الديبلوماسية “الهادئة” مع سوريا لا “الاستعراضية”

سركيس نعوم
يفرح اللبنانيون، أو بالأحرى يفرح قسم مهم منهم، وهم المنقسمون فريقين عندما يسمعون من مسؤولين فرنسيين أو عندما يقرأون لمسؤولين فرنسيين ما يشير الى ان فرنسا ما بعد جاك شيراك الذي جعل لبنان اولوية عنده اي فرنسا نيكولا ساركوزي لا تزال على الاهتمام نفسه ببلادهم رغم اعتمادها اسلوباً مختلفاً وانتهاجها مقاربة لبنانية وأخرى عربية وثالثة سورية مختلفة بدورها. والمقصود هو اختلاف الاسلوب والمقاربات عن اسلوب شيراك وفرنساه.
ولفرحهم هذا اسباب ثلاثة:
الأول، نظري وهو مواصلة فرنسا سياسة مساعدة لبنان على بناء وحدته الوطنية ودولته الواحدة والمحافظة على نظامه الديموقراطي وسيادته واستقلاله وعدم تمكين سوريا من الامساك به مجدداً وتالياً من السيطرة عليه.
اما الثاني، فعملي وهو مبادرة فرنسا ساركوزي الى التحرك المباشر في اتجاه لبنان وسوريا من اجل تنفيذ سياستها المشار اليها ونجاحها بعد لقاءات بين رئيس جمهوريتها والرئيس السوري وبينه وبين الرئيس اللبناني فضلاً عن لقاءات مستشاريه ووزير خارجيته برنار كوشنير في البلدين في الحصول من سوريا على قرارات مهمة منها تبادل التمثيل الديبلوماسي مع لبنان، والموافقة على القيام بالخطوات الضرورية لتأمين استقرار الاوضاع فيه، وتسهيل امور المحكمة الدولية.
اما السبب الثالث والبالغ الاهمية، فهو مواصلة فرنسا ساركوزي سياستها اللبنانية بل تنفيذ الاتفاق الذي توصلت اليه مع سوريا في شأن لبنان، وخصوصاً بعدما بدا ان ثمة تباطؤاً سورياً في ترجمة بعضه عملياً. وهو ايضاً اعلانها رسميا في اكثر من مناسبة هذه المتابعة سواء على لسان رئيسها او على لسان وزير خارجيتها وكان آخرها في صحيفة “الشرق الاوسط” السعودية الصادرة في لندن يوم امس. اذ قال الاخير في مقابلة معها: “لا مساومة بتاتاً على المحكمة الدولية مع سوريا وان تأخّر وصول سفير سوري الى لبنان لإنجاز اتفاق التبادل الديبلوماسي بين البلدين شهراً او شهرين، مسألة بسيطة. اما اذا كان ذلك اعادة نظر في التبادل فانه يكون مسألة خطيرة”.
هل يحق للبنانيين، او بالاحرى لاحد “قسميهم” اذا جاز التعبير على هذا النحو، ان يشعروا بالفرح المشار اليه اعلاه؟
طبعاً يحق له ذلك. وربما يجب على القسم الآخر منهم ان يفرح بدوره لان نجاح المساعي الفرنسية يعني تطبيعاً للعلاقات بين لبنان وسوريا بعد خصام تاريخي، رغم عدم اعتراف الكثيرين بذلك منذ استقلال لبنان بل منذ اعلان لبنان الكبير عام 1920. ولان تطبيع هذه العلاقات يساعد في تطبيع العلاقات بين القسمين اللبنانيين بل بين الشعوب اللبنانية. الا ان ما تجدر الاشارة اليه والتحذير منه ربما هو ان الفرح يجب الا يكون عارماً وان الشعور بالقلق في موازاته امر مشروع. اما سبب القلق فيفترض ان يكون واضحاً لكل صاحب بصيرة، بل لكل متعاطٍ الشأن العام في لبنان وسوريا والمنطقة عموما. وهو الطريقة العلنية والفوقية التي تتحدث بها فرنسا او ربما المسؤول الاول عن ديبلوماسيتها عن مبادرتها اللبنانية – السورية. فهي، وهو كرّرا اكثر من مرة مباشرة ومداورة لوسائل الاعلام ان فرنسا تراقب تصرف سوريا حيال لبنان ومدى التزامها تطبيق ما التزمته امام فرنسا. وانها ستتخذ في ضوء المراقبة الموقف المناسب، وقد يكون سلبيا كما قد يكون ايجابيا. وهذه الطريقة تعرف فرنسا او يفترض ان تعرف انها لا تؤثر على سوريا او ان سوريا لا تقبل بها. ذلك انها وسيلة ضغط علنية ورسمية فيها الكثير من التحذير والتنبيه وربما التهديد. ولمن لا يعرف في فرنسا وغيرها من الدول المعنية بلبنان وسوريا والمنطقة عموما، باعتبار ان اللبنانيين كلهم يعرفون، فان سوريا الضعيفة لا تستجيب تحت الضغط الا في حال واحدة توافرت في ربيع 2005 ولم تتوافر لا قبل ذلك ولا بعده، هي الخوف على النظام. وهي كلما ضعفت تشددت ومارست ذلك من خلال لبنان و”فلسطين” والاردن وايران و… وكلما قويت تصلبت ايضاً ولكن مع ابداء استعداد لممارسة مرونة معينة اذا لمست ان من كانت بينها وبينه عداوة او خصام، وان من قبل، صار حاضراً للبحث في تسوية عبر الحوار وليس عبر التهديد.
وعلى كل حال، ولمن لا يعتقد بذلك كله، نلفت الى ما ورد في جريدة “الوطن” السورية قبل يومين، وهي جريدة يومية “مستقلة” على ذمة ناشرها، من انتقاد لتصريحات احد اعضاء وفد الكونغرس الاميركي الذي زارها اخيراً كرر فيها سياسات بلاده حيال قضايا مختلف عليها بينها وبين سوريا وبطريقة الادارة الاميركية السابقة التي قال رئيس الادارة الجديدة، اي باراك اوباما، انه سيغيّرها او يدخل تعديلات مهمة عليها اهمها الحوار وليس الاملاء والامر، والانطلاق من المصالح المشتركة وليس من الايديولوجيا وإن من دون ان يتخلى عن الخيارات الصعبة في حال فشل الحوار. وما نشرته هذه الجريدة في تحليلين او موقفين تضمنهما العدد نفسه هو ان التغيير الذي تترقبه سوريا هو في سياسة اميركا وليس في سياستها هي. طبعاً ينطوي هذا الكلام على مبالغة ربما لانه رد على موقف فوجئ به مسؤولون سوريون. ذلك انهم يعرفون انه كي ينجح الحوار بين بلادهم واميركا يجب ان يشمل التغيير سياستيهما معاً او اسلوبهما طبعاً، بعد التفاهم على الاهداف والمصالح المشتركة.
في اختصار، سوريا اليوم ليست ضعيفة. وهذا كلام موضوعي يعرفه حتى اخصامها. وقد حققت نجاحات في الداخل وفي لبنان وفلسطين. ولا يقلل من هذه النجاحات استنادها الى حلف وثيق مع ايران الاسلامية. لكن هذا الحلف لا يزال قائماً حتى اشعار آخر، علماً انه قد يتعرض للإهتزاز مستقبلا. لكنه قد يتعزز اذا نجح حوار اميركا اوباما مع ايران “الاسلامية”.
ما هي الغاية من كل هذا الشرح؟
لفت فرنسا، ومعها اميركا، الى ان لبنان في حاجة الى تدخلهما مع سوريا وانفتاحهما عليها. وفي حاجة ايضاً الى تمسكهما بالمحافظة عليه دولة سيدة، مستقلة وديموقراطية بعيدا من اي وصاية او احتلال. وتلبية هاتين الحاجتين تكون بالديبلوماسية الهادئة، وليس بالديبلوماسية الإستعراضية.
النهار