رئيس اللجنة السورية لحقوق الإنسان “وليد سفور” اعتبر الإصلاح وهماً وترويجاً للأسد
وليد سفور لـ”السياسة “: نظام دمشق يناقض نفسه يتمسك إستراتيجياً بالسلام ويدعو إلى المقاومة
* بداية ما أهدافكم في اللجنة السورية لحقوق الإنسان؟ وهل تعترض آلية عملها أي مشكلات أو صعوبات؟
– باختصار شديد أن أهداف اللجنة السورية لحقوق الإنسان هي رصد انتهاكات حقوق الإنسان ونشرها ومخاطبة السلطات السورية لتصحيح الخلل واحترام حقوق الآخر، وتنمية ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع السوري ومساعدته ليكون أكثر وعياً وأقوى مطالبة لحقوقه الديمقراطية.
أما الصعوبات التي نواجهها فهي من قلة الإمكانات ومن قوى الشد العكسي في النظام الأمني وبعض الفئات الطفيلية، فتخويف المواطنين والنفاق للسلطات تخفي الحقائق وتعيق العمل الحقوقي.
* ما الأخطار التي يمثلها ناشط مدني يعمل من أجل حقوق الإنسان على السلطة السورية؟
– كثيرة هي البلاد التي تحترم نشطاء حقوق الإنسان وتعلي من شأنهم، وتعتبرهم معياراً دقيقاً تكون كثيراً من تصرفاتها بناءً على ملاحظاتهم، أما الأنظمة المستبدة التي تبدي حساسية مفرطة من كشف انتهاكاتها لحقوق الإنسان فتعتبرهم خصوم وأعداء. أتساءل قائلاً: ما عسى أن يشكل النشطاء المدنيون من خطر على نظام مثل النظام السوري؟ هل التنبيه إلى الخلل في ممارسات الأجهزة الأمنية للنظام تشكل خطراً! أم الإشارة إلى الخلل في انعدام البنيان الديمقراطي الذي ينعكس سلبياً على العلاقات المجتمعية تشكل خطراً؟ وهل بيان تجاوز السلطات لحقوق الآدميين يشكل خطراً عليها؟
* ألا تخافون من التصفية والاغتيال التي قد ينفذها منتقدوكم خصوصاً النظام السياسي السوري؟ وما مدى تأثير تطور العلاقات الأميركية مع المحور السوري – الإيراني في جهود الناشطين المدنيين أمثالك؟
– لم أضع يوماً لمثل هذه المشاعر اعتباراً، وحتى في بعض الظروف الحرجة لم أفكر بالفتور أو التوقف… فالنشاط الإنساني عمل يستحق الاحترام، وبما أننا نردد أن الصمت والخوف لا ينفعان فعلينا أن نكون أول المبادرين. ثم إن عملنا بعيد من المحاور وينبع من قناعاتنا في الدفاع عن ضحايا الانتهاكات التي تمارسها السلطات السورية، ولم نعبأ يوماً إن كان هذا المحور وذاك على توافق أم على تضاد، ولم نحاول أن نركب موجة معينة للوصول إلى أهدافنا.
* كيف يمكنكم العمل بعيداً من المجتمع السوري “كونكم لجنة تعمل في لندن”، وألا يضعف هذا من مصداقية عملكم أمام الناس وحتى أمام المنظمات الدولية؟
– نحن نعمل بالتصاق شديد مع أهلنا في سورية ومع الجاليات السورية المنتشرة في أنحاء العالم. مرت فترات في التسعينيات من القرن الماضي وكنا المنظمة الحقوقية الوحيدة العاملة على الساحة السورية، ولقد استطعنا أن ننجز أعمالاً كثيرة ما زالت آثارها باقية حتى الآن. وما زلنا ننشط عن قرب وآليتنا في العمل تقوم على تعدد المحاور، لسنا بعيدين من المجتمع السوري وإن كنت شخصياً خارج البلد لظروف اضطرارية لكن يوجد عشرات الناشطين في اللجنة داخل سورية. إن مصداقية أي منظمة تنبع من أعمالها واستمراريتها وانجازاتها ونوعيته وتعبيره عن الواقع، وقدرتها على التحرك بالملفات الإنسانية بصورة شاملة.
* أنت قيادي فعال في جبهة “الخلاص الوطني” هل يتوافق العمل من أجل حقوق الإنسان مع العمل السياسي؟
– شاركت في بعض الاجتماعات التأسيسية لجبهة “الخلاص الوطني”، لكن سرعان ما تنبهت إلى القاعدة التي ألزمت بها نفسي منذ البداية ألا أمزج العمل الحقوقي بعمل آخر، ومن أجل هذا اعتذرت عن عدم المشاركة في أي عمل سياسي له علاقة بجبهة “الخلاص” أو بسواها.
* تمارسون عملكم الرقابي من خارج سورية، وتناشدون النظام أحياناً وتشكرونه أحياناً أخرى على إطلاق سراح معتقل، برأيك هل يتقبل النظام نشاط لجنتكم، أو حتى الشارع السوري الذي يعتبركم جزءاً من حركة “الإخوان المسلمين”؟
– نحن لا نمارس عملاً رقابياً لأن السلطات السورية لا تعترف بالنشاط والحراك الحقوقي جملة وتفصيلاً. لكننا نرصد انتهاكات حقوق الإنسان ونوثقها ونبين موقفنا منها ونطالب السلطات السورية بإصلاح الخلل الإنساني أو القانوني أو الدستوري الناجم عن حركة أجهزتها الأمنية والمخابراتية، لم نشكر مذنباً ولم نهادن أحداً، وإن كنا نتوخى أساليب الحكمة من أجل ضحايا الانتهاكات. هدفنا موجه بالدرجة الأولى إلى شعبنا: نشد من أزره ونشجعه على مواقفه في نبذ الصمت والخوف، وفي مطالبته بالحقوق الديمقراطية، ونحن نسجل ردة فعل الشارع تجاه أنشطتنا وبالجملة فهو رد ايجابي ويطالبنا بمزيد من الزخم، لكننا نؤثر الهدوء والعقلانية. الشارع السوري ينظر إلى القوى الفاعلة التي تؤيده وتساعده وتلتحم معه، فهو عريض ولكل تيار أنصاره ولا يتأثر بالضرورة بمواقف السلطة.
* يقول نشطاء حقوق الإنسان في سورية إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان ليست لجنة حقوقية كما تدعي، وإنما واجهة من الواجهات الخفية لجماعة “الإخوان المسلمين” السورية؟ ما دقة هذه المقولات، وما سبب الشرخ الواضح بين منظمات حقوق الإنسان السورية في الداخل والخارج؟
– قدمت اللجنة السورية لحقوق الإنسان نفسها منذ بداية انطلاقتها باعتبارها لجنة مستقلة ومحايدة تدافع عن كل قضايا حقوق الإنسان على الساحة السورية، ولقد حافظت اللجنة خلال اثني عشر عاماً من تأسيسها على استقلاليتها وعموم تغطيتها والتعامل مع الانتهاكات والأحداث، بل ودافعت في المحاكم الغربية مع طيف متنوع من الأفراد من انتماءات شتى، ومدت يد العون إلى كثير من السوريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية والإثنية والأيديولوجية على حد سواء. قرأنا لبعض الصحافيين المقربين من الأجهزة والمخابراتية من يزعم مثل هذا الزعم، وقرأنا لبعض تجار حقوق الإنسان هجوماً مرجوحاً وغير مبرر من الناحية التخصصية والمهنية. ونحاول أن نغض الطرف عن كثير من الروايات الهوائية ونظريات المؤامرة والمتنطعين وندعو لأصحابها بالرشاد.
لقد غطينا وما زلنا نغطي ملف “القانون 49 لعام 1980” الذي يحكم بالموت على منتسبي الإخوان المسلمين وتداعياته التي طالت آلاف الحالات من القتلى والمفقودين والمهجرين، ونعمل على سد الفجوة الناجمة عن ضعف تغطية المنظمات الأخرى لهذا الملف لأن الكلام فيه داخل البلاد خط أحمر لا يتسامح النظام معه.
لقد حافظت اللجنة السورية لحقوق الإنسان على مسيرتها الحقوقية وتمتعت بالاستقرار والنشاط التطوعي المتواصل والعضوية الهادئة المتنامية، ولم تحصل في صفوفها خلافات أو انشطارات أو صراعات، وهذا يكفي لدحض كل الترويجات، ونحن نتعامل مع الجميع بصدر مفتوح. وعلاقتنا مع منظمات حقوق الإنسان المعروفة على الساحة العالمية جيدة.
أما عن وجود شرخ بين مجموعات حقوق الإنسان في الداخل والخارج فما دام الهدف واحداً وواضحاً في نصرة حقوق الإنسان فلن يوجد شرخ ولا خلاف، وإن كان الأمر مختلفاً عند قلة قليلة لها مصالح أخرى.
* ما مصدر تمويل اللجنة بشكل رئيسي؟ وهل لديكم لجنة رقابية منعاً ودرءاً للفساد المالي أو حتى الإداري؟
– نعم أؤكد على الشفافية في القضايا المالية والإدارية. كل الناشطين في اللجنة السورية لحقوق الإنسان متطوعون ببعض أوقاتهم وجهودهم وأموالهم، ومصدر تمويل اللجنة لتغطية نفقاتها المتواضعة تأتي من اشتراكات أعضائها المعتمدين الذين يحق لهم الانتخاب، وبما أننا شركة مسجلة رسمياً فكل حساباتنا موثقة محاسبياً وقانونياً، واللجنة السورية لحقوق الإنسان لم تفتح حتى هذا التاريخ باباً لقبول المنح أو التبرعات أو تقديم الخدمات المأجورة ولم تتلق من أحد مساعدات مالية أو لوجستية. وبإمكان أي فرد أن يطلع على حسابات اللجنة عن طريق مجمع الشركات. والسبب في ذلك أننا نعمل من أجل هدف موضوعه الأول والأخير حرية شعبنا في سورية وحقوقه الإنسانية.
* ما تعليقكم على البيان الجماعي الذي أصدرته مجموعة منظمات حقوقية سورية تعتبر فيه الاجتياح “الإسرائيلي” لقطاع غزة ما هو إلا استخدام مفرط للقوة، في حين اعتبرت المنظمة السورية لحقوق الإنسان في بيان منفصل أن ما يجري هو جريمة إبادة جماعية؟
– لم أطلع على البيانين، لكن وصف العمل باعتباره جريمة إبادة جماعية وضد الإنسانية هو ما يتوافق مع المعاهدات الأممية وتوصيف القانون الدولي. وقد اعتبرته المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيليه أنه يصل إلى درجة جرائم الحرب.
* كمنظمة حقوقية، لمصلحة أي أجندة تعمل حكومة “حماس”، حيث أن هناك تياراً عربياً ضخماً يلقي اللوم على “حماس” في الأحداث الأخيرة؟
– من الواضح أن حكومة “حماس” في غزة تعمل لمصلحة مقاومة المحتل الصهيوني الذي لا تعترف به ولا بدولته، هذا هو منهجها الإستراتيجي والعقدي الذي لم تغير فيه شيئاً، أما التيار الآخر فهو تيار المفاوضات والاعتراف “بإسرائيل” والتعايش مع الأمر الواقع.
* هل تعتقد أن سورية تعيش حالة أزمة حقوق إنسان، وما الطريق الأنجع للخروج من هذه الأزمة؟
– أزمة حقوق الإنسان في سورية خانقة، والانتهاكات فظيعة، الماضي والحاضر لا يبشران بخير. ولابد للخروج من هذه الأزمة من إلغاء قوانين حالة الطوارئ وكل القوانين الاستثنائية التي تنتهك حرية الإنسان، وتعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه، والسير بالبلاد نحو إصلاح ديمقراطي حقيقي واضح المعالم يشارك فيه جميع السوريين، وتحجيم الأجهزة الأمنية وإلزامها تخصصاتها في الدفاع عن الوطن وليس في اعتقال المواطنين ونشر الخوف وحجز الحريات.
* هل هناك ولو بصيص أمل لحل مشكلة المهجرين من وطنهم، أم أن الحديث سابق لأوانه؟
– مشكلة المهجرين هي أحد ملفات القانون “49 لعام 1980″، والنظام الحاكم في سورية لم يغير وجهة نظره تجاه القضية ولا يوجد لديه حل لها حالياً إلا عبر البوابة الأمنية، وهذا ما نشاهده في هذه الأيام: يذهب المواطن المضطر إلى سفارة بلده، ويقابل المسؤول الأمني وأحياناً السفير، ويلبي كل مطالبهم، بل وتسلم الكثير من المهجرين وثيقة وفق الأصول تنص على ألا شيء ضده ويمكنه العودة آمناً إلى وطنه، أو وثيقة زيارة القطر، وهذه الوثيقة تجعله محصناً ضد المساءلة خلال فترة الزيارة- لكن عندما يصل الحدود أو المطار تعتقله السلطات الأمنية وتبدأ مسيرة جديدة من الآلام والتعذيب والمهانة تنتهي بالحكم عليه بالموت ثم تخفيض الحكم إلى 12 عاماً في السجن. وبعضهم قد يكون أحسن حالاً لكنهم قلائل. وإذا انتهت مطالبته لدى جهاز أمني فقد يكون مطلوباً لدى أجهزة أخرى.
* تقولون في اللجنة إن لديكم ما يسمى بـ”ملف المفقودين” الذي يحتوي على أسماء نحو 17 ألف نسمة، كيف أمكنكم إعداد هذا الملف وأنتم خارج سورية؟ وهل قدمتم هذا الملف لأي جهة دولية من أجل التحقيق في الأمر؟
– لقد بادرنا منذ وقت مبكر إلى التواصل مع ذوي المعتقلين والمفقودين في سورية وخارجها وأصدقائهم ومعارفهم، ونحن على تواصل مستمر مع عدد كبير منهم، بل كثير منهم من أصبح يبادر إلى الاستفسار عن أحبائه المفقودين بين الحين والآخر. المعلومات التراكمية مهمة جداً بالإضافة إلى أن الحملات الإنسانية المتكررة عبر “الانترنت” تجدد المعلومات وتقرب المسافات. هناك حالة من التواصل الايجابي وهناك معلومات جديدة بصورة مستمرة.
* النظام السوري يفاوض “إسرائيل” منذ فترة من أجل السلام وراعي المفاوضات هو تركيا، ألا تعتقد أن على تركيا أولاً أن تعيد لواء اسكندرون إلى سورية قبل أن تبدو وكأنها صديقة للشعب السوري؟ وبرأيكم هل النظام السوري تخلى عن اللواء نهائياً؟
– لواء اسكندرون جزء من سورية ومن مسؤولية النظام الوطني استرجاعه شأنه في ذلك شأن مرتفعات الجولان المحتلة. لكن النظام السوري أسقط كل الشعارات ولزم الصمت منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي عندما نشبت مشكلة مع تركيا على خلفية تأمين معسكرات تدريب لحزب العمال الكردستاني وإيواء زعيمه عبدالله أوجلان واضطر إلى عقد اتفاقية مع تركيا ضمت بنداً شفوياً بعدم المطالبة بلواء اسكندرون.
* أخيراً كثر الحديث في سورية عن محاربة الفساد، ما تفسيرك لهذا الأمر؟ وألا تعتقد أن الحكومة جادة في محاربة الفساد والمفسدين؟ وبرأيك كيف يمكن محاربة الفساد والقضاء عليه؟
– تفسيري أن الفساد قد بلغ مرحلة صعبة تورط فيها كثير من المسؤولين السوريين وعلى أرفع المستويات، والحديث عن ذلك ليس إلا خطوة إيهامية افتراضية كما حدث مرات عدة في عهد الرئيس حافظ الأسد. أما عن محاربة الفساد الاقتصادي والفساد السياسي في قمته فهذا أمر لا يستقيم. لابد من وجود ديمقراطية تسمح بوجود محاسبة وشفافية. أما في ظل الديكتاتوريات فيستهلك المتنفذون ومن حولهم من الطبقات الطفيلية المال العام والثروة الوطنية من دون رقيب ولا حسيب.
* ما موقفكم من الاستعانة بقوى أجنبية لحصول الشعب السوري على حقوقه، على قاعدة “عدو عدوي حليفي”؟ وخصوصاً أن هناك بعض من يتهم حركة “الإخوان” بأنها تنفذ أجندة أميركية وليست أجندة وطنية؟
– لا أعتقد أن هناك قوى أجنبية حريصة على مصالح الشعب السوري وحقوقه في الحرية والديمقراطية، بل كل القوى الكبرى في عصرنا تريد تحقيق مصالحها في الوطن والثروة، والرئيس الأميركي بوش الذي طرح شعارات دمقرطة الشرق الأوسط لم يكن صادقاً واقتصرت انتقاداته للنظام السوري على الملفات ذات العلاقة بالعراق ولبنان و”إسرائيل” ولم يؤثر عنه كلام عن الديمقراطية إلا لماماً لذر الرماد في العيون. نحن لا نريد تكرار المأساة العراقية في بلدنا، ولا نريد الاستعانة بالأجنبي وأنا على يقين أن الإصلاح والتغيير عملية بطيئة ومعقدة لكنها في النهاية قدر شعبنا نسعى إليها بأجندة وطنية خالصة.
أما عن الإخوان المسلمين فيمكنكم التأكد بالاتصال بناطقهم الرسمي، وإن كان كل متابع للأحداث يجد أن بياناتهم ومواقفهم واضحة تؤكد الإصلاح الوطني والتغيير الوطني واستعدادهم للدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء عليه حتى وهو في ظل النظام الحالي.
* وجه إلى ائتلاف “إعلان دمشق” جملة من الانتقادات السياسية والتنظيمية من قبل أفراد وأحزاب وهيئات مجتمع مدني ومنظمات حقوق الإنسان ومن شخصيات سياسية معارضة وموالية، ما انتقاداتك لهذا “الإعلان”؟
– كل حراك يفرز ايجابيات وسلبيات، المهم في “إعلان دمشق” أن نؤكد على الايجابيات وعلى القواسم المشتركة وتأكيد على مبدأ التغيير الوطني الديمقراطي السلمي، وألا يسرق هذا الإعلان، وقد لاحظنا بعضهم في خارج البلد يحاول سرقة الإعلان وإقصاء الآخر تحت عباءته.
* منذ استلام الرئيس بشار الأسد السلطة أطلق مشروع الإصلاح في سورية، وخلال السنوات الماضية كان الإصلاح الاقتصادي والآن الإصلاح الإداري، وبعد مؤتمر حزب “البعث” الأخير أطلقت مبادرات نحو إصلاح سياسي: قانون الأحزاب وتعديل قانون المطبوعات.. برأيك أين أصبح مشروع الإصلاح في سورية؟
– مشروع الإصلاح في سورية لا يزال وهمياً وترويجياً للرئيس بشار الأسد، وتحت يافطته أمكنه تغيير الكثير من وجوه الحرس القديم واستبدلهم بوجوه أكثر ولاء لشخصه، أجزم أن الحكم في سورية لا يزال استمراراً – من دون أي تجديد أو تحديث، لفترة حافظ الأسد، ولا يمكن إجراء أي إصلاح في ظل ديكتاتورية ضاربة الجذور وفساد واسع الانتشار ومحسوبيات وحكم أمن ومخابرات. طريق الإصلاح واضح: الانطلاق من أسس ديمقراطية وتعددية واضحة المعالم ووجود شفافية ومراقبة لكل أجهزة الدولة وإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات العامة للمواطنين، وهذه قضايا لم تحدث.
* كيف تقيم الخطاب السياسي والإعلامي للنظام السوري في هذه المرحلة؟
– خطاب النظام السوري داخل البلاد أثبت فشلاً وعقماً ولا يثق عموم الشعب السوري بالنظام الذي جلب عليه الفقر والاضطهاد والحصار ويعيش حالة شبه مستمرة من الخوف والترقب. أما في ما يتعلق بخطابه تجاه الأراضي المحتلة وقضية فلسطين فثمة تناقض واضح بين إطلاق شعارات الثورة والمقاومة في الوقت الذي يتمسك بالسلام الإستراتيجي لحل قضية الأراضي المحتلة وفلسطين، وفي الوقت نفسه الذي يستقبل فيه المعارضات العربية والإسلامية في دمشق يحكم بالإعدام على مثيلاتها السورية ويتهمها بالولاء للقوى المستكبرة، إنه يحاول عقد الصفقات مع واشنطن ويكسب ودها عبر طرق كثيرة لعل أبرزها تعاونه معهم ضد شعبه في ما يسميه “الحرب على الإرهاب”.
* لماذا لم يوفق أي طرف من المعارضة بعقد مؤتمر وطني يضم الجميع؟ وهل السبب أن كل منها يطرح نفسه فوق الآخرين أم النظام متهم بزرع الفرقة؟ وما إمكانية عقد مثل هكذا مؤتمر؟
– أعتقد أن مؤتمر “إعلان دمشق” الذي عقد في أواخر عام 2007 كان خطوة كبيرة ضمت الأطياف السياسية الرئيسية في سورية، ولذلك سارع النظام إلى محاولة إجهاض هذه الخطوة بطريقين: الاعتقال والحكم على قادته وتشويه صورتهم وممارسة كل الضغوط عليهم من جهة، ثم محاولة زعزعة الإعلان من خلال بعض الأجزاء الأقل تماسكاً فيه.
أما عن إمكانية عقد مؤتمر عام في سورية فإن النظام لن يسمح به، ولاسيما أن هناك تيارات ذات وزن كبير مغيبة عن الساحة السورية، ناهيك عن أن بعض القوى لا تشعر أنها مستفيدة من السواسية الوطنية.
* يصور البعثيون الرئيس الراحل أديب الشيشكلي بالديكتاتور لأنه استأثر بالسلطة وحكم الحزب الواحد هل كان الفساد مستشرياً في كل مجالات الحياة؟ وإذا قارنا بين فترة الشيشكلي وفترة حافظ الأسد وحتى بشار الأسد، فماذا تقول عن كل فترة؟
– لقد كان أديب الشيشكلي ديكتاتوراً لكنه لا يقارن بفترة حكم حافظ وبشار الأسد. وعندما وجد الشيشكلي أن مصلحة البلد تقتضي التخلي عن السلطة، تخلى عنها فوراً من دون مقابل من أجل الوطن، ولم يذبح الوطن والمواطنين من أجل البقاء في الكرسي كما فعل حافظ الأسد.
* ما تعقيبكم على تعليق نشاط الإخوان المسلمين “المعارض للنظام السوري”، وهل تعتقد أن هناك صفقة مقبلة بين النظام و”الإخوان”؟
– أعتقد أن “الإخوان” فعلوا ما يمليه عليهم واجبهم الوطني في هذه المرحلة. لكنني لا أعتقد أن النظام سيبني على ذلك موقفاً ايجابياً مهما صغر شأنه، هذا إذا لم تستثمر السلطة الموقف بصورة أو بأخرى لمصلحتها ضد الطرف الآخر.
* في نهاية المطاف ماذا تريد أن تقول للنظام وللمعارضة السورية؟
– ليس عندي ما أقوله للنظام الذي يستخدم القوة المفرطة لتصفية معارضيه كما قرأنا في الأيام الأخيرة، لكن أتمنى أن أرى المعارضة على اختلاف أطيافها وتفريعاتها متجهة نحو هدف واحد وهو التغيير الوطني الديمقراطي السلمي واحترام الآخر.
السياسة الكويتية