جون كيري في دمشق: إتفاق السلام السوري – الإسرائيلي؟
شهدت دمشق ارتفاعاً في مبيعات مماسح الأرجل التي توضع عند عتبة الباب وتظهر عليها نجمة داوود، فهي تسمح للسوريين بأن يعبّروا عن غضبهم من إسرائيل كلما دخلوا منازلهم أو خرجوا منها. غير أن ما تسمّيه سوريا الموقف “الثابت” الذي يجمع بين التحالف مع إيران ودعم “حزب الله” و”حماس” والعداء لإسرائيل ومعارضة سياسات الولايات المتحدة، كان في بعض الأحيان أقل تماسكاً مما بدا عليه في السابق.
تحاول سوريا أن تستكشف، من خلال تركيا في دور الوساطة، إمكان التوصّل إلى سلام مع إسرائيل واستعادة مرتفعات الجولان التي هي بمثابة “الكأس المقدّسة” في السياسة السورية. وقرّرت في المبدأ فتح سفارة في بيروت متّجهةً بذلك نحو الإقرار بالسيادة الكاملة لجارها الذي سيطرت عليه واحتلته طوال سنوات. وتحاول التقرب أكثر من أوروبا، من خلال إجراء محادثات حول وضع الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واستقبال نيكولا ساركوزي في مطلع هذا العام. وقد جاءت أحداث غزة لتعرقل هذه الآلية، لكن على الأرجح أنها كانت لتتباطأ في مختلف الأحوال، إذ كانت الحكومات في المنطقة تنتظر تسلّم الرئيس أوباما منصبه ونتيجة الانتخابات الإسرائيلية. لقد تسلّم أوباما مهماته، غير أن شكل الحكومة الإسرائيلية المقبلة لا يزال غير واضح. واستعداد الرئيس الأسد للتجاوب مع مبادرات الإدارة الأميركية الجديدة، بحسب ما أعرب عنه في مقابلة أجراها معه أمس محررنا في الشرق الأوسط، إيان بلاك، هو أمر مرحَّب به.
لكن من الحماقة أن نسارع إلى استخلاص نتيجة متفائلة فورية. سوف يزور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، دمشق، ومن المتوقع أن تعمد الولايات المتحدة التي سحبت سفيرها من سوريا عقب اغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري عام 2005، إلى إرسال مبعوث جديد بعيد انتهاء زيارة كيري. أشار الرئيس الأسد أمس إلى أنه قد يجري أيضاً مباحثات مع الجنرال ديفيد بترايوس والتي لا بد من أن تتمحور حول العراق. نظرياً، قد تجد حكومة إسرائيلية جديدة سهولة أكبر في إحراز تقدم في موضوع الجولان منها في موضوع الضفة الغربية وغزة، ولذلك يمكن وضع سيناريو يحصل بموجبه تقارب بين واشنطن ودمشق، ويصبح اتفاق السلام السوري-الإسرائيلي احتمالاً جدياً.
غير أن ذلك يتجاهل واقع أن الكلام في الشرق الأوسط هو غالباً بديل من الفعل أو وسيلة لتأجيله. سيكون ثمن استرجاع الجولان باهظاً جداً بالنسبة إلى سوريا، فهو يقتضي على الأقل الحد من روابطها مع إيران واتخاذ قرارات صعبة بشأن دعمها لـ”حزب الله”. في مختلف الأحوال، قد ترغب دمشق في الانتظار لترى النتائج التي سيحقّقها “حزب الله” في الانتخابات النيابية اللبنانية في حزيران المقبل. لقد أطلق أوباما آلية طويلة من الانتظار والرصد والمناورة في الشرق الأوسط. من الجيد أنها انطلقت، لكن من المبكر جداً التكهّن حول النهاية التي ستؤول إليها.
إفتتاحية “الغارديان”
18/2/2009
ترجمة ن. ن.