اسرائيل

مقدمات العاصفة

غسان شربل
ينتظر أهل الشرق الاوسط باراك اوباما. الخائفون على آمال السلام من إطلالة بنيامين نتانياهو يأملون ان ينجح البيت الابيض في كبح سياساته المسمومة. القلقون من البرنامج النووي الايراني والتمدد الايراني في الاقليم لا يجدون غير الرهان على اوباما. والرئيس الاميركي ليس ساحرا. وضعه اصعب مما كان يعتقد. ووضع بلاده اصعب مما توقع. والأزمة المالية اعمق مما قيل. وإرث جورج بوش اكثر هولاً مما تحدثت الصحف.
للخروج من الوضع الراهن يحتاج سيد البيت الابيض الى صفقة كبرى. الى مجموعة صفقات مهمة مع اطراف مهمة. يسعفه في السعي الى الصفقة الشعور بأن الاقتصاد العالمي لن يخرج من أزمته ما لم يخرج الاقتصاد الاميركي من أزمته. وكانت هيلاري كلينتون شديدة الوضوح في مخاطبة القادة الصينيين: «نخرج معاً او نسقط معاً». وكان الرد الرغبة في الخروج معاً. وهكذا يتضح ان اميركا تحتاج الى سلسلة صفقات تشمل الصين وروسيا واوروبا والهند واليابان وغيرها. بعض هذه الصفقات لا يمكن ان يكون اقتصاديا فقط. لا بد ايضاً من التصدي لهواجس هذه الدول. معالجة الدرع الصاروخية مثلا تعتبر شرطاً لضمان تعاون روسي ثابت. وهكذا يتضح ان الصفقة الكبرى ليست سهلة وقد تستغرق وقتا غير يسير.
صبّ الناخبون الاسرائيليون الزيت على نار الشرق الاوسط. اختيار نتانياهو برفقة ليبرمان يجعل انتظار الشرق الاوسط اصعب وأشد خطورة. تصريحات زعيم الليكود بعيد تكليفه تضاعف القلق. قال ان اسرائيل تجتاز مرحلة مصيرية وعليها مواجهة تحديات هائلة. اكد ان «ايران تسعى الى امتلاك السلاح النووي وتشكل التهديد الأكبر لوجودنا منذ حرب الاستقلال. ان اذرع الارهاب الايرانية تحيط بنا من الشمال والجنوب» في اشارة الى «حزب الله» و «حماس».
يمكن ان نضيف الى كلام نتانياهو ما نشرته صحيفة «يديعوت احرونوت». قالت الصحيفة ان خطة العمل التي اعدتها هيئة الاركان الاسرائيلية للسنة الحالية تنطلق من اعتبار ايران «تهديدا لوجود اسرائيل». ونقلت عن رئيس الاركان غابي اشكنازي وصفه ايران بأنها الخطر الرقم واحد الذي يستعد الجيش الاسرائيلي لمواجهته».
اخطر ما في التصريحات الاسرائيلية محاولتها تكريس الانطباع بأن مشكلة الشرق الاوسط ليست غياب السلام واستمرار اسرائيل في احتلال اراض فلسطينية وعربية وانما هي تطلع ايران الى التحول الى دولة كبرى في الاقليم تحرسها مظلة نووية. وهذا يعني ان تضع اسرائيل حربها على لبنان وبعده على غزة في سياق الاصطدام بالأذرع الايرانية. ومثل هذه النظرة تنذر بتحويل لبنان وغزة الى ملاعب لحروب بالواسطة ومن يدري فقد تحاول اسرائيل قطع هذه الأذرع اذا تبين ان مهاجمة الاراضي الايرانية عمل يفوق طاقتها او لا قدرة لها على مواجهة تبعاته ما لم تكن اميركا شريكة في هذا الهجوم او تتولاه وحدها.
لا شك ان ايران تملك أوراقا للرد اذا تبين ان ادارة اوباما ستتخذ موقفا يساعد على تشديد العقوبات عليها. يمكن ان نشهد مثلا تصاعدا للعنف في العراق يعرقل برنامج الانسحاب الاميركي منه، وهو انسحاب تحتاجه ادارة اوباما لتعزيز قواتها في افغانستان. يمكن ان يمتد التصعيد الى جنوب لبنان او غزة. وهنا لا بد من الملاحظة ان الحوار الساخن بين واشنطن وطهران يدور على ارض عربية وان المواجهات الاسرائيلية – الايرانية ستدور على الملاعب نفسها.
عملية السلام مهددة بموت فعلي بسبب مواقف نتانياهو وحلفائه. التوتر الاسرائيلي – الأيراني يهدد بالتقدم على ما عداه. العلاقات العربية – الايرانية ليست في افضل احوالها. الادانات العربية الواسعة للتصريحات الايرانية بشأن البحرين أكدت عمق المخاوف والحساسيات. انها معركة احجام ومعركة ادوار ومعركة حجز اوراق.
اجماع الاحزاب الاسرائيلية على اعتبار ايران الحالية تهديدا لوجود الدولة العبرية ينذر بهبوب عاصفة في الاقليم وان تأخرت. والعاصفة تعني غزة ولبنان وربما سورية ومصالح العرب واستقرار دولهم وحدود دورهم ومصالحهم. العاصفة مكلفة وهي ستدور اصلاً على الملاعب العربية. والصفقة التي يمكن ان تمنع العاصفة قد تكون ايضاً على حساب العرب. والسؤال هو كيف ينتظر العرب العاصفة؟ وهل يمكن ترميم البيت العربي ليلعب العرب دوراً في منع العاصفة او حصر اضرارها؟ وهل يمكن توحيد الموقف العربي من العاصفة والصفقة معاً على رغم صعوبة الصفقة؟ البيت العربي مهدد فعلاً وقمة الدوحة تشكل امتحاناً كبيراً وخطيراً خصوصاً اذا تبين ان وضع اوباما وبلاده اصعب مما نعتقد.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى