تحوّلات الأولويات
محمد ابرهيم
أيا تكن الصيغة التي سترسو عليها الحكومة الاسرائيلية المقبلة، فان معطيات المواجهة الاقليمية تغيرت بوجود كتلة يمينية أكثرية في الكنيست الاسرائيلية.
من الحكومة اليمينية الضيقة الى الائتلاف بين “كاديما” و”الليكود” الى حكومة “الوحدة الوطنية” الموسعة، كلها صيغ محكومة بأن برنامج “الليكود” بات في الحد الادنى قادرا على تعطيل أي مسار سلمي.
من هنا كان رد زعيمة “كاديما” تسيبي ليفني على من دعوها للاستجابة لعروض نتنياهو المغرية، على صعيد المقاعد، ان ذلك هو وصفة لـ”شلل” الحكومة المقبلة.
أولوية نتنياهو كما هو معلن ليست فلسطينية ولا سورية، بل ايرانية. وهو يعتبر أن التهديد الايراني هو الاضخم منذ انشاء اسرائيل عام 1948.
المقصود بالخطر الوجودي هو بالطبع مشروع السلاح النووي الايراني، لكنه ايضا الامتدادات الاقليمية المتمثلة بـ”حماس” و”حزب الله” والتحالف مع سوريا.
لكن وضوح الاهداف التي يعتبرها نتنياهو قاسما مشتركا بينه وبين ليفني وباراك لا يتناسب مع المعطيات الجديدة التي نجمت عن وصوله الى موقع يتحكم منه باللعبة السياسية في اسرائيل.
والقول المعروف لهنري كيسنجر بأنه ليس لدى اسرائيل سياسة خارجية وانما مجرد سياسة داخلية، بمعنى ان اسرائيل لا تهتم لما هو “خارج” في صوغ خططها، لا ينطبق على المرحلة المقبلة من “دور” اسرائيل الاقليمي.
خلال السنوات الماضية كان النزاع الغربي مع ايران حول ملفها النووي يتضمن بعدا اقليميا من شقين: ازدياد النفوذ الايراني في مواقع عدة من العالم العربي، وطرح طهران لمشروع مواجهة مع اسرائيل بديل من المشروع السلمي العربي – الاميركي.
الاغلاق الاسرائيلي للأمل العربي بالسلام، وهو أمر خبروه مع نتنياهو الذي تولى في منتصف التسعينات إغراق اتفاقات أوسلو في المستنقع، لن يجعل النظام العربي الرسمي بالتأكيد يتبنى اللفظية الايرانية بالعلاقة مع اسرائيل لكنه سيعيد هذا النظام الى مرحلة سابقة من المواجهة السياسية السلمية مع التصلب الاسرائيلي، قوامها التضامن العربي والضغط على الولايات المتحدة وأوروبا لكبح الاتجاهات اليمينية الاسرائيلية.
مثل هذه الاجواء لن تكون مثالية لاستئناف الدور العربي في المواجهة الاسرائيلية – الايرانية والاميركية الايرانية على شكل مشروع صراع بديل من الصراع العربي – الاسرائيلي هو صراع الاعتدال – الممانعة ذو المضامين المذهبية التي أججها الصراع في العراق ومن ثم في لبنان.
بهذا المعنى وفيما تحسم اسرائيل أمرها بايصال الجهة التي لا تحفّظ لديها بشأن استعمال الخيار العسكري ضد القدرات النووية الايرانية، الى الحكم، تبدو المستجدات العربية في طريقها للتحول الى عائق في وجه مواجهة اسرائيلية – ايرانية عسكرية مباشرة.
إن مسلّم الاولويات الذي يبدو انه في طريقه الى الارتسام قبل القمة العربية الشهر المقبل في الدوحة، يعطي أولوية حاسمة للاشتباك مع اسرائيل على الاشتباك مع ايران.
وحتى عندما تبقى الاحتكاكات مع ايران على جدول الاعمال، فان مدخلها هو الاحتكاكات “المحلية” لا ما تعتبره اسرائيل ويعتبره الغرب الخطر النووي الايراني الاستراتيجي، فالعراق ولبنان وفلسطين و… البحرين، أهم بالنسبة للنظام العربي من ملف يبقى طي المستقبل ولا شعور بأنه يشكل تهديدا ملموسا لمشاريع اقليمية عربية غير موجودة أصلا.
هذه المعطيات العربية الجديدة في الملف النووي الايراني تقابلها معطيات أميركية جديدة لم يتم الافصاح عنها في سياسة متماسكة بالنظر الى فترة “السماح” التي تتمتع بها الادارة الاميركية الجديدة. لكن الواضح منذ الآن ان إدارة أوباما لن تكون معنية ولأمد طويل بما يسمى “كل الخيارات على الطاولة” وهو الاسم الملطف للضربة العسكرية.
إن مثل هذه الضربة باتت خارج الممكن في الظروف الدولية الجديدة وجلّ ما يمكن توقعه خلال الاشهر والاعوام القليلة المقبلة هو مسيرة من العقوبات الدولية المشتركة الاقتصادية في جوهرها. هذا اذا لم تطرأ تطورات ايرانية تعطي مسار العلاقة مع الغرب طابعا أكثر سلمية وتعاونا.
وسط كل ذلك تبدو اسرائيل “عكس السير” فهي تطلق الاشارات الحربجية فيما العالم متجه الى المعالجات السلمية حتى لملفات عسكرية شائكة مثل الملف النووي الايراني.
لقد وعد أوباما المرشح أنه سينظر الى الصورة الكاملة في تعاطيه مع أي قضية شرق أوسطية لذلك ليس من الواضح كيف سيتعامل نتنياهو، حامل جدول أعمال “ايران أولا” مع جدول أعمال يمكن اختصاره حتى الآن بـ”الكل أولا”.
النهار