سمر يزبك في “رائحة القرفة” .. التعري.. خلف ستائر الجسد
سونيا سليمان
بجرأة واضحة تطرق سمر يزبك وكعادتها، مواضيع تبدو غير مطروقة في أعماق الأنثى وعوالمها الداخلية. ففي روايتها هذه، تتناول موضوعات المرأة بما يتخللها عوالم في قمة السرية، وكأنها عميل سري يفك شيفرات المرأة المناطة تحت ستارتها الداكنة، ويصور أسرّتها ولياليها المحشوة بالأسرار. ربما لا يهمنا كثيراً كيف وصلت إلى تلك العوالم التي يلفها الكتمان والحذر، بقدر ما تتمكن من إبراز أهميتها وغرائبيتها، عوالم تدركها المرأة وحدها دون غيرها في شرقنا، لتتحول لديها إلى مونولوج داخلي مستدام. الروائية يزبك، وباستفاضة جريئة وتفصيلية، تطلعنا عليها من خلال شخوصها في “رائحة القرفة”، لتكشف طقوس المتعة وأسرارها في الأحياء الشامية ومن تستضيف في غرف نومها، فهذه الأحياء لا ترد أحداً عن أبوابها، من كافة المجتمعات ومن مختلف الأنحاء والأعمار. ومن خلف أبوابها نساء يجمعهن المال والمتعة في زوايا ضيقة جداً وفاخرة جداً. الفرق بين الضوء والعتمة شارع ضيق استطاعت أن تقيس مسافته (عليا)، الخادمة التي تعمل في بيت (حنان)، والتي تقطن في حي المهاجرين الراقي الذي تطل من نوافذ بيوته دمشق على قاطنيه بكل فضاءاتها.
بلغة سردية جذابة وما تتخللها من حوارات مكاشفة ذاتية على ألسنة شخوصها، ندخل معها الغواية ونعرف المدى المجدي بين هذه المرأة وتلك، واللامجدي بينهن جميعاً، رواية تدخل معها أبواب الشفقة مرة ومرات باب الغواية دون أن تتساءل لماذا؟ سترى آلاف الأسباب بانتظارك في الداخل، العري الجسدي الذي تفصح عنه يزبك يوازيه عري في الخارج، ولكن قلما نقرأ عنه أو نحاول إلقاء الضوء عليه، إنما نتهامس به سراً بلغة الخيالات مرة، ومواجهة الذات سراً مرة أخرى، كي نستطيع الكشف عما يدور في النفس اللاهثة وراء الملذات، والنفس التي وضعها قدرها في عالم الملذات وبلا وعي تكون قد دخلت العالم الذي ترى أنه خلاصها.
تغوص سمر يزبك في روايتها الثالثة “رائحة القرفة” في أعماق المجتمع النسوي الدمشقي، لتكشف تجاويفه الداخلية وتدخل في تفاصيل الحياة النسوية عامة وحياة نساء المجتمع الارستقراطي خاصة. وهي هذه المرة تدخل بين المرأة والمرأة (الفقد، الحرمان الجنسي، الحرمان المادي والفقر). ماذا يفعل الفقر بالمرأة (الأنثى) حين تمارس دور الرجل بل تقوض دوره تماماً لتدخل تلابيب حالته المفترضة لكن على الصعيد الجنسي فقط؟ الحالات الاجتماعية المركونة خلف الأبواب الموصدة هناك، عالم لا بد من الكشف عنه والدخول إليه لفهمه والتقصي عنه ودراسته لأنه جزء من الواقع لا ينفصل عن واقع أي منا، قد لا نعيشه لكننا لا بد وإن سمعنا به، وباستهجان كبير تقبلنا فكرة الاستغلال الذي تتعرض له المرأة من المرأة ذاتها بسبب تعرض الأولى لاستبداد الرجل…، هنا بعض خفايا المجتمع المخملي وأسراره البعيدة عن عيوننا وإحداثياته المهملة أو لنقل البعيدة عن عالمنا، فتاة خادمة تتعرض للاغتصاب من قبل سيدتها ويقترن ذلك بلقمة عيشها لأن يصبح ذلك الشيء عادة لا تستطيع هي نفسها الاستغناء عنها… وكذلك تكون حال سيدتها أيضاً… (عليا) البنت التي رمتها أقدارها بين أيدي تنبت منها مخالب تطال الإنسان بكل طاقاته التي يبددها عبثاً في الدفاع عن نفسه، إنه العوز وما يفضي إليه، الفرق الشاسع بين حياة القصور والحياة في الأنفاق الضيقة وزواريب العتمة. مرة أخرى، تنقلنا يزبك معها إلى عوالم موازية وغير متوازية في كل شيء، حتى في رائحة الشجر وضوء الشمس والهواء؛ كل شيء يختلف ليتشكل لأناس لهم ما أرادو لا لشيء سوى امتلاكهم المال!. كيف يستطيع المال تغيير الحياة والطبيعة البشرية بهذا الشكل ومن أين له كل هذه الغطرسة؟!.النهايات المبتورة في رواية “رائحة القرفة” قد تشكل فصلاً جديداً ربما على القارئ أن يكمله بتصوراته الجزئية والكلية معاً. مخاض واقع مرهون بنتائج لا تفضي إلى حلول، أسباب تقود إلى فعل وأخرى إلى ردات فعل، ويبقى السؤال عالقاً.