بارقتان أم سراب يتجدد ؟
رغم وقائع السنوات الأخيرة في سوريا، والتي كشفت للعيان إيغال النظام في رؤيته الأمنية كمحركٍ لسياساته الداخلية، وتزايد مؤشّرات الفساد والإفساد عمقاٌ في البنية، وحجماً من حيث شمولها عدداً أكبر ومساحة أوسع وأكثر حساسيةً في الاقتصاد الوطني، وطغياناً من الفاسدين الكبار على الحجر والبشر.. فإن هنالك بارقتين صغيرتين أضاءتا بشكلٍ خاطف جانباً من حالة الإظلام الشامل.
والمواطن السوريّ المنكوب منذ عشرات السنين، لا يفتأ يتعلّق بأيّ بارقة كهاتين، بل إن البعض يستبشر بهما ويتعلّق بأهداب أمله الضائع. وهذا إن دلّ، فهو يدلّ على طيبة شعبنا وميله الفطري إلى السلم الأهلي والوحدة الوطنية وجنوحه إلى حسن الظنّ وتسليمه بأن ذلك من حسن الفِطَن، على عكس الحكمة القديمة المنبوذة.
جاءت البارقة الأولى من مؤتمر اتحاد الكتاب العرب في دمشق، حيث انعقد مؤخراً بحضور عضو القيادة القطرية للحزب الحاكم هيثم سطايحي، الذي نقلت عنه وسائل الإعلام الرسمية أنه “أجاب على تساؤلات الحضور ومداخلاتهم فيما يتعلق ببعض الأمور المتعلقة باتحاد الكتاب”، كما أن المجتمعين أكّدوا”على التركيز على أهم أهداف الاتحاد المتعلقة بتبني ثقافة المقاومة وفضح العدوان الصهيوني ومواجهة كل المخططات التي تريد النيل من الأمة العربية وثقافتها وهويتها.”
في حين نقلت وسائل إعلام أخرى أن عدداً من أعضاء الاتحاد تطرّق إلى “موضوع الحريات العامة والسياسية وقانون الطوارئ ومعتقلي الرأي في السجون السورية، وأشاروا إلى حصول المزيد من الاعتقالات في عام دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، وتساءلوا إن كان هدف السلطات “كم أفواه المثقفين””. وفي ردّه عليهم أعلن سطايحي” عن وجود توجهات للقيادة السورية لتحسين العلاقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، وإلى المزيد من الديمقراطية على الصعيد السياسي، وأشار إلى وجود إرادة حقيقية لمكافحة الفساد”.
والبارقة الثانية جاءت من قرارٍ رسمي متحفّظ في المعلومات يتضمّن” الاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة وتجميد الموجود منها في المصارف العائدة لرئيس الضابطة الجمركية سابقا ولزوجته وأولاده وعدد من أقاربه الأصول والفروع وجاء ذلك بناء على المرسوم رقم /59/ تاريخ 13/2/2006″.
وأهمية القرار في كونه يشمل أشخاصاً من الصف الثاني مباشرةً بين حيتان الفساد المدلّلين وأرباب إقطاعياته، رغم تساؤل البعض حول دوافعه الحقيقية، وشكّهم بأن يكون وراء الأكمة ما وراءها، من نوع تعارض اندفاع البعض في استثمار مزرعته أحياناً مع أمن النظام ومصلحته بشكلٍ لا يمكن السكوت عنه.
الأولى تتناقض مع الإصرار على خصوصية الثقافة والتاريخ، ومع العصبية في الردّ القاطع على أيّ بحثٍ في مسألة حقوق الإنسان المتردّية في بلادنا، ومع الاستمرار في اعتقال المواطنين على أساس آرائهم السياسية، وتشديد الحصار على حرية الرأي والتعبير، ورفض طرح قيم الحرية والديمقراطية رفضاً قاطعاً.
والثانية مع هيمنة الفساد الكبير والهدر، وتطور– بل تطوير- الفوضى والارتجال والازدواجية في كل ما يتعلّق بالاقتصاد الوطني وقضايا حياة المواطنين ومعيشتهم . وهو ما يهدّد في ظروف الأزمة العالمية بركود كاسح وانفلات أو انهيار لا يُعرف مداه. وذلك كلّه في غياب أيّ اهتمام بسيادة القانون واستقلال القضاء، الأمر الذي يؤسس وحده لبرنامجٍ حقيقي لمكافحة الفساد والسير في طريق الإصلاح.
رغم ذلك، فالخبران جيدان لو صحّا..
اعلان دمشق