صفحات سورية

أين المساعدات الدولية لأفغانستان؟

null


اندي رويل

كانت فرصةً لالتقاط الصور، المقصود منها أن تشير الى فجر جديد يبزغ في أفغانستان. ففي يناير/كانون الثاني ،2006 استضاف رئيس الوزراء البريطاني وقتئذٍ، توني بلير مؤتمراً لنحو 60 مندوباً عالمياً في لندن، يدور حول مستقبل ذلك البلد.

وكان يقف جنباَ الى جنب مع توني بلير من أجل التقاط صورة المؤتمر، وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، والأمين العام للأمم المتحدة يومئذٍ، كوفي أنان، والرئيس الأفغاني، حامد قرضاي. وحسبما ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية، كان المؤتمر “يمثل مَعْلماً تاريخياً للشعب الأفغاني والمجتمع الدولي” تُرسي فيه أفغانستان أولويات إعادة بنائها وتطورها”.

وكانت واسطة العقد في المؤتمر، المصادقة على “الميثاق الأفغاني”، الذي وضع برنامجاً طموحاً للتنمية الأفغانية، ملتزماً بأهدافٍ نوعية قابلة للتطبيق في مجال الأمن، والحكم، والاقتصاد والتنمية الاجتماعية. كما تضمنت الوثيقة كذلك، ملحقاً كاملاً حول “تحسين فاعلية المعونات”. وقد تعهد المجتمع الدولي في المؤتمر، بتقديم مساعدات قدرها 10مليارات دولار. ووقف قرضاي، لالتقاط صورة وهو يحمل على ذراعيه باعتزاز، نسخة من الميثاق.

والآن وبعد سنتين، أظهر تقرير حديث أن الميثاق فشل فشلاً ذريعاً، وان مليارات من أموال المساعدات للبلاد، إمّا بُددَتْ، أو انها لم تُدفَعْ أصلاً. وقد نَشَرت التقريرَ “هيئةُ التنسيق بين وكالات غوث أفغانستان”، وهي بمثابة تحالف رائد يتكون من 94 منظمة دولية غير حكومية، تعمل في أفغانستان. ويقول مُعد التقرير، مات والدمان: “إن إعادة بناء افغانستان تتطلب التزاماً قوياً وجوهرياً بالمساعدات ولكن المانحين تقاعسوا عن الالتزام بتعهداتهم بتقديم العون لأفغانستان. كما أن قدْراً وافراً من العون من الدول الغنية، تم هَدْرُه، أو انه كان عديم الجدوى، أو غيرَ منسق وسيىء التنظيم”.

ويبدو ان السنتين الماضيتين من الجهود قد تم تبديدهما. فحتى قبل مؤتمر لندن سنة ،2006 كان الساسة يعرفون ان لديهم مشكلة مع أموال المساعدات. فعلى الرغم من المليارات التي انهالت على أفغانستان، كانت ثمة تقارير تتحدث عن المال المهدور، والفساد وعدم الكفاءة. وقبل مؤتمر لندن بشهرين فقط، نشرت صحيفة الواشنطن بوست، مقالة بارزة عنوانها: “خطة إعادة بناء مملوءة بالمثالب”. وأشارت الصحيفة الى ان الولايات المتحدة كانت قد اطلقت في سبتمبر/ أيلول ،2002 ما سيصبح جهداً دؤوباً لإعادة بناء، أو ترميم نحو ألف مدرسة وعيادة، بنهاية سنة 2004.

ولكن أرقام الكونجرس أظهرت ان الولايات المتحدة نجحت في أن تُتِم وتسلّم للحكومة الأفغانية 40 مدرسة فقط في أواخر سنة 2005. ولم تكن قصة الفشل هذه فريدة من نوعها. ففي ذلك الوقت، قدّر مدير البنك الدولي في أفغانستان، جين مازوريل، انّ ما بين 35 و40% من المساعدات قد “أُنفقَ بصورة رديئة”. وقال مازوريل “في أفغانستان، كان هدر المعونات صارخاً: فهنالك نهب حقيقي يجري، وهو في جُله من قبل منفّذي المشاريع الخاصة. إنها فضيحة، لم أشهد لها مثيلاً خلال عملي في هذا المجال على مدى 30 عاماً”.

وقد بدأت قصص أخرى عن الأموال المهدورة بالظهور. فقد اشتمل عقد بقيمة 45 مليون دولار مع منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، لتوريد الطعام الذي تحتاج اليه البلاد حاجة ماسة، شرطاً يفرض أن تذهب أربعة ملايين دولار لتمويل مقر المنظمة في روما.

وتكمن المأساة في أن المساعدات كثيراً ما كانت مهدورة وغير ذات جدوى، وفي أحيان كثيرة لم تغادر البلد الذي يُفتَرَض أن يقدمها، كما انها تذهب الى مستشاري ذلك البلد وخبرائه. وخدعة عدم مغادرة المعونات الدولَ الغنية معروفة من عشرات السنين. ففي أواخر ثمانينات القرن الماضي، أشارت لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية التي تمثل جميع الأحزاب في بريطانيا، بصراحة، الى أن “الغرض من برامج المساعدات الثنائية في المملكة المتحدة، كما هو في معظم الدول، نادراً ما يُنظَر اليه في الواقع العملي، على أنه إيثار ودعم لرفاه الشعوب الأخرى. ومن المفهوم دائماً ان مثل تلك البرامج يجري تنفيذها، دون ان تغيب عن الذهن المصالح التجارية والصناعية والسياسية البريطانية”.

وكما كتب بن جاكسون، في كتابه “الفقر وكوكب الأرض”، الذي نُشِر سنة ،1990 فإن “الناس يظنون ان المعونات بوجه عام، هي تسليم للمال الى حكومات العالم الثالث من أجل التنمية. ولكن المعونات، تتكون في شطرها الأعظم في حقيقة الأمر، من تمويل الحكومات الغربية للخدمات والمعدات، والخبراء الفنيين والمستشارين، ممّا توفره الشركات في الدول الغنية، وكثيراً ما تكون تلك الشركات، من دول تلك الحكومات ذاتها”. والعامل الأساس هو ان “معظم أموال المساعدات يُنفَق في واقع الأمر في العالم الغني”. فمن ال 20 مليار دولار التي وزّعها البنك الدولي سنة ،1988 ذهب 15 مليار دولار الى مقاولي هذا البنك ومستشاريه”.

وهنالك العديد من الحالات المشابهة. فقد درس كتاب ألف في نحو ذلك الزمن، بعنوان “أسياد الفقر”، “أساليب الحياة المنفلتة، والسلطة، والأبهة، والفساد، التي تسود عالم المساعدات ومشاريعها ذات الملايين العديدة”. ووجد ذلك الكتاب، على سبيل المثال، في الدولة الافريقية، تنزانيا، انه قد تم “ربط أكثر من 80% من مساعدات التنمية الكندية، بشراء السلع والخدمات من كندا”.

وثمة مشكلة أخرى معروفة من سنوات طويلة، وهي ان الدول الغنية كثيراً ما تَعِد بتقديم مساعدات، ولكنها لا تقدّمها فعلياً أبداً، وإذا فعلت، فإنما تقدم شيئاً أقل بكثير مما وعدت به.

وسجلّ الوعود التي أُخلِفت طويل. فبعد ان ضرب إعصار ميتش امريكا الوسطى سنة ،1988 لم يُقدم سوى ثلث المساعدات التي جرى التعهد بها؛ وبعد الفيضان في موزمبيق سنة 2000 والزلزال في بَم في ايران، لم يُقدم الاّ ما يزيد على النصف بقليل. وبعدما ضرب تسونامي آسيا في ديسمبر/كانون الأول ،2004 قال ماكس لوسون، من منظمة اكسفام الخيرية التنموية، ان “التاريخ قد أظهر لنا ان الحكومات تبخس التعهدات قيمتها دائماً، ولا تقدّم الاّ نحو نصف ما تَعِدُ به عملياً”.

وبعد حدوث تسونامي بما يقرُب من سنتين، لا تزال مخاوف “اكسفام” صحيحة. فحسب مصادر الأمم المتحدة، وعدت امريكا اندونيسيا بما يزيد على400 مليون دولار، ولكنها لم تقدّم سوى 70 مليوناً. ووعدت اسبانيا سيريلانكا ب 60 مليون دولار، ولكنها قدّمتْ لها اقل من مليون دولار. وتعهدت فرنسا بتقديم 79 مليون دولار، ولم تقدم سوى ما يزيد على مليون دولار بقليل. ووعد الصينيون بتقديم 301 مليون دولار، وقدّموا مليوناً فقط. وفي المالديف، وعدت الكويت بتقديم 10 ملايين دولار، ولكنها لم تقدّم شيئاً في واقع الأمر.

فهل كانت أفغانستان بِدْعاً في ذلك؟ والجواب المأساوي هو، كلاّ. والتقرير السالف الذكر مذهل حقّاً. فالمجتمع الدولي، كما يبين التقرير، لم يفعل سوى انه كرر أخطاءً معروفة جيداً. فأولاً، على الرغم من التعهد الوارد في “الميثاق”، فإن أسباب منح المال قد أملاها كبار المانحين، لا الاستجابة للاحتياجات الأفغانية.

وحسب التقرير المذكور، فإن منْح المساعدات “قد تأثر بشدة بالأهداف السياسية والعسكرية للمانحين، وخاصة ضرورة كسْبِ ما يسمى “العقول والأفئدة”. وقد أعطيت المساعدات لتعكس التوقعات في الدول المانحة، ولذلك فإنها ليست ما يريده الشعب الأفغاني ويحتاج اليه. ويتم استخدام جزء كبير من المساعدات لأفغانستان من أجل تحقيق أهداف عسكرية أو سياسية، لا من أجل مساعدة الأفغان في الواقع العملي.

وعلى سبيل المثال، يعتمد أكثر من 70% من سكان افغانستان إمّا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على الزراعة في كسب معاشهم. ومع ذلك لم تتلق الزراعة سوى 400-500 مليون دولار منذ ،2001 وذلك جزء ضئيل من ميزانية المساعدات الدولية لأفغانستان، التي تبلغ مليارات الدولارات.

ثانياً، هنالك بون شاسع بين ما تنفقه امريكا على الحرب وما ينفقه المجتمع الدولي على المعونات. فالجيش الأمريكي ينفق حالياً نحو 36 مليار دولار في العام في أفغانستان، أي نحو 100 مليون دولار في اليوم؛ ومع ذلك فإن حجم متوسط الانفاق على المساعدات من قبل جميع الدول المانحة منذ 2001 هو 7 ملايين دولار في اليوم فقط. وفي حين ان الميزانية العسكرية هائلة، فإن 5.2 مليون افغاني يواجهون نقصاً شديداً في الأمن الغذائي، وواحداً من كل خمسة أطفال، يموت قبل بلوغ الخامسة من العمر. ومتوسط الأعمار منخفض على نحو محزن، ويعادل 45 سنة.

ثالثاً، أكثر من نصف جميع المعونات لأفغانستان مقيد بشروط، يفرض المانحون بموجبها شراء الخدمات او الموارد من دولهم. فبدلاً من ان يذهب المال لمساعدة أفغانستان، فإنه يملأ جيوب المقاولين الغربيين وشركاتهم. وعلى ذلك، فإن من المعونات التي أنفِقت فعلاً، عاد نحو 40% منها الى الدول المانحة على شكل أرباح ورواتب مستشارين.

ويشير التقرير الى ان “مبالغ ضخمة من المعونات تضيع على شكل ارباح مشتركة بين المقاولين والمقاولين الفرعيين، ممّا قد يبلغ 50% في عقد واحد، وتُمتَص كمية ضخمة من المساعدة من قبل الرواتب المرتفعة، والمخصصات السخية، والتكاليف الأخرى للمغتربين الذين يعملون في تقديم المشورة للشركات والمقاولين، حيث يكلف كل منهم 250 ألفاً 500 ألف دولار في العام”. وفي المقابل، يُدفَع للموظف المدني الأفغاني أقل من ألف دولار في العام.

كثيراً ما ينفق المقاولون كميات ضخمة من المال على شيء يمكن عمله بمبلغ أقل بكثير، وعلى سبيل المثال، كلف شق طريق بين مركز مدينة كابول والمطار الدولي الولايات المتحدة أكثر من 3.2 مليون دولار لكل كيلومتر، أي ما لا يقل عن أربعة أمثال متوسط تكلفة شَق مثل هذه الطريق في أمريكا.

وأخيراً، هنالك العجز الحتمي بنحو 10 مليارات دولار. والذي يعادل ثلاثين ضعفاً من ميزانية التعليم الوطنية السنوية. ولم يُنفَق حتى الآن سوى 15 مليار دولار من المساعدات الموعودة منذ سنة 2001. وقائمة الجناة في ذلك طويلة. فقد وزع الاتحاد الأوروبي أقل من ثلثي التزاماته للسنوات 2002-2008. ولم توزع الولايات المتحدة والبنك الدولي سوى نصف ما التزما به، ولم يدفع بنك التنمية الآسيوي والهند الاّ ثلث ما وعدا به.

فلماذا نرتكب الأخطاء ذاتها مراراً وتكراراً؟ وبينما يعيد التاريخ نفسه، تتساءل الولايات المتحدة وبريطانيا لماذا تخسران الحر

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى