سلوى النعيمي: العربية لغة جنس تبللني تهيجني
أحمد نجيم
أجرى الحوار أحمد نجيم: تقول الشاعرة والكاتبة السورية سلوى النعيمي، في حوار مع “إيلاف” أن اللغة العربية لغة جنس، مهاجمة في هذا السياق الإسلاميويين والفرنكفونيين معا، لأنهما معا ينظران إلى اللغة العربية نظرة غريبة، الاتجاه الأول، كما جاء في حوارها مع “إيلاف”، يقدسها والثاني يسفهها، مؤكدة أن دافعها وراء كتاب بهذه الجرأة كان “استفزاز” بعض الفرنكفونيين الذين يجهلون الأدب العربي ويرجون لفكرة عجز اللغة عن الحديث عن الجنس والحميمية. كما تطرقت في الحوار إلى دور انفصام الشخصية العربية التي توظف لغة أجنبية في كل ما هو حميمي.وتثير الانتباه إلى أن علاقتنا بالجسد مشوهة نابعة من تلك العلاقة المشوهة بتراثنا وبلغتنا.
وتتحدث عن علاقتها بشخصية الراوية في كتابها “برهان العسل”، مؤكدة أن كتابها المثير للجدل “لعبة سردية نجحت في خداع” من يعتقد أنها سيرة ذاتية. كما تؤكد أن نجاح كتابها كان “غير متوقعا” نافية أن يكون السبب هو جرأته أو منعه. كما ترد، في حوارها مع “إيلاف”، على من اتهمها بالانتهازية مشددة على أنها بنت التراث العربي عاشقة له. وتتحدث الكاتبة السورية عن منع “برهان العسل” في عدد من البلدان العربية، كاشفة عن شعورها بعد أول لقاء لها مع جمهور عربي في بلد عربي، من خلال تقديم “برهان العسل” في المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء هذا الأسبوع.
حدث أول لقاء لك لتقديم “برهان العسل” إلى القارئ العربي ببلد العربي، كان ذلك خلال لقاءك بالقراء في فضاء المعرض الدولي للكتاب والنشر بمدينة الدار البيضاء المغربية (الاثنين 16 شباط برواق وزارة الثقافة)، كيف كان هذا اللقاء الأول وهل شعرت بنوع من الخوف من لقاء مماثل كهذا؟ اللقاء كان عاديا مثل باقي اللقاءات، ولم أشعر بالخوف، لأنني لا أخشى أن أحكي أشياء عن حياتي. فعلا كان اللقاء في الدار البيضاء الأول من نوعه مع جمهور عربي في بلد عربي منذ صدور الكتاب قبل سنتين، وأشكر وزارة الثقافة المغربية التي هيأت لي هذه الفرصة. لقد شعرت برهبة لقاء الجمهور وليس بالخوف، لقاء جمهور قرأ كتابي واطلع عليه ولديه أسئلة حوله. لقد اطلع كثير من الجمهور العربي على كتابي بفضل الانترنيت، لقد ساهم الانترنيت الذي كان البعض يعتبره تهديدا للكتاب، في نشره وترويجه، لقد أسعدني هذا الانتشار، ووسع دائرة أنصاري.
لنتتقل إلى “برهان العسل”، قلت أنك لا تخشين أن تحكين أشياء عن حياتك، فما حدود التجارب الشخصية لسلوى النعيمي في كتابك “برهان العسل”؟
عندما أكتب أنطلق من الذات، أكتب ناهلة من ثقافتي ومن تجاربي، سواء كانت الكتابة شعرا أو سردا. لقد سبق أن كتبت ذلك في قصائدي، لكن، للأسف، الشعر لا يقرأه أحد حتى الأصدقاء، باسثتناء شعراء أمثال محمود درويش وسعدي يوسف، فأنا أكتب دائما عن هواجسي، وما كتب لم يرق إلى سيرة ذاتية، إنها لعبة سردية، ولا علاقة لها بالسيرة ذاتية بل هي وعي ساردة راوية تعمل في المكتبة ربما يكون وعيي أنا موقفها من العلم موقفي أنا
نجحت في خداع الناس لأنهم كلهم يعتقدون أن اعتقدوا أنها سيرة ذاتية بعضهم قال إن سلوى النعيمي تعمل في مكتبة ولكن لم يسبق لي أن عملت فيها، ربما لو كنت فعلت لكانت حقيقة تعتبر سيرة ذاتية.
– هل تداخل بين الساردة أو الراوية وبين سلوى النعيمي أثر على علاقتك بالناس وعلى نظرتهم إليك؟
هم أحرار فيما يفعلون فيما يتخذونه من مواقف اتجاهي، ولكل واحد الحرية في أن يؤول الأمر كما يريد. إنني أشدد على مسألة الحرية، لا أخشى من ظن البعض بأنني الساردة.
– هناك من اتهمك بالانتهازية، لأنك، حسب اتهامهم، اخترت الصادم كي تنتشري وترفعي المبيعات؟
لا يعنيني هذا في شيء. أعترف لك بأنه لم يخطر، أصلا، على بالي أن يجد الكتاب قراء كثر في العالمين العربي والغربي. لقد شهد إقبالا كبيرا ولا أعتقد أن لهذا الإقبال علاقة بطابو الجنس أو حتى بقرار منعه في عدة دول عربية، أتعرف أن الكتاب باع في ظرف شهرين فقط من ترجمته إلى اللغة الإيطالية، 70 ألف نسخة، هل بيع بهذه النسبة لأنه صدم الإيطاليين؟ طبعا لا، فالشعب الإيطالي لا يعتبر الجنس طابو. لا أعتقد أن القارئ الفرنسي الذي توعد على المجلات البورنوغرافية وعلى الأدب البورنوغرافي سيجد الكتاب صادما، بل بالعكس سيجده مهذبا جدا، إذا كان يفكر أن كتاب بورنوغرافي سيصاب بخيبة أمل.
– وكيف تفسرين نجاحه الكتاب إذن؟
لقد نجح في تحقيق مستويات قياسية في المبيعات لأنه يطرح، كما أعتقد، أسئلة على الشباب خاصة، تهم الجسد واللغة والهوية. أتذكر أنني كنت في سوريا، التقيت، خلال ندوة، بمجموعة من الكتاب الشباب، سألوني من خلال قراءة الكتاب وانطلاقا منه (حملوا 15 نسخة عبر الانترنيت لأن بيعه ممنوعا) عن الهوية والحرية، باختصار عن كل يهمهم، لقد اسعدني قدرة الكتاب على طرح كل هذه الأسئلة.
من انتقد الكتاب وربطه بالانتهازية هم من الروائيين غير الشباب، لكن للشباب موقف آخر، اعتبروه مصالحة لأنني ربطت الحرية بالتراث العربي الإسلامي، من خلال تجربة فتاة عاشقة للثقافة العربية. حريتها الجنسية مستمدة من التراث العربي الإسلامي. هذا الأمر يهمني شخصيا ويجيب على أسئلتي.
الحب حرية.
نحن نستعمل كلمة حب، ونادرا ما نستخدم كلمة جنس، هل هناك فرق. أجابت رجاء وهي تنظر ماكرة، في بيتها كانت نادية تنتظرنا. فتحت الباب شبة عارية. باريو خفيف ملون معقود عل صدرها منسدل حتى أعلى ساقها فقط. من الواضح أنها لا تخجل. تحكي وتتحرك بحرية. هي جميلة بهذه الحرية. حبيبها يتصل من فرنسا. تغمر بعينيها وتتابع حديثا ساخنا ساخنا. (من “برهان العسل”)
– لكنك أنت نفسه سبق أن صرحت “لا أتصور أن الرقابة على هذه الدرجة من الغباء وإذا كانت كذلك فسأصبح مشهورة”؟
طبعا قلتها ساخرة، لكنني كنت أشير إلى أن المنع قد ساهم، في انتشار الكتاب. لكنني دائما أؤكد أن الكتاب ليس فيه ما يمنع، فهو ليس من الكتب المبتذلة.
– ألم يكن البحث عن الشهرة أحد محفزاتك لكتابته؟
لو كنت أبحث عنها لفعلت، إن الأشياء جاءت ولم أسع إليها.
– من خلال الكتاب تؤكدين بأن اللغة العربية لغة جنس، فلم تبدو عكس ذلك؟
طبعا اللغة العربية لغة جنس ولكن بعلاقتنا المشوهة مع لغتنا بترنا منها هذا الجانب، لبترنا منها كثيرا من الحرية. عندما أتكلم عن الحرية في اللغة العربية، فإنني لا أستحضر الجنس فقط، بل أتذكر الفلسفة وأمور أخرى.
– لكن خطاب الإسلاميين يعتبرون العربية لغة مقدسة منزهة عن أمور مثل هذه؟
هذا خطاب الإسلامويين لا يهمني، في علاقتي بثقافتي لا أعتبرها لغة مقدسة، إنها نالت هذه الصفة من خلال ربطها بالقرآن، ولكن اللغة العربية تغيرت إنها حية متطورة. في الصحافة نواكب هذا التطور، لكن بعضهم يحاول أن يضع اللغة في تابوت.
إن الإسلامويين يلتقون مع الفرنكفونيين في نظرتهم إلى اللغة، فالاتجاه الأول يعتبرها لغة مقدسة والاتجاه الثاني يصفها بالعجز وعدم القدرة على الحديث عن الجنس. ثم يقولون إن ديننا متقشف، هذا ليس صحيحا، اسمع ما يقوله القرضاوي. إن الإسلام يحكي عن كل شي يحكي بشكل مفصل على الجسد، بينما لا حضور للجسد بهذه القوة في الديانة المسيحية.
– لماذا أصبح الجسد في العالم العربي محرما؟
لأن لنا علاقة مشوهة بتراتنا وبلغتنا وبكل ما يمكن أن يمنحنا اللذة والحرية. في السابق لم يكن هناك خوف.
العربية تبللني تهيجني
كانت الحرية التي يكتب بها القدماء تمد لي لسانها مع صفوف الكلمات التي لا تجرؤ على استعمالها، لا شفويا ولا تحريريا. لغة مهيجة. لا يمكن أن أقرأ مقطعا دون أن أتبلل. لا يمكن للغة أجنبية أن تثيرني هكذا. العربية هي لغة الجنس عندي. لا يمكن للغة أخرى أن تحل محلها وقت الحمى، حتى مع غير الناطقين بها، من دون الحاجة إلى ترجمة طبعا”. (من “برهان العسل”)
– ألا تبالغين في هذا الطرح، فالخوف مرتبط بالحرية أو غياب الفرد مقابل هيمنة الجماعة؟
الفرد جزء من المجتمع، ما يقال عن غياب الفردانية غير صحيح، أقول أن أكثر الأشعار فردانية عربية. كان الشاعر العربي منذ الجاهلية إلى الآن، فردانيا موغلا في الفردانية. الفرنكفونيون يقولون إن الأدب العربي لا يعترف ب”أنا”. يغيبها ويلغيها. هؤلاء جهلة لا يقرأون الأدب ثم إنهم يروجون هذا الخطاب كنوع من الاسترزاق، لغتي العربية لا تعرف “أنا” لذا أكتب بالفرنسية، صديق قال لي إنه يكتب بالفرنسية لأنه يشعر بحرية أكثر، فقلت له هذه هي معركتي أنا، أكتب بالعربية وأنا حرية دون قيود حمراء، لذا لا يعنيني.
– هل الدراسة كانت طلبا من جهة ما؟
لا لم تكن كذلك، محفزاتي على كتابتها ذاتية، أسمع اتهامات كثيرة للعرب، نتهم أننا لا نكتب عن الجنس وعن الحميمية بلغتنا العربية. هذه فكرة يروجها الفرنكفونيين، فلأنهم لا يستطيعون الكتابة باللغة العربية، يلجؤون إلى هذه الغزعبلات، ويقول بعض كتابهم إنهم يلجأون إلى الفرنسية لأنها لغة متحررة في حين أن العربية مقدسة لأنها لغة القرآن، حافزي على كتابة هذا الكتاب هو التصدي لهذه الاستفزازات، على مدى سنوات كانت هذه الخزعبلات تثيرني وتستفزني.
لقد درست الثقافة العربية ولي صلة قيوية بالتراث العربي، أحس أن أفكار هؤلاء الفرنكفونيين تهددني، فأنا مخلوقة لغوية ترفض هذا التهديد، ترفض من يهدد هويتي ولغتي. اللغة العربية لغة منفتحة على الثقافات الأخرى، بالعكس استفادت من الثقافات المنتشرة في العالم الإسلامي.
– تتكلمين عن اللغة العربية كلغة حسية ومتحررة لغة الجنس، نفس اللغة تتهم بالتقديس، ألا ترين أن الموقفين معا غير مطابقين للواقع، كل واحد منهما يحمل نوعا من المبالغة حد التطرف؟
إن منطلقي واضح، فكل النصوص التراثية بالنسبة لي ثقافية، سواء كانت مقدسة أو غير مقدسة، فالدين بالنسبة لي ليس حراما وحلالا، بل ثقافة، لا يهمني، مثلا، ضعف حديث نبوي كثير التداول، أنا أعتبره جزء من ثقافتي. بالعودة هذه النصوص العربية القديمة فإنني أستوحي منها حريتها. أكرر، أنني تعاملت في كتابي هذا مع النصوص التراثية شكلا ولغة وأخذت حتى تعاملها مع الشخصيات، إذ كانت تركز على أخبار الشخصيات.
– هناك من تعامل مع كتابك تعاملا “أخلاقيا”، هل لهذا علاقة بالعقلية العربية الحالية؟
في كتب النقد العربي القديم كالجرجاني وغيره كان الناقد يحكم على الأدب حكما فنيا، يتحاشى إقحام الأخلاق، فالشاعر أبو نواس مثلا، اعتبر شاعرا كبيرا وقف هذا المنطق الفني، كانت لهم قدرة كبيرة على فصل أحكام الدين والأخلاق عن الفن، هذا ما عجز ويعجز عليه كثير من نقادها العرب، إذ حاكم بعضهم الكتاب أخلاقيا.
– ألهذا علاقة بالعقلية العربية أو النفاق المنشر في العالم العربي، فمن تجليات هذه العقلية أن العربي يعبر مشاعره بالفرنسية ويتحاشى استعمال اللغة العربية؟
طبعا هذا نوع من الانفصام في الشخصية العربية، تلاحظ أن العرب الذين يتكلمون العربية سرعان ما يوظفون الانجليزية أو الفرنسية لما يشرعون في الحديث عن الجنس أو حياتهم الحميمية. لقد تحولت كلمات الجنس بالعربية إلى شتائم فقط.
– هل هذا الانفصام كما سميته، مرتبط، كذلك، بصعود التيار الأصولي وقوة حضور التيار المحافظ ومجتمع التقية؟
أعتقد أن ذلك الانفصام في الشخصية نوع من المقاومة. مقاومة كل من يريد أن يفرض علينا تصورا معينا، فهو شكل من أشكال التحدي، صارت التقية جزء من حياتنا. فمع كل سلطة نلجأ إلى التقية، في السياسة نلجأ إليها، إذ لا يمكن أن نعبر عن رأينا السياسي، مثلا، دون خوف من المخابرات. هناك تقية في الأسرة، فمن سلطة الأهل إلى السلطة العليا (الله) نتعامل بالتقية. التقية أضحت نوعا من مقاومة السلطة.
– يبدو أن هذه السردية اللعبة قد استهوتك؟
نعم أعجبني اللعبة. كانت فكرتي الأساسية ومحرضي لكتاب “برهان العسل” هو تلك اللعبة السردية، بالإضافة إلى أن بحثي في أصولي العربية أعتبره نوع من الارتقاء إلى حتمية تاريخية. في البداية كان الكتاب دراسة عن الجنس في الأدب العربي.
– أنت تقيمين في باريس، هل كنت ستكتبين بتلك الطريقة لو كنت مقيمة في دولة عربية؟
لا أعرف الجواب، ولا أحب “لو”. ربما كنت أكتب كتابا أكثر جرأة، فمع الضغط يمكن للفرد أن يثور أكثر. بطبعي أنا شخصية معاندة، ربما كنت كتبت كتابا أكثر جرأة، لكنني أعود وأقول أنني لا أحب “لو”.
ايلاف