هل السجود للأقوياء دليل احترام أم إذلال للساجد ..؟
مصطفى حقي
قبل أن يعرف الإنسان الإله كان الضعيف منهم ينحني للقوي وقد يصل الانحناء إلى السجود والتضرع والتوسل عند أقدام المتغطرس بل وتقبيل تلك القدمين .. إذا كان هذا الإنسان ( بعضهم) الذين اتصفوا بالقوة أن يلزم المستضعفين السجود له … كيف بهذا المتغطرس إذا اكتشف أن هناك إلهاً خارق القوة بل بيده الخير والشر والحياة والموت والفرح والترح والسعادة والشقاء .. عندها سيكون ذلك المتغطرس أول الساجدين لإله القوة الذي آمن به ويتبعه حتماً وبأشد الخوف الضعفاء أو الرعية التابعين له .. أي أن اكتشاف الإله من قبل الإنسان هو إضافة الرعب بأنفس المستضعفين من المخلوقات البشرية والسجود بهلع للإله ولخلفائه من أقوياء البشرية على الأرض .. الإنسان على الأرض وبالأخص القادة منهم ( أولي الأمر) لايمكنهم إخضاع رعيتهم لأوامرهم إلا عن طريق الإرهاب والسوط وسيف الجلاد أي ان إخضاع العباد لسطوة السلطان هو عن طريق إذلال العباد وإخضاعهم عن طريق طقوس الإهانة لشخص الولي العظيم الذي بدوره يسجد للإله الكبير وبخوف وإذلال أيضاً … ومن أجل وغاية استمرارية العبودية العبادية للإنسان منع القائمين على طقوس العبادة ، العابد من التفكير واعتبروه خروجاً عن الإيمان وكفراً وإلحاداً والعبادة فوق التفكير .. بل عزوا كل مايمت إلى آلية الفكر والعقل إلى ابليس وشيطان اخترعوه لإرهاب الإنسان وعدم خضوعه لوسوسات الشيطان كما يدعون ، أي أنهم حاربوا الميزة الوحيدة التي تفرق بين الإنسان والحيوان وهو العقل والتفكير ، ولو كان الخالق يخشى أو يخاف من فكر الإنسان وعقله لخلقه منذ البداية بلا عقل مثله مثل الحيوانات وكفى المؤمنين شر القتال … ولكن للإله غاية في جعل الإنسان مفكراً دون بقية المخلوقات ، لأن التفكير منبر للخلق والإبداع في شتى مجالات الحياة ، بل تجديد مستمر للحياة
والآن نلمس ذلك البون الشاسع ما بين الأمم الذين احترموا عقل الإنسان وتفكيره ومابين الذين كبلوا عقله عن آلية الفكر والتفكير واعتبروا العقل مجرد وعاء نقل لتعاليم الأولين أول ما توصل إليه العقل المفكر هو إزالة آليات استعباد الإنسان لأي كان غيبياً أو مادياً وإعطائه حرية العيش بكرامة بين أفراد جنسه في ظل حكومات منتخبة مؤقتة وغير دائمة في ظل رقابة إعلامية شاملة ورقية وإذاعية وفضائية تقف بالمرصاد لكل خروج يمس حرية الإنسان في التفكير وإبداء الرأي وحقه في التظاهر وفي المساواة بين الأفراد تحت شعار الإنسان المواطن المرتبط بأرض الوطن وليس الدين أو القومية أو الجنس .. ومن هذه الظاهرة الديمقراطية الرائعة انطلق الإنسان المفكر الحر ليبحر على متن العقل المفكر يخوض بحار العلم ليرتقي في سلّم الإبداع والاختراع لكل ما يقود إلى إسعاد البشرية في القضاء على كثير من الأمراض وتنوير ظلامه بضغطة زرٍ وجعل المسافات قريبة بين أقطاب العالم باختراعه الطائرات النفاثة والسيارات والبواخر ليكون من العالم المترامي الأطراف قرية كونية جامعة في مجتمع متجانس وحكومة عادلة ولا فرق بين الإنسان وأخيه الإنسان ولكلٍ اعتقاده الديني الخاص به من غير أن يلزم الآخر وكذلك حريته أن ينتسب إلى قومية أو جنس وبحريته الخاصة أيضاً دون أن يلزم الآخرين بأرائه .. والذي أدى إلى نشوء دول عصرية رائدة في أوروبا تحقق النجاح المتواصل تكنلوجياً وإنسانياً وفي كافة مجالات الحياة وبعكس الدول التي لم تزل تسير في ركب هيمنة الروحانيات ومسلمات القبيلة والعشيرة ومنع العقل من التفكير والإبداع لتشكل دولاً متخلفة وبكل معنى الكلمة وتعيش عالّة على العالم المتحضر وتستورد كل شيء ابتداءً من حبة الدواء وحليب الأطفال إلى الآلة وحتى رغيف خبزه وبالنتيجة أن يكون الإنسان مستقلاً في رأيه وفكره دون إرهاب عبادي أو قيادي …؟