في العنصرية
وسام سعادة
أن تُوجّه الاتهام بالعنصرية الى قوم بعينهم فهذا أمر كاف، بحد ذاته، لأن ترتد عليك وصمة العنصرية.
فالعنصري هو من يحسب أنه بمنأى عن العنصرية مهما ظنّ ومهما قال ومهما فعل أو مهما امتنع عن الفعل. العنصري هو من يحسب أن العنصرية متأصلة في الآخر، ومتجسّدة في عنصر محدّد، وهو يعتقد أنّه، لأجل القضاء على العنصرية، لا بدّ لها من التصويب على العنصر الاجتماعي الشيطاني الحامل لها.
لقد عانت محاولات انشاء الهوية الوطنية اللبنانية مطوّلاً من هذه الأشكال غير المحصورة للعنصرية، مثلما عانت من العنصرية المباشرة أو الفاقعة أو المتشاوفة. وقعت الهوية الوطنية في حيص بيص، بين من يفاخر بعنصريته، ويسجلها كحق طبيعي أو مكتسب له، وبين من يرذل كل مختلف عنه، ويستسهل اتهام الجميع بالعنصرية، كيفما كان، وأياً كان الظرف، وبصرف النظر عن القضية موضع العلاج.
واذا كانت العنصرية المباشرة أو التي يطابق صنيعها شعارها، قد وصلت الى أوجها يوم ارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا في العام ,1982 فانها لم تنجح في تجديد نفسها بعد ذلك بشكل نسقي يطابق فيه الصنيع الشعار. لم تندثر، وانما صارت تنام على أمجادها، أو تسعى الى اعادة تنظيم انتقائية للذاكرة، على أمل استبقاء ما يبدو أنه ملحمي في اطارها، مع استبعاد ما يبدو أنه محرج أخلاقياً ولا يمكن ايجاد الحجج الكافية للدفاع عنه.
أما العنصرية الأخرى، القائمة في الأساس على تعريف نفسها تحت يافطة «مناهضة العنصرية»، فظلّت تتجدّد من عقد الى آخر، فينضح بها كل رأي يوجب لأجل التخلّص من العنصرية استئصال عنصر من أساسه، ولأجل تجاوز الطائفية تحطيم طائفة بأسرها. وقد تطورت هذه العنصرية الأخرى كنزعة معادية ومتفهة لكل ما هو لبناني، والى حد كبير، لكل ما هو ماروني. فالمارونوفوبيا صنو الليبانوفوبيا، هذا ان لم نرد أن نختبئ وراء أصابعنا.
لم تفطن الليبانوفوبيا الا لماماً، بأنها شكل من أشكال العنصرية، وأنها عندما تجاهر بأن اللبنانيين عنصريون على أكثرهم، فانها تتورّط في مزعم عنصري، لا أكثر ولا أقل.
فاذا قيل مثلاً إن اللبنانيين عنصريون، فهذا قول عنصري. واذا كان مردّد القول لبنانيا بدوره فهذا لا يقلّل شيئاً في الحيثية العنصرية الفاضحة لمثل هذا القول.
واذا قيل أيضاً بأنّ هذا الكيان غير شرعي من أساسه، وإنه منتج كولونيالي اصطناعي لا أكثر، فهذه هي العنصرية، معطوفة على الجهل.
واذا قيل بأنّه ليس من المنطقي مطالبة الأقليات المضطهدة تاريخياً في هذه المنطقة من العالم بأن تلغي نفسها بنفسها، وأن يصبح كل تذكير من جانبها بالتاريخ الطويل من الاضطهاد الذي قاسته شكلاً من أشكال العنصرية، فهذا بدوره انغماس في العنصرية.
تتجاوز المسألة حيثية من يتهجم على كل شاعر وروائي وسينمائي وناقد وصحافي كل أسبوع وعلى أعلام من التراث، بوابل من السباب وتحت تهمة أنهم عنصريون. حكاية هذه «العنصرية اللاعنصرية» تتجاوز شخصا بعينه: انها تعكس، ولو بشكل جزئي، قناعة تناقلتها تيارات عديدة منذ أول تشكل الوطن اللبناني الى اليوم، وهي قناعة تفترض أن هذا الكيان غير شرعي من حيث وجوده، ليس لأنه ليس لوجوده حيثيات، بل لأنه كيان مبني وظيفياً على الاستفادة من أوجاع غيره. هكذا قناعة مريضة تجمع بين ثلاثية «تذنيب» التركيبة اللبنانية ككل، و«اتهام» هذه التركيبة بمسايرة العنصرية، وبين تفسير كل شيء باسم «نظرية المؤامرة». ففي نهاية التحليل، كل آخذ بنظرية المؤامرة الكونية هو عنصري، وكل عنصــري يأخــذ بنظـرية المؤامرة الكونية.
السفير