صفحات العالم

أخطر من حرب العراق

حسان حيدر
قالها أوباما بكل صراحة: العراق لم يعد أولوية بالنسبة الى الولايات المتحدة وخصوصاً بالنسبة الى ادارته ومفهومها لموقع اميركا ودورها. كان الغزو خطأ لا بد من التراجع عنه بعدما عرّض أمن الولايات المتحدة للخطر، عبر كشف قواتها المنتشرة في العراق امام مختلف «الاعداء»، وبعدما هز هيبتها امام العالم الذي شاهد جنودها يسقطون كل يوم وهم عاجزون عن توفير الامن للعراق ولأنفسهم. صحيح ان الجنرالات الاميركيين غيروا استراتيجيتهم في الفترة الاخيرة وتحولوا الى حكم بين العراقيين المتنازعين على النفوذ والثروة، فقلل ذلك من خسائرهم وأعاد ما يشبه الامن الى العراق، لكن ذلك لم يستطع ان يغير الصورة المنطبعة في اذهان العالم، بما فيه حلفاء اميركا، عن الفشل الاميركي، ولا ان ينسيه الذرائع الواهية التي سيقت لتبرير الغزو المكلف.
قررت واشنطن «الجديدة» الانسحاب بعدما اطاحت نظام صدام حسين، لكنها تغادر وقد تركت ابواب العراق «الجديد» مفتوحة امام قوى اقليمية طامعة تبحث عن متنفس ودور لقدراتها المتزايدة وشعوبها المتأففة. كان قرار بوش باحتلال العراق يعني الوصول الى حدود ايران، العضو الآخر في محور الشر، وحليفتها سورية. لكن الامر انقلب بعد فترة عندما صارت قوات الاحتلال نفسها ورقة بيد هاتين القوتين الاقليميتين، تضغطان بها على واشنطن وتفاوضانها فيما تصدران «الانتحاريين» ومختلف أنواع «الجهاديين» لمقارعتها.
جاء اوباما ليلغي ورقة الضغط هذه ولتحسين شروط التفاوض مع طهران ودمشق بعدما منحهما بوش فرصة ذهبية للامساك بعنقه. لكن التفاوض قد يكون أخطر من الحرب ويؤدي الى نتائج اكثر كارثية منها. ذلك ان الاميركيين يخوضون في منطقة تبين انهم لا يحسنون القراءة بين سطورها ولا يفهمون ألغازها وتراكيبها السرية، وهم عندما ادركوا مثلا ان العشيرة والقبيلة والطائفة لدى العراقيين أهم من السياسة والافكار، كان الوقت تأخر لتغيير الواقع المتدهور. ثم ان جبهة ثانية لا تزال مفتوحة في افغانستان وتتطلب حماية ظهر القوات الاميركية هناك، وخصوصاً من ايران التي لن تتورع عن استخدام كل ما لديها للحصول على تنازلات. لكن، لا الاميركيون ولا حلفاؤهم يتوقعون ان ينجحوا في تحقيق تقدم سريع في مواجهة «طالبان» يحرم الايرانيين من ورقة الضغط الثانية هذه.
يقول الرئيس الاميركي انه يريد بكل ما أوتي من وسائل منع طهران من الحصول على سلاح نووي، لكنه في الوقت نفسه يؤكد ان نظرته الشاملة الى منطقة الشرق الاوسط تعني ان لإيران دوراً فيها تحدده المفاوضات المقبلة بينهما. اي انه يعطي ايران سلفاً ما يعتقد انه يأخذه منها. فهذا الدور، على رغم انه قائم على الارض في لبنان والعراق وغزة، لا يزال موضع رفض من داخل الاقليم نفسه، ولهذا تحديداً تسعى ايران الى اعتراف دولي به يثبت مصالحها ويشرعن تدخلاتها. ومتى حصلت على هذه الشرعية لن يعود بمقدور الاميركيين الضغط عليها لوقف برنامجها النووي لأنهم لا يملكون ما يضغطون به عليها في ظل رفض الصين وروسيا تعزيز العقوبات الاقتصادية على طهران.
والسؤال هل تصل الديبلوماسية الاميركية سريعاً الى طريق مسدود تصبح معه «العصا» التي يحاول اوباما التهرب من استخدامها، ملاذه الاخير، ام ينجح في حلحلة موقفي بكين وموسكو وإقناعهما بخطورة سياسة التخصيب وقضم «الجزرة» المتدرجين التي تمارسها طهران؟
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى