نتنياهو وصبر ميتشل!
سميح صعب
بكل المقاييس يواجه جورج ميتشل صراعاً بين الفلسطينيين واسرائيل أعقد بكثير مما واجهه في ايرلندا الشمالية. والرهان على الصبر وحده لا يساعد لا سيما في مواجهة بنيامين نتنياهو الذي لا يبدو مقتنعاً حتى الآن بفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويراهن على العامل الاقتصادي كي ينسي الفلسطينيين حقوقهم الوطنية.
في المقابل المصالحة الفلسطينية اذا ما وصلت الى نهاياتها السعيدة، وكذلك اذا ما بقي قطار المصالحات العربية – العربية سائراً من دون عراقيل، فإن من شأن ذلك ان يشكل عامل ضغط في مواجهة نتنياهو الآتي باسم مواجهة “التحدي الايراني” وليس للتفاوض مع الفلسطينيين او سوريا.
ولئن يكن ميتشل أنهى تقريره عام 2002 بتحميل الاستيطان جزءاً من المسؤولية في تفجّر الانتفاضة الثانية في الاراضي الفلسطينية، فإن نتنياهو بدأ معه من هذه النقطة في اول لقاء بينهما في جولته الثانية على المنطقة، ليصل الى نتيجة مفادها ان الادارة الاميركية لن تمارس ضغوطاً على اسرائيل كي تزيل المستوطنات العشوائية، فكم بالحري عندما يتعلق الأمر بالمستوطنات الأخرى.
ليس هذا فحسب، بل ماذا سيكون موقف نتنياهو اذا ما اقترح عليه الاميركيون الخوض في مفاوضات عن الوضع النهائي مع الفلسطينيين من الحدود الى اللاجئين الى القدس الى المستوطنات؟ جوابه البديهي سيكون ان حكومته التي تستند الى قاعدة من الاحزاب اليمينية والدينية المتطرفة، لا تتحمل تقديم تنازلات في الملف الفلسطيني او التقدم على مسارات اخرى في عملية التسوية.
ويدرك نتنياهو ان التهويل عليه بعزلة دولية اذا ما اختار تجميد عملية السلام وعدم التناغم مع الجهود الاميركية والاوروبية التي تحاول تحريك المسار الفلسطيني بعد التغيير الذي حصل في البيت الابيض، لن يستمر طويلاً لأن لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الاوروبي على استعداد للمخاطرة بالعلاقات مع اسرائيل من اجل تحقيق السلام. فالضغط الاميركي والاوروبي سيكون محدوداً ولن يتجاوز حدود الانتقاد الذي لا يغير شيئاً في الموقف الاسرائيلي.
وفي هذه الحال ما على الفلسطينيين سوى الانتظار اربع سنوات أخرى أي حتى موعد الانتخابات الاسرائيلية المقبلة لعلها تأتي بحكومة اسرائيلية تقبل التفاوض معهم. واذا لم يختر الفلسطينيون الانتظار، فإن الخيار الآخر سيكون الذهاب الى انتفاضة ثالثة وهو الأرجح. فكما فجًر انتخاب شارون في 2001 الانتفاضة الثانية، سيترتب على انتخاب نتنياهو تفجير الانتفاضة الثالثة.
حتى ولو دخلت ليفني مع نتنياهو في ائتلاف حكومي واسع تجنباً لاشراك “اسرائيل بيتنا” و”شاس” في الحكومة، فإن التناقض في توجهات الجانبين كانت ستنعكس أيضاً جموداً على عملية السلام. وفي هذه الاثناء الاستيطان سيتضاعف ولا سيما في القدس الشرقية، واول الغيث سيكون هدم 88 منزلاً في حي سلوان بحجة مخالفات في تراخيص البناء، فضلاً عن بناء 1700 وحدة سكنية قرب مستوطنة عفرات على الطريق بين القدس والضفة الغربية.
لذلك فإن ميتشل أمام مهمة مستحيلة وطريق مسدود حتى قبل ان يبدأ. ومهمة ميتشل لا يمكن تسهيلها بالضغط على الفلسطينيين كي يقدموا مزيداً من التنازلات. فهذا الاسلوب أخفق منذ اتفاقات اوسلو، لأن اسرائيل كانت تستغل كل تنازل كي تطالب بتنازل آخر، فيما تستمر في فرض سياسة الامر الواقع في الاراضي الفلسطينية.
الصبر الذي يراهن عليه ميتشل للنجاح، سرعان ما سيصطدم باصرار اسرائيلي على رفض تقديم التنازلات من أجل دفع العملية السلمية الى الامام. هكذا كان شأن الحكومات الاسرائيلية منذ أوسلو. ونتنياهو الذي يعود الى الحكم باسم مواجهة ايران، سينحو نحو مزيد من التشدد وليس الى تقديم تنازلات.
النهار