمة الدولية للتحقيق في حادثة الاغتيال ومعاقبة مرتكبيها أمام محكمة دولية ، وما تلا ذلك من هبّات شعبية لبنانية عارمة ، أدت إلى القرار السوري بالخروج الإجباري من لبنان الذي بدأ يوم الخامس من مارس 2005 وانتهى يوم السادس والعشرين من أبريل 2005 ، منهيا وجودا عسكريا سوريا دام حوالي ثلاثين عاما، مصادرا كافة نواحي الحياة اللبنانية لحساب النظام السوري خاصة آنذاك في ظل عدم الاعتراف السوري الرسمي باستقلال لبنان ورفض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، رغم عضوية لبنان في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة العالمية.
الانقسام إلى معسكرين ضبابيين
من ضمن الأحداث التي أدخلت تطورات وتعقيدات على المشهد العربي خاصة السوري السعودي، الحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل في تموز 2006 ، والموقف السوري الرسمي المزايد على مواقف بقية الأنظمة العربية، خاصة أن كافة المواقف العربية المؤيدة والمبدية ملاحظات على الحرب وتطوراتها ، كانت مواقف نظرية لم تخرج عن دائرة الحبر على الورق، فلا الأنظمة المؤيدة زحفت قواتها العسكرية لدعم حزب الله، ولا الدول المبدية بعض الملاحظات تقاعست عن الدعم المعنوي للبنان كدولة لها سيادة واستقلال. وبالتالي فإن تقسيم العرب لمعسكري ( ممانعة ) و ( اعتدال ) ، كان وما يزال كلاما نظريا للمناكفة فقط ، فالمعسكران لا يمانعان في الصلح مع دولة إسرائيل ، وزعيم ( الممانعة ) النظرية – النظام السوري – يجري منذ زمن الرئيس حافظ الأسد مباحثات علنية مع إسرائيل ، وتستمر المباحثات في زمن الرئيس بشار الأسد مرات مباشرة ومرات بوساطة تركية ، وبالتالي فإن تقسيم العرب إلى هذين المعسكرين لا أساس له في الواقع، وهو مجرد مشادات بين الأنظمة العربية للمزايدة والدجل على شعوبها للبقاء في الكرسي من المهد إلى اللحد.
وماذا استجد الآن؟
الجديد القديم الآن هو أن الحياة العربية لا تقدم فيها ولا غلبة على الاحتلال والعرب متحدون، فما بالك وهم منقسمون لمعسكرات نظرية غير عسكرية مطلقا، لذلك فقد ملّ المواطن العربي من هذا الانقسام والمعارك الجانبية لدرجة القرف والحزن، وسؤاله هو: إلى متى يستمر هذا الحال ؟ لماذا وصلت الدول الأوربية على اختلاف لغاتها وثقافاتها وأجناسها إلى الوحدة الكاملة والعملة الموحدة والتنقل بدون جواز سفر وتأشيرة دخول بين 27 دولة أوربية ، والعربي يقف ساعات في أي مطار عربي قبل السماح له بالدخول، وتخيلوا العنصرية والفوقية: كل مواطني الدول الخليجية يدخلون كل الدول العربية بدون تأشيرة دخول، بينما مواطنو كل الدول العربية يحتاجون إلى تأشيرة دخول عبر كفيل خليجي لدخول أية دولة خليجية ، والحصول على تأشيرة دخول للجنة أسهل من الحصول على تأشيرة دخول خليجية. ورغم ذلك نتغنى ليل نهار بالإسلام واللغة العربية اللذين يجمعاننا ، وهذا مجرد ضحك على الذقون ، فالفرقة والتشتت والضغينة والكيد إلى بعض أساس القواسم المشتركة في حياتنا العربية.
لذلك طالما كلنا في الهم شرق وغرب،
فمن المهم أن تعي هذه الأنظمة حجم الفرقة والتشتت، وتبدأ في لملمة الأوضاع العربية ، علها ( تسرّ الصديق ) إلا أنها ( لن تغيظ العدو ) في أي حال من أحوالها. من هنا تأتي أهمية المبادرات السعودية السورية من خلال الزيارات المتعددة التي كان من بينها زيارة اللواء على المملوك مدير إدارة العلاقات العامة السورية للرياض قبل أسابيع قليلة ، وكون النظام السوري هو محور أساسي في دائرة الخلافات العربية بسبب مواقفه سواء في لبنان أو علاقاته مع إيران ، من المهم أن تسعى الدول العربية الرئيسية في هذا التشابك خاصة السعودية ومصر لحل كافة أشكال سوء التفاهم ، وهنا ليس إهانة ولا تقليلا من مقام الدول التي تبدأ بالاتصالات ، فالعرب يقولون ما معناه ( كبير القوم هو الحريص على حاضر ومستقبل قومه ) ، وربما يتساءل البعض:
هل سورية مهمة للإجماع العربي؟
الجواب نعم كبيرة وصريحة أيا كانت ملاحظاتك وانتقاداتك للنظام السوري لأسباب عديدة منها:
1 . سورية تبقى أرضا وشعبا قوة إقليمية عربية مهمة بشعبها وتراثها وعمقها الثقافي العربي.
2 . سورية دولة عربية تعيش هما مشتركا مع لبنان وفلسطين ، فهضبة جولانها محتلة مثل مزارع شبعا وفلسطين ، وبالتالي من الضروري عربيا دعمها في المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي لضمان الانسحاب الكامل من هضبة الجولان رغم كل الادعاءات والتبريرات الإسرائيلية.
3 . سورية مهمة عربيا لضمان الاستقرار الداخلي في لبنان بحكم علاقاتها مع أطراف لبنانية جزء من الصراع الداخلي ، و إمكانية تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية بحكم تأثيرها على حركة حماس ، و تكرار اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني ، وبالتالي فعلاقاتها طبيعية مع السلطة الفلسطينية التي هي نتاج منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت اتفاقية أوسلو عام 1993 .
4 . أيا كانت نتائج المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية ، و أيا كان شكل وحجم السلام الفلسطيني الإسرائيلي ، فلا استقرار في المنطقة بدون المتطلبات السورية وعلى رأسها الانسحاب الإسرائيلي من كامل هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967 .
ومن المهم أن تدخل مصر،
على خط الاتصالات السعودية السورية لأن الخلل الذي طرأ في العلاقات السورية المصرية، لا يملك أسبابا وحيثيات مهمة من الصعب تجاوزها ، فالتفكير من الطرفين بالمصلحة العليا للشعبين والأمة العربية يجعل من السهل نسيان هذه المعوقات الشكلية ، وكم سيكون مفرحا عربيا أن نرى الرئيس المصري حسني مبارك في دمشق والرئيس السوري بشار الأسد في القاهرة ليس لزيارات بروتوكولية تغطي على الخلافات ، ولكن زيارات ودية صريحة تتجاوز تلك الخلافات فكفانا شرذمة وتشتتا ، وهذا ما نأمله ونتوقعه من دول مهمة في تحديد سياسات المنطقة مثل المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية أية دولة عربية أخرى ….فهل يدخل هذا الأمل العربي حيز التنفيذ؟.
ايلاف