ماذا تريد أميركا من سوريا وماذا تريد سوريا منها كي تغيّر سلوكها ؟
اميل خوري
هل يمكن القول ان ديبلوماسية الحوار الأميركية قد بدأت في المنطقة وان التمهيد لها بدأ مع زيارات الوفود لعدد من الدول، بما فيها سوريا، وهي ديبلوماسية عرض الجزرة المغرية التي تساعد على تغيير السلوك المشكو منه بالحوار، وليس بالنار أو بالإملاء كما فعلت ادارة الرئيس الاميركي السابقة وفشلت؟
تقول مصادر ديبلوماسية انه عندما يبدأ هذا الحوار، يصير في الامكان معرفة ماذا تريد الولايات المتحدة الاميركية من سوريا وماذا تريد سوريا منها، وكذلك الأمر مع ايران، فالرئيس اوباما يحاول ان يطبق قول الرئيس الاميركي الأسبق تيدي روزفلت: “امشِ في هدوء واحمل العصا الغليظة”.
لقد حرص رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي جون كيري على ان يوجه من بيروت رسائل الى دمشق قبل ان يزورها، أكد فيها ما يريد ان تسمعه القيادة السورية وهو ان الولايات المتحدة الاميركية تدعم لبنان السيد الحر المستقل في شتى المجالات، وهذا الوضع غير خاضع للمساومة، وان اي حل في المنطقة لن يكون على حساب لبنان وأنها لا تريد سلطة فيه الا للشرعية ولا سلاح غير سلاحها، وانه سيطلب مساعدة الرئيس بشار الأسد على تحقيق ذلك، اي بتجريد “حزب الله” من سلاحه، وان تطلّب ذلك حواراً ومناقشات كثيرة وطويلة، واعتبر الانتخابات النيابية المقبلة محطة مهمة وفرصة لشعب لبنان كي يحددقراره بشأن مستقبله وأعرب عن أمله في أن تغير سوريا سلوكها وتصرفاتها، وهو يتوقع حصول ذلك، وان تحترم سوريا الاستقلال السياسي للبنان وان تساعد في عملية حلّ المسائل مع “حزب الله” والفلسطينيين وفي تطبيق القرار 1701، وان يتم تعيين سفير لسوريا في لبنان بعدما عين لبنان سفيراً له في سوريا، كما اعتبر ان تحقيق كل ذلك لن يكون من دون مقابل أو من دون ثمن.
وكان وفد من الكونغرس الاميركي برئاسة السناتور بنيامين كاردن قد أعلن بعد لقائه الرئيس الأسد: “ان الحوار معه مهم وان الافعال هي التي تتحدث بصوت أعلى من الكلمات وعليه ستراقب عن كثب افعال سوريا وتصرفاتها خلال الاسابيع والأشهر المقبلة.
والسؤال المطروح هو: هل سوريا مستعدة لأن تغير سلوكها وتصرفاتها حيال لبنان، وهي التي رفضت ذلك إبّان ادارة الرئيس الاميركي السابق بوش، فلم تستجب لتنفيذ القرار 1559 لتسحب قواتها من لبنان وازالة سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، واجراء انتخابات رئاسية وفقاً لاحكام الدستور، فلم يتم هذا الانسحاب الا بانتفاضة شعبية، وتم التمديد للرئيس اميل لحود بالإكراه وخلافاً لاحكام الدستور، ولم تساعد سوريا على إزالة السلاح من أيدي هذه الميليشيات ربما لأن ادارة الرئيس بوش كانت مقتنعة باملاء ما يجب على الغير القيام به والابتعاد في انتظار ان يقوموا به.
لذلك فان ادارة الرئيس أوباما الجديدة سوف تدخل في حوار مع سوريا حول الأمور التي ينبغي ان تغير تصرفاتها حيالها بحيث تتلاقى عندئذ الأفعال مع الأقوال والتوقعات من الجانبين، توصلاً الى اتفاقات.
وإذا كان معلوماً ان الولايات المتحدة الأميركية سوف تطلب من سوريا عدم التدخل سلباً في شؤون لبنان الداخلية، بل التدخل ايجاباً لمساعدته على حل المشكلات التي يواجهها خصوصاً بالنسبة الى سلاح “حزب الله” تنفيذاً للقرار 1701 وان تساعد لا ان تعرقل عملية سير الانتخابات في حزيران المقبل او التدخل من تشكيل اللوائح وممارسة الضغوط لهذه الغاية، او التدخل في تشكيل الحكومات وعرقلة عملية التشكيل إنْ لم تكن مقبولة منها، لأن المطلوب هو تمكين لبنان من أن يحكم نفسه بنفسه، وان تذلّل العقبات من طريق الحكم كي ينعم لبنان بالأمن والاستقرار، ويكون عهد الرئيس ميشال سليمان عهد تحقيق الآمال والمستقبل الواعد للشعب اللبناني، وان تتعاون سوريا تعاوناً تاماً مع المحكمة ذات الطابع الدولي توصلاً الى كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وان تساعد على ترسيم الحدود مع لبنان ولاسيما في مزارع شبعا.
فما الذي تطلبه سوريا من الولايات المتحدة الاميركية كي تستجيب هذه المطالب وغيرها وتثبت لها انها غيرت سلوكها وتصرفاتها؟
من المعلوم ان سوريا يهمها استعادة هضبة الجولان من اسرائيل في اي تسوية سلمية وان تنسحب اسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لئلا يبقى عندئذ مبرّر لاحتفاظ “حزب الله” بسلاحه، وان تقوم دولة فلسطينية الى جانب الدولة العبرية وتكون دولة قابلة للحياة، كي تزول اسباب احتفاظ الفصائل الفلسطينية بالسلاح ولاسيما الفصائل المتشدّدة مثل حركة “حماس” و”الجهاد الاسلامي”، وأن يكون الحكم في لبنان على تعاون صادق مع سوريا لا ان يكون معادياً لها ويجعل أرضه ممراً او مقراً لخصومها السياسيين للتآمر عليها، وان يتم تطبيق الاتفاقات المعقودة بين البلدين لما فيه مصلحتهما المشتركة.
ويرى الرئيس الأسد انه اذا كان لا حرب مع اسرائيل بدون مصر فلا سلام معها من دون سوريا. لذلك سيطلب من الولايات المتحدة الاميركية ان تمارس دور الوسيط والحكم الحيادي والعادل لتحقيق السلام الشامل في المنطقة، لأن تحقيقه هو السبيل الوحيد لجعل دول المنطقة تنعم بالأمن والهدوء والاستقرار والازدهار. وسيصارح الولايات المتحدة الأميركية بالقول ان سوريا لا يمكن تجاهلها في المنطقة لأنها لاعب فيها، خصوصاً عند التحدث عن السلام، وان تحقيق السلام هو مفتاح حل أزمة الشرق الاوسط حلاً جذرياً، فلا تعود سوريا تتهم بدعم منظمات ارهابية واقامة علاقات مع “حماس” و”الجهاد الاسلامي”، واعتبار علاقاتها مع ايران مزعجة، إذ ان العلاقات تصبح طبيعية بين جميع دول المنطقة ومع ايران بالذات لان الخوف من اي عدوان اسرائيلي هو الذي جعل سوريا تقيم علاقة استراتيجية مع ايران، وهي علاقة لن تتخلى عنها لأنه شأن سوري ولا يجوز التدخل فيه.
وسوف تؤكد سوريا للولايات المتحدة الأميركية انها لا تتدخل في شؤون لبنان الداخلية وقد انسحبت من أراضيه إنما لها في لبنان اصدقاء وحلفاء تلتقي سياستهم مع سياسة سوريا وتوجهاتها، وهذا لا يعني تدخلاً منها في سياسة لبنان.
كما انها ستؤكد استعداداها لمعاودة الحوار مع اسرائيل لأن احلال السلام في الشرق الأوسط يشكل عاملاً مهماً من عوامل مكافحة الارهاب وزوال مبررات وجود مقاومة واسلحة في ايدي احزاب وتنظيمات، من دون تحقيق هذا السلام وستبقى المنطقة في حالة اضطراب وحروب وأعمال عنف وارهاب.
النهار