نتنياهو أمام الأسئلة الصعبة
رنده حيدر
في الوقت الذي تتراكم العقبات أمام محاولة بنيامين نتنياهو تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها احزاب الوسط جنبا الى جنب مع أحزاب اليمين صاحبة الكتلة الأكبر في الكنيست؛ تتراكم من جهة أخرى المشكلات الملحة التي تنتظر حلولاً على جدول أعمال الحكومة الاسرائيلية المنتظرة. من المفاوضات من اجل الافراج عن جلعاد شاليت التي وصلت الى حائط مسدود بعد اقدام رئيس الحكومة المنتهية ولايته ايهود أولمرت على اقالة موشيه جلعاد المسؤول عن الملف بسبب الانتقادات العلنية التي وجهها الأخير اليه، مروراً بموضوع اعادة اعمار غزة وضرورة تقديم اسرائيل تسهيلات لتحقيق هذه العملية بفتح المعابر المغلقة، وذلك في ظل الأخبار التي تحدثت عن رصد ادارة الرئيس باراك اوباما مبلغ 900 مليون دولار لهذا الغرض، ناهيك بالمساعدات التي تعهدت الدول العربية تقديمها، وانتهاء بمواصلة المفاوضات التي تشرف عليها مصر بين حركة “حماس” واسرائيل والتي تهدف للتوصل الى اتفاق يحول وقف النار المعلن منذ انتهاء عملية “الرصاص المصهور” الى تهدئة حقيقية.
جميع هذه المسائل ملحة اسرائيليا لا تحتمل التأجيل ولا يبدو أن الحكومة الحالية برئاسة أولمرت قادرة على حلها في الوقت القليل المتبقي لها في السلطة. من هنا فعلى الأرجح سيجد نتنياهو نفسه منذ اليوم الأول أمامها وجهاً لوجه. فكيف يمكن أن يواصل العملية التفاوضية التي تقودها مصر مع حركة “حماس” لإطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير اذا كان الثمن الذي يتداوله المفاوضون هو اطلاق سراح المئات من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية؟ واذا رفض نتنياهو صفقة التبادل فكيف سينعكس ذلك على الوساطة المصرية وعلى العلاقات المصرية – الإسرائيلية التي تمر في هذه المرحلة بوقت عصيب نتيجة الإنتقادات التي تعرضت لها مصر خلال حرب غزة من جانب المعسكر الراديكالي العربي، ومحاولاتها الدفاع عن مكانتها الإقليمية عبر الوساطة المزدوجة التي تقوم بها بين اسرائيل و”حماس” من جهة وبين الفلسطينيين أنفسهم من جهة ثانية؟ وكيف يمكن مصر ان تستجيب لمطلب اسرائيل مراقبة حدودها ووقف عمليات التهريب عبر الانفاق اذا انهارت المحادثات التي تقودها مصر بسبب تعنت الليكود؟
والسؤال الأصعب والأعقد كيف سيقبل نتنياهو بالمطلب الدولي بالمساعدة في اعادة اعمار غزة التي ما زالت واقعة تحت سيطرة “حماس”، واذا كان يرفض أي تفاهم معها ولو بطريقة غير مباشرة؟ وكيف ينوي زعيم الليكود تطبيق نظريته حول “السلم الاقتصادي” مع الفلسطينيين في الوقت الذي لا يقبل فيه دخول المساعدات الانسانية الى غزة؟
ليس رفض حل الدولتين هو أكثر ما يقلق في مواقف اليمين الاسرائيلي القادم من جديد الى السلطة، فلقد شهدت الأشهر الأخيرة تراجعاً كبيراً في تأييد الإسرائيليين عامة للفكرة لا سيما في ظل التآكل المتواصل في مكانة السلطة الفلسطينية في رام الله وتزايد قوة “حماس” واليأس من احتمال التوصل الى تسوية سلمية يقبلها الطرفان؛ المقلق اكثر أن الدينامية التفاوضية التي أقامتها الحكومة الحالية، على الرغم من عدم نجاحها في التوصل الى حل، معرضة للتوقف عن العمل هي أيضاً الأمر الذي من شأنه أن يشل تماماً الآليات الموجودة ويعيد الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي الى نقطة الصفر.
في اعتقاد الإسرائيلي العادي الذي انتخب الليكود ان اليمين أقدر على اطلاق سراح شاليت والتخلص من سيطرة “حماس” على غزة واعادة قدرة اسرائيل على الردع وعدم تقديم تنازلات؛ ولكن خيبة أمله ستكون كبيرة عندما يتبين له أن هذا اليمين لا يحمل معه حلولاً سحرية وسيضطر عاجلاً ام آجلاً الى التخلي عن لغة التهديد والوعيد والعودة الى لغة التسويات والتفاوض.
النهار